وكالات : كواليس
الخرطوم- بأعداد مقدّرة وتحت مطالب متباينة، شهدت العاصمة السودانية، السبت، احتجاجات لأنصار التيار الإسلامي وكيانات متحالفة معه، للتنديد بما وصفوه بـ”التدخلات الأجنبية”، والمطالبة بإنهاء تفويض بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال السياسي في السودان، ورفض التسوية الماضية بين العسكر وقوى إعلان الحرية والتغيير.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها التيار الإسلامي للشارع للمطالبة بإبعاد رئيس بعثة الأمم المتحدة من البلاد فولكر بيرتس، فإن احتجاجات السبت حملت مؤشرات مختلفة ولهجة متشدّدة تجاه المكوّن العسكري الحاكم وتلويحا بالاستمرار في المواكب بل إشعال الخرطوم حال إكمال التسوية.
وشاركت في الموكب قيادات “مبادرة أهل السودان” التي طرحت قبل أسابيع مشروعا للحل السياسي لم يحظ برضى بقوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي- كما شارك ممثلون للتيار الوطني العريض الذي يضم قوى سياسية وحركات كانت متحالفة مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وكذلك ممثلون لطرق صوفية وتيارات سلفية.
رفض قاطع للتسوية
يقول المحامي ناجي مصطفى، القيادي في التيار الوطني العريض المشارك في موكب السبت، إن التيارات التي خرجت للشارع في 29 أكتوبر/تشرين الأول سعت لإعلان رفضها القاطع لمشروع التسوية السياسية الذي يتم تحضيره بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، الائتلاف الحاكم الذي أطاح به قائد الجيش الفريق الركن عبد الفتاح البرهان قبل عام، مضيفا أن الأساس الذي نهض عليه المشروع هو وثيقة “كتبتها أصابع أجنبية” في دار نقابة المحامين، وهو ما يستدعي رفضه بالكامل، على حد قوله.
ويشير مصطفى -في حديث للجزيرة نت- إلى أن مبادرة أهل السودان أعدّت بدورها مشروعا وطنيا للتسوية سيتم إعلان تفاصيله خلال الأيام المقبلة، وينبغي الأخذ به للخروج من الأزمة السياسية خاصة أنه يحظى بإجماع قطاع عريض يمثل أحزابا وتيارات صوفية وإسلامية شاركت في المبادرة التي رعاها الشيخ الطيب الجد.
ويشدد القيادي على أن التيار الوطني وحلفاءه يرغبون في إنهاء الفترة الانتقالية سريعا والتحضير للانتخابات ويرفضون بشدة التدخلات الأجنبية التي قال إنها حوّلت السودان إلى “سوق كبير، كل يدخل ويأخذ ما يريد ويغادر”، لافتا إلى ما اعتبره “تحركات سفراء عدة دول وتدخلهم في شؤون البلاد تحت سمع وبصر الحكام دون أن يحركوا ساكنا”. وقال إنهم متمسكون بطرد رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس.
وبشأن المفاوضات الجارية بين العسكر وقوى الحرية والتغيير للوصول لاتفاق ينهي الأزمة السياسية، يبدي ناجي مصطفى رفضه الشديد لهذه الخطوات المسنودة وفق رأيه “بالدعم الأجنبي”، قائلا إن أي اتجاه لإبرام هذه التفاهمات سيقابله التيار الوطني برفض قوي قد يصل لإغلاق الخرطوم بشكل كامل.
وكانت تقارير صحفية وتصريحات رسمية من قادة الحكم العسكري تحدثت عن قرب الوصول إلى تسوية سياسية. كما أبدت قيادات الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية “إيغاد”) تفاؤلا بإمكانية التوصل لتفاهمات بين المكون العسكري وائتلاف الحرية والتغيير.
غير أن الأخير تحدث عن حرصه على معالجات تنهي “الانقلاب” وتضمن الاتفاق على سلطة مدنية كاملة وفقا لما حوته الوثيقة الدستورية المقترحة من نقابة المحامين والتي تحظى بإجماع سياسي ودولي واسع.
معارضة مشروع “الدستور الأجنبي”
وبحسب المتحدث باسم مبادرة أهل السودان هشام الشواني، فإن “موكب السبت هدف بشكل أساسي لإعلان الرفض القاطع لمسودة الدستور المقدمة من نقابة المحامين التابعة لقوى الحرية والتغيير”، لأنها كما يقول “دستور أجنبي مفروض على الشعب السوداني ويمثل انتهاكا لكرامته”.
كما يتضمن المشروع -وفقا للشواني- تجاوزات عديدة تحمل تعريفات علمانية وأيديولوجية للدولة، وسلطات غير دقيقة لهيئات يعينها ائتلاف الحرية والتغيير. ويردف بأن “الموكب هدف للتأكيد على كرامة الشعب ليقرر دستوره الوطني الخالص، وخرج كذلك ضد التجاوزات التي تقوم بها السفارات”.
ويوضح الشواني في حديثه للجزيرة نت، أن موكب التيار الوطني العريض ليس مقابلا لمواكب لجان المقاومة التي خرجت في 25 أكتوبر/تشرين الأول أو في الثلاثين منه أو قبله، لكنه “ضد الاتجاه الداعم للتسوية الثنائية، وضد التدخل الأجنبي السافر، وعملاء السفارات”.
وذهب إلى أن الذين خرجوا في هذا الحراك ربما يتفقون بشكل كبير مع منظمي الاحتجاجات في لجان المقاومة الذين يرفضون أيضا المساعي المبذولة للتسوية الثنائية.
موقف المكون العسكري
ويبدي ناشطون اعتقادا بأن المكون العسكري يتعامل مع التيار الإسلامي وحلفائه بكثير من التقدير سعيا لخلق شارع موازٍ للجان المقاومة، وليتمكن من ترجيح الكفة لصالحه عند التفاوض مع الحرية والتغيير.
والأمر ذاته تحدث عنه صراحة حسن عثمان رزق نائب رئيس “حركة الإصلاح الآن”، لدى مخاطبته الموكب يوم السبت حين كشف أن البرهان أبلغهم خلال اجتماع مشترك بأنهم “غير موجودين في الشارع، وليس لكم دستور”. ويضيف رزق مخاطبا العسكر فيما يبدو “الآن رأيتم الشارع وهذه الحشود والكتائب، ودستورنا جاهز مستمد من القرآن والسنة وسنسلمه في الأيام المقبلة”.
ويقول ناشطون إن قوى الأمن تعاملت مع مواكب الإسلاميين بتسامح واضح؛ إذ لم تغلق الجسور الرابطة بين مدن الخرطوم الثلاث، كما كان الحشد محروسا بسيارات الشرطة على جانبي الطريق ولم تتدخل لفضّهم بالغاز المدمع.
ومؤخرا، عاد قطاع كبير من الإسلاميين للعمل السياسي والوظيفي بعد أن أبطلت أحكام قضائية قرارات بالفصل اتخذتها لجنة تفكيك نظام عمر البشير ضد المئات من مناصري النظام المعزول.
كما أنهت قيادات محسوبة على نظام البشير اغترابها خارج البلاد، وعادت للسودان، فيما سنحت الفرصة لرجال أعمال وغيرهم لاستعادة كثير من الأموال والأصول التي صودرت منهم بعد التغيير الذي كان قد أنهى سطوة البشير وحزبه في 11 أبريل/نيسان 2019.