تموج الساحة السياسية السودانية بالحدث المزلزل المتمثل فى زيارة الوفد الاسرائيلى ولقاءه برئيس مجلس السيادة ،، وكل الذين تناولوا الموضوع تناولوه تحت بند التطبيع مع دولة الكيان الصهيونى ، فهل ماتم من زيارات وهل ما تم من لقاءات سابقة هى فعلا تعتبر ترتيبات على خطى التطبيع ؟؟ وهل فعلا ماتقوم به إسرائيل من تبادل للزيارات واللقاءات هى فعلا تسعى للتطبيع؟؟ وهل مصطلح (التطبيع) الذى يستخدمه اليهود هو فعلا يتطابق مع معنى الكلمة ومدلولاتها اللفظية او الدبلوماسية؟؟ انا لااعتقد ذلك،، فكلمة (التطبيع) عند اليهود هى كلمة استخبارية ذات مدلولات (أمنية ونفسية) بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقى للكلمة وبعيدة كل البعد عن مدلولات التناول الاعلامى الذى يتناول قضية التطبيع،، دولة إسرائيل دولة مخابراتية بالدرجة الأولى حيث تتحكم المخابرات فى كل تصرفاتها بل وفى كل نشاطها (اقوالها وافعالها) ويعتبر الخداع والتمويه ابرز صفاتها، وقد اثبت القران ذلك وجعل التحريف والتزوير عند اليهود من أكبر متلازمات الشخصية اليهودية حيث اثبت القران ان اليهود ( *يحرفون الكلم عن مواضعه )* وهذا التحريف اما ان يكون بتبديل الكلمة او تغير معانيها(يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وماهو من الكتاب) ويفعلون ذلك (ليا بالسنتهم وطعنا فى الدين) ولذلك نهى القران عن استخدام الكلمات التى يرددها اليهود ويستخدمونها بمعنى غير معناها الظاهر ( ياايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) بسبب ان اليهود كانوا يستخدمون كلمة (راعنا) بمدلول اخر فيه اساءة للرسول صلى الله عليه وسلم،، ولذلك فإن اليهود حينما يستخدمون الكلمات غالبا مايكون لها مدلولات ومعانى اخرى غير معانيها الحقيقية ، وفى بعض الحالات التى لايستطيعون فيها تحريف الكلمة عبر تبديل معانيها او تغيير مدلولاتها يقومون بتغيير الكلمة نفسها والاستعاضة عنها بكلمة اخرى تخدم مراميهم واهدافهم ، وهم يستخدمون كل تقنيات علم النفس الاستخبارى و كل ادوات الاعلام التخابرى، وأوضح مثال على ذلك الانقلاب المصطلحى الذى حدث خلال حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضى والقضية الفلسطينية فى اوج تداعياتها حيث كان مصطلح (الازمة الفلسطينية) هو المصطلح الذى يتسيد أجهزة الاعلام العالمى والعربى والاسلامى ويتسيد نشرات الاخبار، وكان هذا المصطلح يقود الافهام مباشرة الى قضية احتلال اليهود لارض فلسطين العربية والإسلامية ويقود العقول نحو احتلال بيت المقدس قبلة المسلمين الاولى ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كان تأثير هذا المصطلح ايجابى جدا فى دعم القضية الفلسطينية وربطها بالمقدسات الاسلامية والعاطفة الدينية الأمر الذى جعل كل مسلمى العالم يتعاطفون مع الفلسطينيين ومع قضيتهم بإعتبارها قضية كل المسلمين، ولذلك قررت دوائر الاعلام الاستخبارى اليهودى تبديل مصطلح ( الازمة الفلسطينية) للتخلص من تلك المدلولات الايجابية للمسلمين والسلبية لليهود والاستعاضة عنه بمصطلح اخر يشتت الانتباه ويبدل المعانى ويخرج كلمة فلسطين من دائرة التركيز ، وعندها مباشرة دخل الى دائرة الاعلام العالمى وبدفع من الدوائر