د.الصادق البشير أحمد يكتب المشهد السياسي السوداني المتحرك

إنتهت الإنقاذ كتجربة حكم مزدوج بين العسكريين والمدنيين على اي حال وفي وضح النهار وخلفها هذه السنوات خلف ليس كلهم ضدها وليس كلهم يدافع عنها فهي تجربة إنسانية قاومت لحدٍ ما المحاولات الغربية الإستعمارية الحديثة والصهيونية الايدلوجية مرات اخرى ، وفي كل الحالات أختبر الشعب السوداني تجربتها وسقط من سقط عن نهجها الذي بهرته بهارج الدنيا وسلطتها ودافع من طلاب فكرتها من دافع عنها ويظل وهي ليست بحاجة الى دفاع .المشهد الذي يتحرك ولم يتوقف لما يقارب الخمس سنوات من عمر ما يسمى بالإنتقال السلس للسلطة في دولة السودان لم يكن على ثبات وحركته التي تقف وراءها حركات بنت نفسها من عراك النظام السابق ومعاداته ما استطاعت أن تكون اركان الدولة من السيادة والقانون والشخصية المعنوية ودمجها في حياة الناس الذين كانوا يتوقعون التغيير للأفضل بصلاح النظام أو إسقاطه ، فما استطاعت الوصول للصفة الرضائية في تكوين الدولة. المشهد يتغير ويتحرك بفعل الفاعلين السياسيين وبالطبع له نهايات وهي أقرب الإحتمالات وربما يتعجل الإحتمال ويرجح حدوثه الصراع بين القوى غير المتكافأة في كل مراحل بنائها وقد بدأت معالم الإنهيار بكثرة التدخلات وعدد المبادرات وتعدد المزاج السوداني الموهوم بالتعرض لوسائل التواصل دون هدف وهو معلوم إن لم يلامس حياة الناس الإقتصادية والأمنية فلا فائده له ولا إحساس معه ولا حياة فيه ، اخطأت التجربة الموسومة بالثورة السودانية وتفاعلاتها في أن تنشأ دولة على اثر نظام الإنقاذ بلون افضل لماذا ؟ لإختلاف مزاجها وتعدد مدارس نخبها المولودة في عهد الإنقاذ أو التي اكتسبت خبرة العداوة من ذات النظام الذي فتح الحدود والهجرة والمهاجرة وطلب اللجوء السياسي والإقامة الطويلة هناك دون مطاردة فتكونت الجماعات على عداوة النظام دون عداه ، ثم اختلفت توقعاتها بأن الشارع السياسي السوداني يكن عداوة ومقاطعة كلية للنظام السابق ، اخطأ المخططون لنظام جديد في رسم طريق للسودان كله لحكم شعبه وغلبت الذاتية على مصلحة البلاد العامة ، فسياسة الإقصاء التي كانت الشرارة الأولى والهدف الأسمى والإنجاز الأكبر بتهمة العمل أو مولاة نظام الإنقاذ خصمت من التخطيط الكلي وكبلت محاولات القيادة من الإنطلاق ، وزاد النقصان بحملة التبشيع البشعة والحرمان والمطاردة والحبس دون محاسبة طوال الفترة ، وزاد النقصان الخوف والفزع الكبيرين من الجيش وسطوته وإمكانية فكرته وحقيقة تجربته أكبر واوسع، ثم كانت محاولة خلق نخبة سياسية حديثة ، تتخلق لتتسيد على مقاليد الحكم بدعم خارجي ورعاية كاملة اشبه بالإستعمار الجديد واقرب الي ادواته الحديثة التي تستخدم ابناء الوطن انفسهم اما لتبعية بلادهم أو تدميرها ومحوها من الوجود، فولدت لوثيقة التي ما استطاعت أن تحكم حكراً واحداً لذا انحطت تجربة خمس سنوات ويزيد عن أي إنجازٍوطني يحسب في بنيات الدولة أو ما يتعلق بها كدولة ذات سيادة وكينونة ووضع جغرافي وخارطة على الكرة الأرضية تماماً. لم تقم السلطة المركزة بيد العسكريين أو الوجود المدني على علاته وانشقاقاته وتنوع مزاجه من تمثيل روح الحكم في المناصب التنفيذية أو التشريعية التي يجب أن تسعى للتأثير على المواطنين ودفعهم للإستجابة لمطالب معينة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية بصورة مباشرة عبر المجالس أو غير مباشرة.وبهذه التجربة غير الناضجة إنهارت العلاقات بين الحكام المحكومين والبرلمانيين بخبراتهم ورجال الدين ومرجعياتهم والقانون والقضاء والباحثين والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والفنانين وما نحوهم من أصحاب النفوذ. المشهد يتحرك الى النهايات بدليل إنهاء العمل بالوثيقة الدستورية التي كتبت في الظلام ولم يطلع عليها عموم الشعب وسواده الأعظم ثم إنهاء التعامل بقانون الطوارئ في المحطة الحرجة التي تقاسم فيها المشتركون الإتهامات والكيل لبعض لإختلافهم على كيكة الحكم .