ما أشبه الليلة بالبارحة وقد تحركت حملة انقاذ غردون بترتيب من بريطانيا بقيادة اللورد ويلزلي، وهاهي بريطانيا نفسها بذات الحقد القديم تحرك حملة لاقتحام بلادنا تحت الفصل السابع وبالبصمة الشريرة الشهيرة من مجلس الأمن لكن الأذكياء الصالحين في ذلك الزمان الأغر تداركوا الموقف ونصحوا الإمام المهدي بأن يأمر الأمير محمد خير في الشمال وبقية الثوار أن يغلقوا الحملة بالمناوشة ويعكرون صفوها بالهجمات وأن يسارع الامام وأمرائه بالاقتحام.
وفي ٢٦ يناير ١٨٨٥ عبرت النيل الأبيض المقاومة الشعبية والثوار والرايات واقتحموا تحصينات غردون باشا وأهدروا دمه وطابوره الخامس واحتلوا الخرطوم ورفعوا رايات الوحدة والتوحيد.
فإذا لم يعتبر الجنرال برهان من تجربة المهدي في المناوشة واقتحام الخرطوم عنوة واقتداراً قبل يناير فإن حملة الانقاذ بقيادة اللورد ويلزلي الجديد ستكون على أعتاب العاصمة وتبدأ أيام الزلزلة والحصار.
أما الخيار الأشرف فهو أن تتولى أنت بنفسك اليوم قبل الغد القيادة العامة بالخرطوم ويتولى الفريق الكباشي بحري وشرق النيل وأن يتولى الفريق العطا أمدرمان حتى مضارب كردفان، فإن هذا الشعب يرتجيك ثائراً قبل أن يرتجيك رئيساً ويومها سوف يتحقق النصر المبين ويستلم الأفذاذ مطار الخرطوم والقصر الجمهوري. وتمضي المسيرة صوب الجزيرة ويومها سوف تتساقط المدن القتيلة من أيدي الغرباء وتستعاد مثل الثمرات الناضجة وفي مقدمتها نيالا البحير والباقيات الصالحات. وسوف يستمع العالم للبيان الأول الذي تتصدره الآية الكريمة (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وبعدها سوف يهتف تلفزيون السودان وإذاعة أمدرمان بالشعار الفصيح:
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ
كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً
وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى
إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ
وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما
مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