الاستخبارية اليهودية مصطلح( أزمة الشرق الأوسط ) وتم التركيز على هذا المصطلح بكثافة شديدة وأصبح هو المصطلح البديل فى كل أجهزة الإعلام العالمى بل وحتى العربى والاسلامى وبعدها مباشرة اصبحت القضية الفلسطينية تموت تدريجيا فى الوجدان الاسلامى ، ولذلك وقياسا على هذا التكتيك اليهودى يمكن مراجعة وفهم مصطلح التطبيع الذى تردده أجهزة الإعلام العالمى والمحلى ، فكلمة التطبيع حسب مفهومها اللفظى والسياسى والدبلوماسى تعنى إقامة علاقات طبيعية متطورة مع دولة وشعبها وهى مرحلة متقدمة فى العلاقات الدبلوماسية والسياسية ومتطورة الى تداخل وتمازج كامل سياسى وشعبى ومتقدمة الى مابعد فتح السفارات والتبادل الاقتصادى، وهنا يتبادر سؤال هل إسرائيل تريد إقامة علاقات طبيعية مع دول وشعوب العالم العربى والإسلامي وفق المدلول اللفظى لكلمة تطبيع ؟؟ والإجابة قطعا لا !! وتأكيد ذلك أين مشاريع التطبيع الكبرى؟؟ أين كامب ديفد واين السادات ؟؟ واين اوسلو واين ياسر عرفات ؟؟ حيث انتهى أكبر مشروعي تطبيع فى المنطقة العربية بمقتل زعيميها ولم يحدث تطبيع بل لم ينفذ حرفا واحدا مما كتب على الورق ليقف ذلك شاهدا على ان كلمة (التطبيع) التى قادت تلك الاتفاقيتين كانت تعنى عند اليهود (التشليع) وهذا ماحدث للقضية الفلسطينية بعد أوسلو، وهو أيضا ماحدث لمصر اكتوبر والعبور بعد كامب ديفد ،، لأن إسرائيل دولة عنصرية طائفية منغلقة لاتقبل الانصهار او الذوبان حتى فى المجتمعات المسيحية دعك من الاسلامية وهى دولةلاتقبل التحالف او التمازج ، وبالتالي هم لايبشرون بدينهم ولايسمحون لشخص غير يهودي الدخول فى دينهم ولم يسمع يوما ان هناك منظمات او مبشرين يبشرون بالديانة اليهودية ، كما أن اليهود يعلمون جيدا انهم شعب ملعون ومكروه ومنبوذ من كل شعوب العالم( لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) والاية تعنى انهم شعب ملعون من لدن داوود عليه السلام مؤسس دولتهم وحتى عيسى ابن مريم عليه السلام آخر انبياءهم ،، والله سبحانه وتعالى اقسم فى القران ليبعثن عليهم من يسومهم سوء العذاب الى يوم القيامة( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم الى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) واليهود يعلمون هذا جيدا لانه مكتوبا عندهم فى التوراة وقد كانت محرقة بختنصر ومن بعده هتلر من مبشرات ومفسرات هذه الاية ، ولذلك حينما يتحدث الاعلام اليهودى عن التطبيع هو لايقصد الكلمة وماتعنى من إقامة علاقات طبيعية مع الدول ،، وانما يقصد معانى ومدلولات اخرى تتمثل فى تشويش الامة ذهنيا وشحنها بالاحباط والهزيمة النفسية ، ويقصد كذلك قتل الهمة واضعاف العزيمة لدى الفلسطينيين عبر إظهار تخلى شعوب وحكومات العالم الاسلامى عن قضيتهم المركزية ، ومن ثم قتل القضية وسط كل شعوب ودول العالم الذين يرون تخلى أصحاب القضية عن قضيتهم ، وهذا مايفسر الطرق الكثيف والزخم الاعلامى للدوائر المرتبطة باليهود لمجرد لقاء او زيارة بروتكولية عابرة او لمجرد سلام او تصافح عابر من رئيس او وزير عربى ، حيث المقصود ليس الحدث فى حد ذاته وإنما المقصود ارتداداته الجانبية واهدافه الصهيونية القريبة والبعيدة ، ولذلك وعلى ضوء تلك المفاهيم ينبغى النظر