كلما كتبت عن سوءات قحتٍ الأولى ومن شايعها، أو هممت بالكتابة عن مخازيها وانحطاط أمرها، تذكرت تلك المرأة.
كانت امرأة ذكية، قوية، فصيحة، سليطة اللسان.. اعتدى صبية على ولدها فاغتاظت، ودفعها غضبها لمنزل أولئك الصبية ووجدت كل أهلهم مجتمعين، فأفرغت فيهم غضبها.. ثم انتبهت إلى أنهم دونها مقاماً.. وهي في منتصف الحوش سكتت، وأخذت تتلفت يمنةً ويسرة، ثم قالت تلوم نفسها:
«هَيْ، بسم الله، أنا الجابني الكوشة دي شنو»؟!
ولكني أُسَلّي النفس بضرورة نظافة الكوشة وإزالتها من حوش السودان.
في لقاءٍ معه في قناة الجزيرة، في 17 سبتمبر 2019، اعترف البرهان أنه شارك في انقلاب البعثيين 1990، وسمى الانقلابيين بالأبطال الوطنيين، وعزى نجاته من الإعدام إلى أنهم ستروه، فلم يكشفوا اسمه.
لكن ضابطاً كان قيادياً في الإنقاذ قال لي: إن سبب نجاة البرهان هو أنّه كان مصدراً للمرحوم إبراهيم شمس الدين!!!
مما يعني أنه خان رفاقه!!
من جانبي لم أستبعد تلك الرواية، لما رأيت من الرجل من عناية بمصلحته وشديد اهتمامٍ بذاته، خلال كل فترة حكمه، فلم يُرَ متصدياً لفساد لجنة التمكين، وسرقتها للأموال، عامها وخاصها، ولا ابتزازها لرجال الاعمال، وأكل أعضائها أموال الناس بالباطل، رغم أن كل هذا شاعَ وعمّ القرى والحضر.
وهو لا يُعرّض نفسه لأي خطر، فهمّه: نفسي نفسي.. وثَمّة همسٍ عن كراسي الاستراحة التي على شاطئ النيل الأزرق!!!
ربما أراد البرهان أن يُكفّر عن خيانته للبعثيين، فقرّب السنهوري، واتخذه صَفِيَّه وخليله، ومن دون كل أُسَرِ من قتل في انقلاب عوَّض ذوي البعثيين، ورفّع القتلى إلى رتب أعلى.
ولأن العدالة عنده قابلة للتجزئة والقطاعي حاكم انقلابيي الإنقاذ، واستثنى انقلابيي البعث وسواهم، ثم مكّن للبعثيين (وجدي صالح ورفاقه) في لجنة التمكين، فنهبوها، وأساؤوا الأدب، وأشاعوا في الأرض الفساد؛ لأنه أرخى لَبَبهم.
وقبلها كان للإنقاذ معتمد في نيرتتي!
وقبل القبل رأيناه يسبح بحمد الدفاع الشعبي!
أهذه أخلاق الرجال في السودان، أم تلك شِيَمهم؟!
هل ينبغي أن نرجوَ من رجل كل همه نفسي نفسي عدلاً وإنصافاً أو بناءً وإصلاحاً؟
قرّب البرهان البعث وأهل اليسار، من أول يومه إلى يومنا هذا، وها هو يفاوضهم سراً، ويكذب، ثم يُلمّح، وتارة بعضاً من الحقيقة، لكن بعيداً عن الحق كل الحق.
كل ذلك ليعيدهم، ويعيد إنتاج الأزمات، ويجرِّبَ المجرَّب علينا نحن فئران التجارب السودانية.
هذا البرهان وقحته يخدعون شعبهم.
البرهان، كما قحت، يُلهينا عن فشله وخيانته بالترويج أن الإسلاميين يريدون أن ينقلبوا مستخدمين العسكر.
