سأل عبدالله بن أحمد أباه الامام احمد بن حنبل مستفسرا فقال : اراك تكثر الحديث عن الشافعي فمن هذا الرجل ؟ رد الامام بقوله ( كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للبدن ) ، هكذا كان اخي وعزيزي ابن عوف الذي اخذه الموت عنا في خلسة من الزمان فالموت كما قيل يصول بلا كف ويمشي بلا رجل ، هذه مقولة لملتاع إزاء رزية فاجعة لفقد رجل يألم له كثيرون ، إلا أن هنالك من يهرع للموت يقينا بإنتقاله من دار الراحلة إلى دار المقام التي يدني فيها الى دار أشرف ويرتحل إلى أب أكرم .
إرتجفت أوصالنا يا رجل بفراقك اوقدت فينا لوعة من الحزن والاسى المكسي بالدموع على رحيلك لا نكاد نفيق من هول ما نحن فيه ولا نكاد نصدق ، لولا اليقين الذي فينا بأن الموت مصيرنا وأن الارض مرقدنا مهما تباعد الميقات بيننا أو إقترب ، لأقتفينا اثر أبيات تقول :
يا موت لو أثقلت عثرته …. يا يومه لو تركته لغد
او كنت ارخيت العنان له …. حاز العلا واحتوى على الامد
لقد قربتني من اخي إبن عوف أصول واشجة واواصر حميمة وعلائق متينة ، وما أمتن الوشائج القائمة على الرأي والمذهب والانسانية وإمامة العقل ، وما فتئت أقول وأؤمن أ، اكبر النعم التي يسوقها الله لانسان بغير حساب هو عقل قادر على تسخيره للخير ما استطاع سبيلا وأخلاء اوفياء متقون أذكياء يتكثر بهم الانسان ويزداد فضلا ، والشهيد من بين كل الصحاب كان وعاء زاد واستزاده يمضي به بين أهله واصحابه وأحبابه ولا يكاد ينضب أو يفتر بل يفيض علينا بما قل منه ونجعله نحن ذخرا لنا وسندا في النوائب والنوازل فما كانت يده ممدودة الا لخير واعانة وقضاء حوائج ، من بين الاتراب كان الصديق مأمون الغيبة ثاقب البصر وثيق الرأي وصاحب أناة وصبر على الاهوج من البشر وامتلاك القدرة على الاغضاء على رقاق العقول وتلك ميزة يغبط عليها كثير من الناس.
ابن عوف من قلة من الخلان تطابقت جهيرتها مع سريرتها وهذا فضل من الله عظيم في عالم النفاق فيه بضاعة رائجة وفيه للمنافقين سوق كبير ، اما وفاؤك النادر لمن التقيت بهم في مضارب العمل العام كان مثار دهشة واستغراب الكثيرين فالريح الصرصر التي اطلت علينا قبل سنين جعلت بعضا من الروؤس ينحني والغالب منها ينزوي خوفا أو طمعا وإنفضت الايدي عن المصافحة والاكتاف عن التلاق خشية سلطان في ظل هذه الهيعة ثبت الفتى الاسمر كالطود موفيا بعهده لمن عرفه ما ركب في يوم الناس ذاك ظهر الدناءة ولا تلبس لباس اللؤم .
هي البشريات يا صديق هي البشارات يا صاحبي وأنت تستشعر وتتلمس مقدم امر تهللت له سريرتك وتبسم له وجهك رغما عن قعقعة السلاح وزخات الرصاص تحدثني قبل يومين اثنين حديث طمانينة وسكون تحكي عن جندلة الخوارج وكنس الحثالة في محيط مستشفى الامل امدرمان ثم عن التقدم المنشود في يومك الموعود ، وقبل الارتقاء واللقاء بساعات تمسك المسبحة ذاكرا الله مستغفرا وحامدا وشاكرا وبيمينك سلاحك مكبرا ومهللا واذ كانك تود اللقيا على البهاء والنقاء الذي عرفناك به .
البكائية عليك مشروعة ولا فرق فيها بين رجال ونساء فالكل مكلوم والكل ينتحب ، هدينا مقولة عمر الفاروق ساعة وفاة خالد بن الوليد والبعض ينهى عن البكاء لتجئ مقولته ابك فعلى مثل خالد فلتبك البواكي ، وعلى مثل حبيبنا ابن عوف تبكي البواكي
رحمك الله يا حبيب فرحيل امثالك هو ميتة متمن وغياب في الوجد بل فناء في روح الله كما يقول اهل التصوف
عجبت منك ومني …. يا ميتة المتمني
اديتني منك حتى…… ظننت انك اني
وغبت في الوجد. …. حتى افنيتني بك عني
الرحيل الفاجع يخرس اللسان ويستعصي وصفه على القلم ويطفئ سراج القصيد ولن اقول وداعا يا ابن عوف فأنت باق فينا ما بقي الود في قلوب الاصفياء وباق ما ظل الحواريون يحوقلون في اذكارهم وباق ما بق وهي الاخوة الاوفياء والابناء الصالحون وباق ما بقيالقبر المنور والقبة الفيحاء ….
ان العين لتدمع وان القلب ليحزن وانا على فراقك لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي الله انا لله وانا اليه راجعون
اخوك المحب … يحيى محمد عثمان هاشم