على الرغم من تاريخنا المُظلم مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا أننا كسودانيين كنا نأمل أن تخيب الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة ظنّنا فيها ، لا سِيما وأنها صاحبة الدعوة ولها مطلق الحرية في أن تتيح للحكومة السودانية التي تمثل الطرف المعترف به أممياً أن تضع شروطها ومحاذيرها حول هذه المحادثات، ولكن كما عودتنا في تعاطيها مع قضايا السودان فهى دائماً ما تنسج خُطط و سيناريوهات وتعمل علی تنفيذها وإخراجها على قرار أفلام هُوليوود.
هذه المرة حاولت العقلية الأمريكية الهوليوودية وضع خطة مفصّلة لمساعدة المليشيا في إلتقاط أنفاسها وإتاحة الفرصة للإمارات بوضع يدها علی ملف المساعدات الإنسانية في دارفور ، وفي إعتقادى أن بعض تفاصيل الخطة ظهر جلياً خلال مؤشرين أولهما ماحدث في مشاورات جدة ، وثانيهما عودة الهالك حميدتي للظهور على الشاشات مرة اخري.
بدأت الخطة منذ شهر فبراير من العام الجاري عبر إحدي تغريدات الهالك حميدتي والتي ذكر فيها “ستكون هناك محادثات للسلام في جنيف وسوف يشارك فيها الدعم السريع لحرصه على إنهاء المعاناة الإنسانية في دارفور والولايات الأخري”. تلت هذه التغريدة محادثات إنسانية غير مباشرة في جنيف بين وفدي المليشيا والحكومة السودانية تحت إشراف الأمم المتحدة في منتصف يوليو المنصرم لذلك لا يمكننا أن نستبعد أن محادثات جنيف القادمة هي مشهد من مشاهد التدخل في دارفور تحت مسمي المساعدات الإنسانية التي تمت مناقشة كل تفاصيلها في المحادثات الإنسانية غير المباشرة ،
إنطلقت بعد ذلك حملة إعلامية منظمة من أبواق المليشيا السياسية (تقدم) للتركيز على القضايا الإنسانية وإظهار الحوجة لعقد محادثات أخري موسعة لتشمل عدد من القضايا وهنا تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بدعوات في بداية أغسطس الجاري لكل من المليشيا والحكومة السودانية وأعلنت عبر مبعوثها الخاص توم بيرييلو بأنها بصدد مساعدة الشعب السوداني من المجاعة التي توشك أن تفتك بما تبقي منه على حد قوله.
رؤية الحكومة السودانية تمسكت بالإلتزام بتنفيذ مخرجات إعلان جدة لذلك جلست مع الوفد الأمريكي في جدة في مشاورات بهذا الخصوص ، ولكن ماتم الكشف عنه في تلك المشاورات جلعنا ندرك تفاصيل أكثر عن الخطة الأمريكية أبرزها محاولات دفع الوفد الحكومي لإعلان عدم المشاركة في المحادثات عبر تجاهل كل المطالبات والشروط التي تمسك بها ، وجاء الرد الامريكي معبرا عن :
- تجاهل تام لإلزام المليشيا بتنفيذ مخرجات إعلان جدة ، وبالتالي عدم بناء مفاوضات جنيف على ماتم الإتفاق عليه في جدة، بمعنى آخر إلغاء منبر جدة نهائيا.
- رفض إخراج الإمارات من المفاوضات بصفتها مراقب ، وبالتالي نسف دورها البارز في إشعال وتأجيج الحرب .
- عدم القبول بالوفد الذي أقرته قيادة البلاد والتحجج بضرورة مشاركة وفد رفيع من القوات المسلحة فقط .
- التعامل بإزدراء وتعالي من الجانب الأمريكي تجاه الوفد الحكومي.
- إستمرار الهجمات من قبل المليشيا على المرافق العامة والمستشفيات بالإضافة للهجوم الغادر على مدينة الفاشر صبيحة مشاورات جدة ، مما يدفع بوفد الحكومة إعلان عدم رغبته المشاركة في أى محادثات مع المليشيا التي تنتهك حقوق السودانيين على مرمى ومسمع من العالم أجمع.
كل هذه التفاصيل تم الكشف عنها بواسطة رئيس الوفد الذي كان كريماً في تمليك الشعب السوداني مادار في جدة .
دعونا ننتقل للمؤشر الثاني وهو عودة الهالك المتمرد حميدتي للظهور على شاشات التلفاز والذي يرجح أن دويلة الإمارات التي تشرف على تشغيل هذا الروبوت أعطت الأذن بظهوره للعيان مرة أخري بعد أن تأكد لها عدم مشاركة الوفد الحكومي في المحادثات القادمة، ومن الممكن أن يكتمل المشهد بترأس الهالك لوفد المليشيا في جنيف على قرار مسرحية الإيغاد وتقدم ليتم التسويق له دولياً على أنه الطرف الحادب على مصلحة السودانيين والذي يملك إرادة حقيقية في إنهاء معاناة أهل دارفور عبر إيصال المساعدات الإنسانية .
ثم تتحول محادثات جنيف من محادثات لوقف الحرب إلى محادثات حول كيفية إنهاء المجاعة في دارفور بعد أن يقدم الدعم السريع نفسه بإعتباره الطرف المسيطر عليها ميدانياً ، ليبدأ الشركاء الدوليين والإقليميين في وضع كافة إمكانيات وأموال الإغاثة تحت تصرف الإمارات ومرتزقتها وإمدادهم بكل ما تحتاجه المليشيا لا سيما الطائرات وهو ماذكره مسؤول بالبنتاغون لقناة إسكاي نيوز بأن “الخطط جاهزة لتنفيذ عمليات إغاثة إنسانية فوق مناطق سودانية” وكلمة فوق تعني أنها ستكون عبر طائرات وبالتأكيد هذه الطائرات لن تكون طائرات الجيش السوداني وإنما قد تكون طائرات الناتو أو سلاح الجو الأمريكي أو طائرات المنظمات أو غيرهم لتتمكن الولايات المتحدة الأمريكية وربائبها أخيراً من إحكام السيطرة على الفاشر إما عبر ضربها بالطيران أو إمداد المليشيا بالمزيد من السلاح المتطور تحت زريعة توصيل المساعدات الإنسانية.
وفي هذا السياق يمكننا القول بأن قيادة البلاد كانت على دراية بتفاصيل هذه الخطة المعدة مسبقا للسيطرة علي آخر فرقة للجيش السوداني في دارفور، لذلك قد شهدنا تحركات دولية ودبلوماسية بدأت في الفترة السابقة للتعريف بهذه المخططات مما يساهم في عرقلتها والوصول لتحالفات دولية تعزز من سيادة الجيش السوداني على كل ولايات السودان بما فيها أجواء الفاشر .