وهكذا يُثبت البرهان وقحت أنهم خير من يستخدم قاعدة «روبرت قرين» القائلة:
«الإلهاء هو جوهر الخداع»
.«the essence of deception is distraction »
و«روبرت قرين» هو مؤلف الكتاب الخطير:
.«The 48 Laws of Power»
وحتماً، لا البرهان ولا القحاتة قرؤوه، لكن الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ويظنون أنه خفيٌّ على الناس ما يفعلون:
ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ
وإن خالها تخفى على الناس تُعلَمِ.
يُلهي الناس بالمعارك الدونكشوتية ليخدعهم عن مراميه وأهداف شيعته.
وأعجب العجب أن الذي يدّعِي حرصاً على الجيش من التدخل، يتألّف الذين ينادون «بتفكيك» الجيش، وهم أعداء الجيش، الذين حاربوه مع قرنق، ويحاربونه اليوم مع الحلو وعبدالواحد!!
ويبدو لي أنه وافقهم الرأي؛ لأنه تحدث في المرخيات عن «إصلاح» الجيش!!!
ولأنه متحيز، غير منصف، ومهيَّأ لتناسي ماضيه مع المجاهدين والدفاع الشعبي، استهدف الإسلاميين الذين كانوا وقبل أن يستولوا على الحكم منذ منتصف الثمانينات ظهيراً وسنداً للجيش.
سألت أحد قيادات الإسلاميين: كيف تصبرون على ما أصابكم؟
فأجابني: أن خطنا هو: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} حفاظاً على السودان وأمانه وسلامه!!
يتقرب الحكام العُقلاء للجماهير، ويقربون ذوي الرأي والمعرفة والدُربة والتجربة؛ لينجزوا لهم الإنجازات العِظام، ولكن صاحبنا لا يدري أن الأفعال أشد تأثيراً من الكلمات «Actions speak louder than words »، فطفق هذه الأيام يجوب الوحدات العسكرية ليكرر حديثاً ممجوجاً مسيخاً، ولم يرنا إنجازاً واحداً حققه وهو الحاكم بأمره؛ لأن من حوله أعلمهم حميدتي، وأفقههم جعفر سفارات، الذي لا يدري أن وثيقة صلح الحديبية مكتوب بها «باسمك اللهم»!!
وأدراهم بالحلال والحرام ياسر عرمان!!
أما مستشاره في تعقيدات السياسة الدولية فعبد الرحيم دقلو!!
أعمى يقود بصيراً لا أبا لكمو
قد ضَلّ من كانت العُميانُ تهديهِ
صاحبنا لا يدري أن حُسن السيرة هو حجر الزاوية للسلطة «Reputation is the corner stone of power»، لذا ظل يكرس غموضه ويتستّر على تحركاته، ويخفي ما يقوم به، فترك الشعب نهباً للظنون، ليظل هو بلا حُسن سيرة.
الحاكم المنتخب مفوض.
والحاكم في عهد انتقال حارس فقط.
الحاكم/ الحارس منوطٌ به إيصال الشعب إلى منصة التكليف والتفويض، وأن يحفظ خلال فترة حراسته أمن الناس ويطعمهم.
لكن البرهان يتشبّر بتوجيه من أجانب ليبت في القضايا الكبرى، كالهوية والدين، متخذاً من الأقلية المسماة قحت دِرءاً يخفي نواياه، ولا يمتلك الشجاعة ليقول: أنا بعثي، معاد لدين الله، ليضلل أهله.
ويَسْطُو على (أهلي) الخويدمُ ذاتُهُ
تُمَدُ له مَدّ البساطِ خدودُها
وما الأرضُ فاعلم للكريم بمنزلٍ
إذا حكمت أُسدَ البلاد قرودُها
ولاةُ بلادٍ يخدمون غزاتَها
فساداتُها دون الرجال عبيدُها
تخونُ بني الدنيا لتحرسَ نفسَها
فيقتلُها حرّاسُها وجنودُها سيدي الفريق لتعلم أن الجماهير غاضبة، وأحسب أن الجيش أكثر غضباً.. وكلاهما يعاني، وأخشى عليك من غضبتهم المضرية، التي ستعرككم عرك الرحى بثفالها.. والرحى هي الطاحونة.. وما أراك ناجياً من طاحونتك السياسية.