الى زيارة الوزير الاسرائيلى للسودان ومقابلة البرهان ، حيث تقع الزيارة فى خانة السجال التكتيكى بين الطرفين وهى قطعا لم ولن تتجاوز هذه التكتيكات باهدافها الظاهرة والخفية فاسرائيل تعلم ماهو السودان وتعلم من هو شعب السودان وبالتالي هى لا ترغب فى أكثر من أهدافها التكتيكية الخبيثة تلك ، ويضاف إليها فرزعة الساحة الداخلية وزيادة الخلافات والانقسام الداخلي ، وهنا انا اذكر بحادثة هامة وخطيرة تبين طريقة التفكير والمكر اليهودى فى استخدام التكتيكات الامنية واستخدام الاعلام الاستخبارى وهى حادثة ترحيل اليهود الفلاشا الاثيوبيين من السودان الى إسرائيل، والتى تتلخص وقائعها فى اتفاق تم بين الاثيوبين والاسرائيليين على ترحيلهم بمعاونة منظمات دولية ، وقد كان الوضع الطبيعى ان يتم ترحيلهم مباشرة ودون اى تعقيدات من اثيوبيا الى إسرائيل طالما ان الحكومة الاثيوبية موافقة إلا ان الإسرائيلين وبالتنسيق مع المخابرات الامريكية قرروا الزج بالسودان فى العملية ، حيث تم سحب الفلاشا الى داخل السودان وتجميعهم فى معسكرات ومن ثم يتم ترحيلهم بعد ذلك بالطائرات من السودان الى إسرائيل ومن ثم تسريب العملية الى واجهات الاعلام العالمى والطرق عليها بإعتبارها عملية استخبارية سرية خطيرة وكبيرة تمت بالتنسيق مع السودان ورئيسه، وقد كان الهدف الرئيسى من الزج بالسودان فى العملية هى اشانة سمعة السودان واشانة سمعة الرئيس نميرى الذى قررت الدوائر الصهيونية والغربية الاطاحة به بعد تطبيقه للشريعة الإسلامية واعدامه للهالك محمود محمد طه قائد الفكر الجمهورى الماسونى فى السودان ،ولذلك وعلى ذات الشاكلة تأتى الآن تحركاتهم المربوطة بالتطبيع والفبركات الاعلامية والمخابراتية ،، اما البرهان ورغم اهدافه التكتيكية السطحية التى يتدثر خلفها فأنه على المستوى الشخصى ربما أراد بها صرف الانتباه وفرزعة الساحة بعد موات الاتفاق الاطارى ، فقد لايكون البرهان منتبها الى خطورة ما يساق اليه كقائد للقوات المسلحة رمز العزة وعرين الابطال ، حيث أصبح كل يوم يفقد مساحات واسعة من السند والتعاطف الشعبى وواضح جدا ان من يدفعونه الى تلك الخطوات يريدون حرقه وعزله من رصيده الشعبى كقائد للجيش واظهاره بمظهر القائد المهزوز البرغماتى عديم المبادئ وقطعا هذه الصفات تؤدى الى اهتزاز ثقة الشعب فيه كقائد للجيش وهو الآن يسير بخطى متسارعة على خطى حمدوك ، وبالتالى سينسحب عدم الثقة تدريجيا على الجيش نفسه وكل ذلك وفق خطة منظمة وممنهجة تستهدف الجيش السودانى وتستهدف عزله من رصيده الشعبى ، وربما تكون الخطوة(trick) مصنوع بدقة ابتلعه البرهان فى حالة توهان وغيبوبة ، وربما يكون قصد مهندسه استفزاز التيارات الوطنية والاسلامية ودفعهاللاصطدام والمواجهة تمهيدا لتداعيات خطيرة عبر سوق البلاد نحو العراك العنيف ، ولذلك ربما لم ينتبه البرهان أن الخطوة قد تكون جزءا من خطة تفكيك واضعاف القوات المسلحة التى يقودها حلفاءه الجدد من احزاب (ثلاثة طويلة) ، ونقول للبرهان (حذاراك) ان تلعب تكتيك مع اليهود الذين وراءهم مخابرات وصهيونية عالمية واقمار صناعية ومراكز دراسات وقوقل وجنود ابليس أجمعين ، وحاضنتك التى تقود التفكير وتحرك المشهد امكانياتها أضعف عددا وأقل جندا