وكالات : كواليس
طهران- قديمة هي الاحتجاجات في جغرافيا الجمهورية الإسلامية، ومثلها العقوبات الدولية التي اعترفت إيران أكثر من مرة بتأثيرها على معيشة المواطن من جهة، وعلى طموحاتها الخارجية بأن تكون قوة إقليمية فاعلة، من جهة أخرى.
فقد رسمت طهران عام 2003، في وثيقتها العشرينية الموسومة بـ”إيران في أفق 2025″، موقع البلاد وملامحها بحلول 2025؛ طامحة أن تتحول إلى قوة دولية، وأن تحتل المرتبة الأولى في منطقة جنوب غربي آسيا في المجالات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، وأن تصبح نموذجا ملهما ولاعبا فاعلا ومؤثرا في العالم الإسلامي.
ومع دخول المظاهرات المتواصلة شهرها الثاني، يستذكر مراقبون إيرانيون تاريخ الاحتجاجات المتتالية التي تمكنت طهران من امتصاصها طوال العقود الماضية في ظل العقوبات التي تستهدف إضعافها داخليا وخارجيا، مستدركين أن العقوبات عرقلت ما خططت له طهران رغم امتلاكها القوة السياسية والعسكرية وأوراق رابحة أخرى.
نهج فرض تحدّيات
ولدى توضيحه مرتكزات قوة إيران الناعمة والخشنة على المستويين الداخلي والخارجي، يعزو مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان التحديات التي اعترضت إيران إلى النهج الذي اتبعته الجمهورية الإسلامية منذ قيامها عام 1979.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير صدقيان إلى صمود طهران أمام التحديات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية الرامية إلى إعادة “إيران الثورة” إلى سياق السياسة المتفق عليها في المنطقة، مؤكدا أن طهران تمتلك مصادر قوة حقيقية على المستويين الداخلي والخارجي مكنتها من الحفاظ على تماسكها، “وردع الخطط الأجنبية، وظهورها بحجم قوة إقليمية لا يستهان بها”.
وأضاف صدقيان أن القوة العسكرية الإيرانية تبرز على رأس سلم عناصر قوتها الداخلية، يليها بناء اقتصاد يعتمد على المصادر الذاتية، إلى جانب مصادر القوة الأمنية والعلمية والاجتماعية، مستدركا أن بلاده ما زالت تدفع ضريبة عناصر قوتها والأجندة التي تعمل من أجل تنفيذها.
ورأى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية أن مصادر قوة طهران الخارجية تستند إلى تطلعاتها خارج الحدود “التي ترمي إلى سد الفراغ السياسي والأمني والعسكري الذي خلفته الحرب الباردة في المنطقة”، مبينا أن طهران تعتقد بضرورة خروج القوات الأميركية من المنطقة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وبناء نظام أمني إقليمي بمشاركة دول المنطقة.
الجغرافيا السياسية
ويعدّ صدقيان موقع إيران الجغرافي أحد أبرز مرتكزات قوتها؛ حيث تطل على بحر قزوين من الجهة الشمالية وعلى المياه الخليجية من الجنوب. ويعتقد أن موقعها الجيوسياسي يؤهلها للعب دور مهم في المنطقة وضمان مكتسباتها ومواجهة العقوبات التي تريد النيل منها.
ولحلفاء إيران في الخارج والمنظمات التي انضمت طهران إليها -مثل منظمتي شنغهاي للتعاون وأوراسيا- وعزمها الانضمام إلى مجموعة بريكس؛ دور في تعزيز مرتكزات قوتها الاقتصادية والالتفاف على العقوبات الدولية، وفق صدقيان.
وانطلاقا من موقعها الجيوستراتيجي، تُهدد إيران باستمرار بقدرتها على إغلاق مضيق هرمز، وهو ممر مائي ضيق يعبره ثلث إمدادات النفط في العالم، ويصفه المراقبون بأنه من عناصر قوة البلاد الخشنة، إلى جانب قوتها العسكرية.
ولمواجهة التحديات الغربية، لا سيما في الأوساط الدولية، عملت إيران منذ سنوات على إيجاد بدائل شرقية؛ فوقّعت تفاهمات إستراتيجية طويلة المدى مع كل من الصين وروسيا -من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن- لإحباط ما تصفه طهران بالمشاريع الأممية ضدها.
القوة الناعمة
من ناحيته، يصف الباحث في الجغرافيا السياسية فرزاد أحمدي حركات المقاومة المتحالفة مع إيران بأنها أبرز حلقات القوة في سياسة طهران الخارجية، مستدركا أن الجانب التكنولوجي في إيران يشكل ركيزة كبيرة في مصادر قوتها الردعية، وعلى رأسه البرنامجان النووي والفضائي.
ورأى أحمدي -في حديثه للجزيرة نت- أن قوة بلاده الثقافية المتمثلة في نفوذها الأيديولوجي في بعض مناطق العالم لا تقل عن قوتها العلمية، مؤكدا أن طهران تمتلك مخزونا عظيما لتوليد القوة الناعمة؛ لعل أبرزها اللغة الفارسية وتاريخ البلاد الحضاري والديني.
ووصف القيم السياسية الداخلية، كالنظام السياسي الديني والديمقراطية والانتخابات والحقوق المدنية، بأنها من أبرز مرتكزات القوة الناعمة في إيران، إلى جانب السياسية الخارجية التي تعدّ المصدر الأكثر تأثيرا في عناصر قوة البلاد الناعمة.
ويتطرق البند 16 من المادة الثالثة في الفصل الأول بالدستور الإيراني بشكل مباشر إلى السياسة الخارجية للبلاد، وينص على أن “تنظّم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية، والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، والحماية الكاملة لمستضعفي العالم”.
وعدّ أحمدي ما وصفه بـ”التفاف الشعب حول نظام إيران الإسلامي” قوة ناعمة أخرى تأخذها القوى الخارجية دائما في الحسبان، مستدركا أن الالتفاف الشعبي لا يعني عدم وجود أصوات مناوئة للنظام.
وأشار أحمدي إلى قوة إيران العسكرية ومنظوماتها المتطورة، ولا سيما برنامجي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، باعتبارها من عوامل الردع في وجه التهديدات الخارجية، مشددا على ضرورة توظيف عناصر القوة الخشنة ضمن إستراتيجية القوة الناعمة لتكون أكثر فاعلية في خدمة المصالح الوطنية الكبرى.
وخلص الباحث الإيراني إلى انعكاس بعض مرتكزات القوة الإيرانية سلبا على الداخل على نحو أدى إلى تقويض معيشة المواطن واندلاع احتجاجات متواصلة منذ أكثر من 40 يوما.