هنالك قلق واضطراب مشهود وسط شراذم المرتزقة بالداخل، وذات القلق ينساب الجناح السياسي للمرتزقة وهم يتقافزون بأكف المذلة والضراعة من عاصمة إلى أخرى كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة. واضطراب أكبر وقلق لسادتهم وراء البحار وهم يعقدون المؤتمرات الصفرية الكواذب بعد أن احتملوا بأعينٍ جارحة ومتآمرة للسودان وهو يحترق ويفقد بنيته الأساسية وبيوته وبناته ويصبح البلد الآمن السعيد بلد مشردا في المنافي.
لقد غاظهم الآن بل أحزنهم وأخافهم والشعب السوداني قد انتظم في مواكب الفلاح والكفاح والسلاح بمقاومة شعبية صلبة المراس لم تشهد المنطقة الأفريقية والعربية مثلها، إلا في حروب حق تقرير المصير ما بعد الحرب العالمية التانية، وأوفى مثال لذلك ثورة الجزائر والمغرب الكبير.
ومما يبعث في قلوب الملايين هذا الأمل المضمخ برائحة الجنة والخلود، شعب يستبشر رؤيتهم عيناً وقلباً وعقلاً :
شباب لم تحطمه الليالي
ولم يُسلِّم إلى الخصم العرين
ولم تشهدهم الساحات يوماً
وقد ملأوا نواديهم مجونا
وما عرفوا التهتك في بناتٍ
وما عرفوا التخنث في بنينا
إنه جيل التحرير والنهضة من الذين لم يبلغوا الثلاثين بعد. سامي المحاضر الذي ترك أرصدة المال والصيت بجامعة نفطية وجاء للسودان اختياراً ليشارك في معركة الكرامة، ودكتورة سلافة التي تركت المستشفى الخاص بكل دعته وراحته لتنضم إلى قافلة المحاربين والجراحين بالمداواة والعمليات ومساندة جيش الشعب والمقاومة، ورامي المهندس العبقري الذي ترك ورشته الحديثة التي تدر عليه الملايين وحمل بندقية الجسارة.
إنها معركة هدير الدم التي اندلعت من شرق النيل وبحري وأطراف أمدرمان حتى مشارف كردفان الغرة أم خيراً جوة وبره وطالت الخرطوم بكنز بقية أوضار الجريمة، وغدا ستشرق طلائع الانتصار للخرطوم الجديدة.
وغدا ستنطلق زغاريد الأمهات وتملأ سواعد الرجال بالهتاف ساحات الأفق الطليق، (وغدا يحكون عن أناتنا وعن الأحزان في أبياتنا وعن الجرح الذي غنا لهم) ويستقبل الملايين قادة الكفاح المر على صدر العاصمة وهم يرددون النشيد المبارك القديم “طلع البدر علينا”.
وفي هذا ينفتح باب النشيد الشعبي لتوثيق المعركة ويكمل شعراء الشعب بقية الموال الملحمي:
شرق النيل فتح علني وقفل كتامي
وبحري الحرة ما بعقد عليها حرامي
قبيحة جنيڤا ما بِّدور بلاغ ومحامي
وسمحة البقعة بسامي وسلافة ورامي