ساذجٌ من يظن أن المنظمات الدولية تعمل لخير الإنسانية ورفاه البشر وحماية حقوقهم ورعايتهم ضد الفقر والجوع والجهل. فللمنظمات أجندتها أصالةً أو وكالة عمّن يُمسك بمصادر تمويلها. وتسميتها بالمنظمات غير الحكومية Non Governmental Organizations (NGOs ) أو منظمات المجتمع المدني Civil Society Organizations , تسمية مخادعة، غامضة ومضللة. غالبيتها العظمى تمولها الحكومات الغربية لتنفذ عبرها سياساتها ومخططاتها ومؤامراتها.
لكم سمعنا من المسؤولين والسفراء الغربيين تصريحاتهم أنهم أوقفوا العون التنموي للسودان لكن عونهم “الإنساني” متواصل، ويقولون إنهم يوصلون هذا العون “الإنساني” للسودان عبر منظمات المجتمع المدني!!! هذا عِلماً أن الثابت المُحقق أن بين 60% إلى 80% مما يسمى العون الإنساني يرجع للدول المانحة نفسها، وما تبقى كافٍ “ليبرجل” بلد!!!
وللتاريخ فإن العون التنموي للسودان توقف جزئياً في عام 1984 , ثم تدرج المنع ليبلغ ذروته في حكومة الصادق المهدي، ليبلغ أقصاه مع الإنقاذ.
بحوثٌ شتى ودراسات ميدانية أثبتت أن العون المقدم من المعونة الأمريكية USAID ومن اليونيسيف ومن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ومن البنك الدولي، عون فاشل، لكنه حقق نمط حياة رغد للعاملين فيه affluent lifestyles of the bureaucratic staff وتحديداً الموظفون الدوليون من الغربيين. هؤلاء يمارسون فساداً في دول العالم الثالث وبطريقة تنُم عن موت الضمير. فمثلاً جلبت تلك المنظمات حبوباً للمجاعة في الصومال عام 1986، رغم أن تلك الحبوب كانت منتهية الصلاحية لدرجة أن حديقة الحيوانات في سانفرانسيسكو رفضت أن تطعمها لحيواناتها، لكنهم أرسلوها لنا في الصومال لأننا أدني من الحيوان درجةً!!! وفي إندونيسيا قامت تلك المنظمات بتدمير النظام البيئي واضطهدت القبائل في تنفيذها لبرنامج إسكان ضخم في منطقتهم. وواجه الهنود الحُمر في الغابات المَطِيرة في البرازيل المذابح باسم تطويرهم على أيدي تلك المنظمات، بشهادات دولية موثقة.
في أوائل ثمانينات القرن الماضي مَوّلت المعونة الأمريكية برنامج لتقييم الطاقة في السودان Energy Assessment Programe بمبلغ 5 مليون دولار. كان المسؤول عن تنفيذ البرنامج أمريكي تخرج من الجامعة في نفس سنة تنفيذ البرنامج، واستُقدم عدد ممن يُسمون خبراء كلهم يتلقى رواتبهم ومخصصاتهم المغرية خصماً على البرنامج، وتستورد حتى أقلام الرصاص من أميركا، ويعيش كل أولئك الأمريكان نمط حياةَ مرفّه فعلاً، فحتى طعامهم يأتي مُبرداً من أميركا عبر الشحن الدبلوماسي Diplomatic Cargo للسفارة الأمريكية، ويتمتعون بإجازات متعددة مع تأمين صحي وتأمين على الحياة، ومركبات فارهة استوردت خصماً على ميزانية البرنامج. وباختصار نال حكومة السودان فقط 250 ألف دولار من جملة الميزانية البالغة 5 مليون دولار. والمؤسف أن التقرير الذي لخص كل البرنامج كتبه سودانيون بمبلغ زهيد، ولم يسهم من سُمّوا خبراء أمريكان بشيء فيه!!!!
أورد جراهام هانكوك في كتابه Lords of Poverty نماذج مريعة لفساد المنظمات والعاملين فيها في شرق أفريقيا بما في ذلك السودان. وكانت نماذجه شهادة عيان ومعايشة بعد أن عمل بها في شرق أفريقيا. وكل شهاداته تُثبت أن تلك المنظمات تنفذ برامج استلاب ثقافي وتغريب، وبرامج تمسيح، ومخططات سيطرة وهيمنة للحكومات الغربية. كان هانكوك أميناً صادقاً في شهاداته؛ تأكيداً لمًا جاء في القرآن أن أهل الكتاب “ليسوا سواءً” فمنهم أمناء مخلصون للحق والحقيقة وهذه قِلّة، ومنهم أكثرية ظالمة، بضروبٍ للظلم شتى.
بالسودان أكثر من 700 منظمة، وقرابة 300 منها سُجّلت بعد (الثورة). وهذه المنظمات لا تكاد تترك مجالاً من مجالات الحياة إلّا وهي فيه منغمسة. وهي ودولها تنسق وتوزع الأدوار بينها. وهي أدوار تتجنى على الإنسانية حين تزعُم أنها تعمل من أجلها، لأنها تخدم الدول وبرامجها وكذلك المنظمات وبرامجها. في الغرب الرسمي والمنظمات العاملة مع ملئه ليس هناك شيء مجاني There is no free lunch كما يقول الأمريكان. أقول الغرب الرسمي وملؤه، لأن عامة الغربيين وبخاصة عامة الأمريكان طيبون إنسانيون يتبرعون لفقراء العالم الثالث بالمليارات التي تحرف المنظمات مقاصدها وتأكل أكثرها.
والحضارة الغربية أكثر الحضارات التي أسهمت في التطور المادي والعلمي للبشرية، لكنها وبقدر أكبر، أكثر الحضارات التي قتّلت البشر واضطهدتهم واستعبدتهم واستغلت مواردهم، وفي طورها الحالي هي أكثر من يتولى مخطط حرف البشر عن طبيعتهم وفطرتهم، وإفساد أخلاقهم وفرض ثقافتها المنحرفة على الإنسانية. وفي سبيل فرض الانحراف لا تتورع عن استخدام أي سبيل، ودونكم ما تعرضت له قطر لتسمح بمشاركة قوم لوط لرفع علمهم والترويج لانحطاطهم. وجرى ويجري كل ذلك عبر الحكومات وعبر المنظمات.
بالنسبة إلينا تقع المَعَرّة على بني جلدتنا الذين يتولون كِبْر تنفيذ تلك الأجندات الخبيثة.
كلنا خطاؤون، وليس فينا من يستطيع ادعاء العصمة وملائكية السلوك. لكن أن يصل نفرٌ إلى الترويج – عبر منظمة يمولها غربيون – لقوم لوط والسحاقيات، فذلك ما لم أكن أتصوره. لكنه يحدث الآن بكل أسفٍ في السودان.
نواصل
♦ياسر أبّشر. ——————————-
3نوفمبر 2022