وكالات : كواليس
كييف- على عكس “العمليات الهجومية المضادة” في مناطق خاركيف ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون، تتخذ القوات الأوكرانية مواقع دفاعية حصرا في مقاطعة دونيتسك بإقليم دونباس، وتتحدث يوميا عن محاولات لتقدم نظيرتها الروسية.
ويستهدف هذا التقدّم المدن الرئيسية في المنطقة التي تسيطر أوكرانيا على نصفها تقريبا. وهنا يبرز اسم مدينة “باخموت” أكثر من غيرها مؤخرا، ولا سيما أن روسيا تسعى للسيطرة عليها منذ أغسطس/آب الماضي.
فما أهمية “باخموت” الإستراتيجية، وما الذي يعنيه سقوطها بيد الروس، أو بقاؤها بيد الأوكرانيين؟
بوابة وحيدة لتقدم الروس
لا تحتل مدينة باخموت، التي كان يسكنها أكثر من 70 ألفا، أهمية زراعية أو صناعية تذكر، لكن موقعها الجغرافي أكسبها أهمية إستراتيجية في ظل حرب روسيا على أوكرانيا.
وبالمقارنة مع باقي الجبهات، تُعتبر مدينة باخموت أقرب نقاط التماس والمواجهة بين الجانبين، الذين يصفان المعارك فيها وعمليات القصف بأنها الأسخن والأكثر ضراوة.
يشرح المراقب العسكري دينيس بوبوفيتش أهمية المدينة، قائلا “بعد أن خسرت روسيا مدينة إزيوم في جنوب منطقة خاركيف الشمالية أواسط سبتمبر/أيلول الماضي، أصبحت مدينة باخموت بوابة جنوبية شرقية شبه وحيدة لتقدم قواتها في عمق منطقة دونيتسك بإقليم دونباس، وخاصة نحو المدن الرئيسية الخاضعة للسيطرة الأوكرانية”.
وأوضح بوبوفيتش أن “باخموت تقع على أطراف الطريق الدولي “إتش- 32″، الذي يصلها بمدن كونستانتينيفكا ودروجكيفكا وكراماتورسك وسلافيانسك. كما تقع قريبا من الطرق الدولي “إم-03″ الذي يصلها مباشرة بسلافيانسك أيضا، ويتابع نحو منطقة خاركيف بعدها”.
البدائل قليلة ومكلفة
وبالتوازي مع محاولات روسيا الاستحواذ على باخموت، تسعى كذلك إلى السيطرة على مدينة أفدييفكا جنوبا، والتي تتوسط المسافة تقريبا بين طريقين دوليين يربطانها بعدد من المدن كذلك، وبمنطقة دنيبروبيتروفسك غربا.
يقول المراقب العسكري بوبوفيتش “باخموت بالنسبة للأوكرانيين باتت حصنا للدفاع عن باقي مدن دونيتسك، ومنها توجّه ضربات قوية نحو المواقع الروسية في الأجزاء الخاضعة لسيطرتهم، بما فيها مدينة دونيتسك عاصمة المقاطعة”.
ويضيف “أفدييفكا لا تغني الروس عن باخموت، فهي أقل أهمية وأبعد عن المدن الرئيسية، ما يعني أن معركتهم ستطول وتكبر تكلفتها إذا لم تسقط باخموت”.
ويلفت في هذا السياق إلى أن “القيادة العسكرية الأوكرانية تدرك جيدا حقيقة أن سقوط باخموت سيمنح الروس فرصة للتقدم. فبعد شهر مايو/أيار أجرت هذه القيادة بعض التغييرات بين المسؤولين العسكريين، وأرسلت مزيدا من الوحدات والتعزيزات إلى هناك، حتى صرنا نسمع -بين الحين والآخر- عن تراجع الروس حول باخموت”.
ويرى بوبوفيتش أن “الزمن هنا في صالح أوكرانيا، التي “تتصيد” مواقع الروس قبل التقدم نحوهم، وهذا ما رأيناه خلال الشهور القليلة الماضية على الجبهات في مختلف المناطق”.
الأرض المحروقة
ورغم ثبات الأوكرانيين في باخموت وحولها، لا ينكر بعض المحللين مخاوفهم من اتباع روسيا سياسة الأرض المحروقة في المدينة، كما فعلت في مدن ماريوبول وسيفيرودونيتسك وليسيتشانسك قبل ذلك.
وفي حديث مع كواليس نت، يقول الخبير العسكري في “المعهد الأوكراني للمستقبل” والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني، إيفان ستوباك إن “روسيا تعزز قواتها حول باخموت، وأعتقد أنها ستسعى لتسويتها بالأرض فعلا، وأنها ستلجأ إلى هذه السياسة قريبا على جبهات أخرى، حتى لا تتكبد كثيرا من الخسائر، خاصة بعد تفتّح العيون على سير المعارك بعد إعلان التعبئة”.
ومع ذلك، لا يعتقد ستوباك أن روسيا قادرة على تحقيق وجود دائم في أي منطقة حتى لو تقدمت؛ “فموازين القوى تغيرت كثيرا لصالح أوكرانيا خلال الشهور الماضية. ولهذا لم يعد لديهم إلا خيار نشر الذعر بين السكان، والدمار في منشآت الطاقة وغيرها من البنى التحتية الحيوية والمدنية، والتهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل أو القنبلة القذرة أو غيرها”.