ثم الإنتكاسة المتقدمة التي وجدت القوات المسلحة نفسها أمامها وجهاً لوجه دون أي خيار آخر ففعلت ، وبعد الحالة أصبحت بائسة يائسة راكدة كئيبة تحولت الحرب العلنية الى المدن والأهالي والقبائل والمناطق المأهولة بالساكنين بدلاً عن الغابات والجبال والصحاري التي تتقاتل عليها الجيوش ، الدولة تتحرك في خفاء وخجل وحياء ولا تفعل شئ ،تحاه كل الأزمات تضجر وسط القوى العمالية المنظمة ، اضرابات لأساتذة الجامعات السودانية تعطل حركة التعليم العام ، غلا معيشة الناس هبوط العملة السودانية مقابل العملات الأجنبية انفلات امني في جبهات عديدة ، خرج حمدوك من الباب الذي دخل به بعد أن امّن تواجد القوى الأممية الوجه الجديد للإستعمار واستغفال العقول، تعقد المشهد بعقد الإتفاق الإطاري وهو مستهلك الهدف وضامر المضمون الحديث فيه لا يضيف فقد ولد من ذات النخبة التي تحاول التسييد بروح الإنقلاب على الحياة السياسية جميعها فعزل سواد الناس السياسي والمجتمعي وفُصل على نفسه لا اكثر فلم يعرف اهل السودان الإ غلافه الخارجي، فعزل القوى السياسية ناهيك عن حزب المؤتمر الوطني المعزول اصلاً وبعض المتحالفين معه والمتعاطفين فهذه رغبة العملاء ، هذه رؤية التضييق ودق مسمار الدمار في قلب الوطن وهذه خسارة قوى الإنتقال حين تأتي الديمقراطية المرتقبة ، وقتها الحساب ولد والولد مسمى بوالده ، وستبقى القوى التي لفظها الإطاري حاضرة بكلياتها وهي معروفة. وتأثيرها معلوم ، والخطأ الإطاري أو الإنتقال في اعتقاد أن القوى المعزولة هي خميرة العكننة للإنتقال أو التوقيع على الإطاري أو التعاطي مع سلاسة الإنتقال. الإسلاميون بتيارهم العريض من أهل قبلة الإسلام لم تغلبهم المواجهة السياسية والدفاع عن حقوقهم السياسية في أي وقت من الأوقات وخبرتهم في مواطن الضغط تاريخية ، وأجيالهم مجربة وتعرف حقيقة القتال وصناعة الإنتصار لذا من واجب قوى الإنتقال إن سلمنا بعزلهم تركهم وشأنهم ، فكل الإتفاقيات الهشة التي ابعدتهم صيغة هدفها الإقصاء ، إمتص الإسلاميون الصدمة الأولى بفقدان الحكم وقطعاً تحلوا بالصبر وتحمل الهجمة الشرسة عليهم حتى لا ينزلق الوطن من بين ايدي الجميع، فالمناصرة وقتها وشرفها كان عمادها الإلتزام بالمبادئ العقدية التي تبنتها في مسارها السياسي والعضوي وهو ذاته الامر الذي كلفها ثمن عداوات واكسبها في نفس الوقت صداقات لن تنتهي بالسقوط ولا بما تحصده المحن والسجون والصبر عليها لحسابات دقيقة في الماضي والحاضر والمستقبل ، اعتقد راعت حركة الإسلام في منهجها السياسي الفرق بين هلاك الوطن ودماره وبيعه واستعماره وتشريد ابنائه وافتتانهم بسبب السلطان وبين الرضا بأن الله كما يعطي ينزع الملك. الفترة برمتها غفلت عن قضايا مهمة كوجود الدستور الدائم والفصل بين السلطات وإحترام مبدأ سيادة القانون وتدريج القواعد القانونية والإعتراف بالحقوق والحريات العامة وتنظيم الرقابة القضائية المستقلة ومدنية الدولة وإصلاح أجهزة الحكم وقضايا الإصلاح الإقتصادي ، هذا القضايا اجمالاً لم تتحرك من موقعها بل لم تكمل الدولة مؤسساتها التنفيذية والتشريعية منذ تكوين مجلسها العسكري مروراً بالجسم المدني الأول في العام 2020م .قضايا التوافق الوطني والمبادرات المشاهدة والتكوينات المتحركة من شخص لآخر ومن دولة لآخرى ومن وسيط لآخر والتي تضمر إبعاد الإسلاميين من اي تمثيل وعلى أي مستوى تخطئ التقدير عند التفكير الوطني بل هي بحاجة الى تعلم الوطنية وحب التراب الخالد الذي سيبقى وتذهب من فوقه الكيانات والأحزاب والجماعات وغيرها من التكوين البشري ، الحلول الممكنة والأقرب وغير المطروقة هي تكوين حديث غير تقليدي بمعني يتجاوز اخطاء الماضي ومصائب الكذب التي أورثتها النخب المستحدثة خلال السنوات الخمس الماضية اورثتها لأجيال كان يمكن أن تسهم بقليل من الوطنية في إيجاد حل لإدارة المرحلة وإيصالها الى الرضا العام بإجراء انتخابات تحدد كيف ومن وما يحكم السودان وفقاً لرأي الأغلبية الديمقراطية المفترى عليها في تجارب عديدة ومحاولات سابقة ، وهذا مايعزز قيمة الولاء للوطن ويربط المواطن بوطنه دون تنازع أو قتال. هذا التكوين والبناء الكلي والجماعي يتفق على نقطة واحدة هي التحول الديمقراطي الصحيح والسليم من امراض التحزب والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد المهم هذه نقطة القوة والضمان الأوحد لإغلاق باب الفتن والجهل المتعمد والشك في قدرات كل من تقدم لشغل الوظيفة العامة ، ولا يتأتي ذاك التحالف الوطني الا بإسناد كامل للقوات المسلحة مع الأخذ في الإعتبار التجارب السابقة اذ أن العسكريين ومهما كانت رغبتنا في بناء ديمقراطي سليم في انفسنا كسودانيين وبطبيعتنا أن فترات الحكم العسكري الشمولي كتجربة الإنقاذ أو الإنتقالي فيدفترات سابقة كان الأصلح لقيادة الشعب السوداني في كل شعاب حياته ، وهنا تكمن وتبقى حقيقة غائبة وهي لابد من ازالة المخاوف والفزع داخل القوى السياسية التي تحاورت مع اطروحات التظاهرة الثورية الأخيرة التي تخيفها لعالع الجيش وأنهم سرعان ما يسطون على السلطة بأي حال كان تقديرهم والإنفراد بالحكم ، والقوات المسلحة إن ابتعدت عنها القوى الخائفة جديرة ببث الثقة واعطاء تلك القوى مساحات من العمل في ظل أمن واستقرار كاملين بفعل وقدرة القوات المسلحة ، اما وضعها محل عدو متربص وهي تخطط لعزلها من المشهد ذاك ما يزيد غيها ويقوي رغبتها في السيطرة في الإنتقال والي ما بعد الإنتقال. هذه الحقبة العسكرية المدنية المتسيدة لحد ما تقريباً علي المشهد الذي امام بصائرنا متفقة على إبعاد منسوبي النظام السابق، الخبراء منهم والتابعين والملونيين بلونهم وبينهم اختلاف في درجة العداوة عداوة الإبعاد تحديداً في مرحلة الإنتقال واوضاعه الشائكة والخائفة دوماً من التغول العسكري على كل المفاصل وهذا الخوف الممنهج لم ينظر الى الجوانب الموضوعية كأهمية الحكم العسكري الإنتقالي الذي يتعهد بتسليم السلطة الى حكومة منتخبة من الشعب ، فالمواقف المبنية على التوافق العقدي ذات المرجعيات الإنسانية المملوءة بالحس المشترك بين البشر جميعهم او على اجماع ما يعانيه شعب السودان من تنوع وتعاقب الحكم وتوريث الظلم من حقبة لأخرى الاجدر أن تكون محل موافقة وتعاضد في تضييق السلبيات وهذا الاحتمال بعيد المنال لإرتباط غالب القوى الحاضرة بغير ميول اهل السودان واتجاهاتهم العقدية
لا أحد يستطيع نكران وجحد نجاحات تجربة الحكم السابقة هي نجحت في كثير من الملفات مثل التنمية الشاملة ذات العلاقة بحياة الناس ورعاية حقوق المواطنيين والضعفاء والمظلومين قد كان أحسن وضعاً مما هو عليه الآن ، كما أنها ليست في اعتقادي بحاجة الى دفاع هي متهمة باشعال القبلية وإزكاء الصراع بينها وليست هناك مقارنة بصراع اليوم فالحرب الرسمية المقننة إنتهت وإنتقلت الى الداخل، القوى المتسيدة والتي تدعي تحريك المشهد وخلخلة القواعد لا تستطيع أن تؤسس نظاماً سياسياً يضع حداً لهذه الهرجلة المستمدة من بيوتات الضغط واصحاب الأجندة الخاصة، فالتحالفات المتوقعة والتي يمكنها أن تنقذ البلد قد تكون بين العسكريين كقوة عظيمة تمتلك السلاح وتحالفات القوى السياسية التي تفكر ببعد قومي دون عزل لأحد إن كان هذا الخيار ممكناً سيتغير المشهد بنقلات جديدة تحدث انقلاباً في الحياة السياسية ووقتها تستطيع النخب مشتركة أن تعيد توازن القوى وتجهيزها لبناء نظام ديموقراطي مستقر في جمهورية السودان.
ونلتقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *