١٩٩٥/١١/١٦ يوم لا ينسى ..
كان يوما من أيام الله الخالدات نفر فيه الشباب والشيوخ. والطلاب والأساتذة. والعلماء والأطباء والدعاة.. كل الفئات كانت هناك.. كل الناس من عموم السودان. فقد امتحن السوداني في كرامته وكان لابد له ان يجتاز الامتحان..
كنا قبل نفرة كمين يوم القيامة. كما يسميه الحبيب الناجي عبد الله.. كنا قد انسحبنا من فرجوك. وما ادراك ما فرجوك ومقوي وفلتاكا وافوقي.. هناك حيث ابو الحسن الذي ثوي.. وعلاء الدين عركي الذي مضى ومحمود شريف الذي قضى.. . كان الشباب الطامحينا مع جند الله الميامين يتوسدون شيكاراتهم ويتوكأون على بنادقهم. وخنادقهم هي مقابرهم.. كان محمد أبو الحسن أمير المجاهدين فتا نحيلا طويلا جادا درس البيطرة بجامعة الخرطوم فيه فطانة الكردافة وتميزهم وتحت امرته كبار الأطباء والعلماء.. بروف محمد سعيد الخليفة. ود. عبد الله بن الماجشون. ود.. مصطفى ميرغني طباخ المجاهدين كان من تواضعه وادبه الجم يحتطب كل يوم ويعد الشاي والطعام لاخوانه يحسبه كثيرون طباخا وهو وزير وطبيب بيطري متفوق شارك في غزوة يوليو 76 كان بسيطا في كل شئ ملبسه ومظهره قاهرا لنفسه مجتهدا في العبادة رأيته بعيني في التمام ونحن نتوجه الي افوقي وقد ذرف دموعه وهو يجأر الي الله بالدعاء كان د. مصطفى ميرغني مجاهدا صبورا واخا صدوقا ظل ملتزما مثابرا زاهدا حتى لقى ربه راضيا مرضيا في هجليج في العام 2005م وأما د عبد الله فقد كان ينتعل الشقيانة ويخدم إخوانه بهمة وعزيمة وبفرح غامر كان عالما ربانيا وحافظا ثقة له مدارس ومجالس وله ابتكارات ومبادرات غير تقليدية في شتى العلوم ومازال الدكتور عبد الله عثمان.. يمارس الدعوة كاعظم وظيفه في داره وفي المسجد وهو الاستاذ بأم الجامعات الخرطوم اذا رايته حسبته عاملا من غمار الناس وعامتهم لكنه ومنذ ان قابلته في فرجوك قبل ربع قرن من الزمان وهو بتلك الهيئة البسيطة. ظل والي يومنا هذا. بسيطا ورعا زاهدا عاملا للدعوة بكل الطرق العلمية المتاحة.. وأما البروفيسور محمد سعيد الخليفة فرغم تخصصه النادر ظل رفيقا دائما لكل الَمتحركات لا يكل ولا يفتر يوزع ابتسامته على الجميع.. ويلاحق المتحركات المتقدمة. فما ان يرتكز متحرك الا ويتركه ويلحق بالمتقدم.. د. محمد سعيد اختصاصي القلب.. حافظا للقرآن بروايات شتى. وعمل مديرا لأكثر من جامعة ولكنه في العمليات كان جنديا شجاعا وَمخططا بارعا. ورجلا شهما استطاع عبر مهنته ان يساعد الجرحي ويخليهم ويشخص ويجري العمليات الجراحية في ظروف طبيعية بالغة التعقيد.. وكان الدكتور محمود شريف قد اصطفاه الله شهيدا في موقف بطولي نادر.. في كمين سبق كمين افوقي.
عدنا ياسادتي من افوقي.. وفرجوك.. مرورا ب فلتاكا ومقوي..
لم نلبث الا يسيرا حتى دوي النداء ياخيل الله اركبي..وأعلن النفير العام
ها قد تكالب الاشرار واحاطو بنا… تراجع المتحرك من افوقي وفرجوك ومن ونجبول الي الميل 73..
التحقنا بالقوة في جوبا وجدنا كبار المجاهدين هناك.. انتقي الشهيد علي مجموعة كبيرة. وفقا للتخصصات في الأسلحة.. التحقنا فورا بالمتحرك.. اجتمع قائد المتحرك َالنقيب ابوعاقلة.. رجل عجيب.. وغريب.. ابوعاقلة.. رجل ربعة.. ليس بالطويل ولا قصير القامة يميل حجمه الي البدانة غير المفرطة. لونه الي الخضرة السودانوية أقرب.. تلمس فيه سماحة وبشاشة بادية لكنه يستبطن عزما وحزما شديدين. كان ابوعاقلة عندما تنظر اليه تستحي ان تمعن فيه النظر كأنه مودع وقد كان.. شديد الحياء مقدام غير هياب.. واذكر من كثرة تشديده وتهديده لنا في ذلك الموقف العصيب كدنا ان نعتذر من القيادة.. فقد الح علينا.. أي زول ياجماعة ماقادر.. نحن عازرنو تب ممكن يتفضل.. رحم الله ابوعاقلة فقد اصطفاه الله في ذلك الدرب ورفعه مكانا عليا.في الخالدين. انفض سامر اجتماع الحرب. بقيادة ابوعاقلة وحضور. على عبد الفتاح والناجي عبد الله ومحمد احمد حاج ماجد وحمدي مصطفى وآخرين.. جاء المجاهدون من كل حدب وصوب نفرو خفافا وثقالا.. اذكر شجرة.. مك.. كنا في ظلها نتسامر قبل يوم من الكمين جمعت تلك الجلسة فاوعت.. كما جمع المتحرك كل قادة الحرب ومعتاديها.. جاء.. حسين دبشك.. وحمدي مصطفى.. جاء. أمين الدولب. وقتادة محمد عثمان.. جاء خطاب الجعلي وفوزي عباس.. جاء خالد جويلي. ومبارك القنالي.. جاء. ميسرة.. و النعمان … جاء أنس علي.. ومنير شوراني.. جاء المئات والالوف.. بلا. جلبة او عدة.. بلا.. زاد.. أو عتاد.. نفرو.. وفرو الي الله.. شباب. نضير.. يبتسمون في فرح وهم يواجهون الموت.. واي موت. فالقتال في الادغال مر.. و النزال فوق التلال صعب المراس.. لكنهم فتية امنو بربهم وبفكرتهم ومنهجهم فكتب الله لهم الظفر ونال بعضهم شرف الشهادة.. حبا في الله ودفاعا عن الوطن العزيز الذي لطالما تربص به العملاء واستهدفه الخائنون.. لكنه ظل عصيا على الاستسلام او المهانة والخضوع..
كانت الميمنة على رأسها يوسف سيد.. سيد الدفعة 40. وكانت المسيرة على رأسها الأخ المجاهد حمدي مصطفى أمير المجاهدين ويشترك حمدي ويوسف سيد في التزامهما الشديد وتدينهما كانت البساطة تعلو وجهيهما.. كان حمدي مصطفي شديد الحياء كثير الصمت والتفكير والتدبر كثير العبادة متقشفا له ابتسامة عجيبة تميزه وتعطيك شعور بالمحبة والمودة والاطمئنان. أما يوسف سيد فضابط خفيف الظل طريف نحيف لكنه مقاتل صنديد وذو مواهب متعددة.. فهو خطيب مفوه وشاعر متمكن له قصائد جياد وله محبة ومكانة بين جنوده..اذكر وقد كنا معه في الميمنة وفي تفقدنا للجند. وجدنا ضابط صف منشغل عن كل هذه الجلبة والاستعداد للتقدم.. منشغلا ب.. ألفية لالوبة.. يجرد فيها وهو في عالم آخر…
في تلك الشجرة الوارفة.. جلس العشرات من المجاهدين يتذكرون ايام الجهاد..يحكي دبشك أمير السائحون وينظر للقنالي.. مبارك الرجل المبارك كان مصورا لساحات الفداء فتى في ريعان الشباب نحيلا نحيفا تنظر اليه فتتذكر صورة الصحابي الشهيد جليبب كان مبارك ذو عين فاحصة وقدرة في التصوير خلاقة لا يماري او يجادل ويبتسم نصف ابتسامة موحية يتحدث وهو صامت وهذا هو منير شاب ابنوسي ممشوق القامة قادم من نهر النيل ومن جامعة السودان صاحب صوت جهوري وفي عينيه مهابه وفراسة يكتب أروع القصائد واجملهاو يحكي احسن القصص. قابلته في الردمية التي كتب لها شعرا رصينا كان المطر يهطل والبرد يشتد فناوشته.. شنو ليك يا منير كان لقينا لينا شاي لبن مقنن وصحن لقيمات نطرد بيها الزيفا دي.. ضحك منير آخر ضحكاته معي وودعنا الي دار الخلود وبقينا بعده نكابد ونجالد في في طرقات الخرطوم بدلا من مشارف نمولي فلله الأمر من قبل ومن بعد. ..وهكذا مجالس المجاهدين مدارس ومعالم وعبر تحكي بها يروحون عن أنفسهم.. يسردون خواطرهم ويقصون لبعض قصص ما أروعها وابهاها عن مسيرة الجهاد وسيرة الشهداء.. فما انسلخ نهار الغد الا وقد مضى الي الله المئات من الشهداء.. ضباط افذاذ.. وضباط صف مقاتلين.. وجنود أوفياء ومجاهدون اخيار كان من بين تلك المئات من الذين رحلو وعرجو الي الله العشرات ممن كانو تحت الشجرة.. الشجرة المباركة.. شجرة الشهداء. .. كانو يقصون علينا آخر الحكايات وينشدون آخر القصائد والابيات ثم صعدت أرواحهم الي رب الأراضين والسموات.. السلام عليكم ايها الأعزاء
السلام عليكم ايها الأوفياء..
السلام عليكم ايها النبلاء..
السلام عليكم في دار البقاء..
طبتم وطاب مقامكم ايها الشهداء..
وان شاء الإله بنا افتراقا
ففي جناته يكن اللقاء..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته