اولا: الثابت أن الإرادة السياسية التى أنجزت الاتفاق السياسي هى إرادة الأجنبي المستعمر الذي يريد أن يفرض على الشعب السوداني خياراته ورؤيته لما يريده لمستقبل السودان تاسيسا على ما سيتم تمريره في الفترة الانتقالية، من توجهات عامة لمستقبل البلاد، أما إرادة الداخل ممثلة في قيادة المجلس العسكرى والقوى السياسية الأخرى، فالثابت انها تعرضت لابتزاز كبير وظاهر تؤكده تناقض المواقف والتصريحات الجلية لقيادة الدولة والاحزاب والقوى السياسية فى الفترة الأخيرة.أما ابتزاز المكون العسكرى، فسيزيد من عدم الثقة بين قيادة الجيش ووحداته وبينه والدعم السريع والحركات المسلحة على اتفاق السلام، الذي رعته حكومة قحت الأولى، أما القوى الحزبية والسياسية المباركة للاتفاق، فان الابتزاز الذى تعرضت له فسيخرجها منقسمة على نفسها ( حزب الأمة، الاتحادي، الشعبي، والبقية تأتي ). وبالمحصلة اضعاف وتفكك القوى السياسية الوطنية الضعيفة في اصلها مما يفتح الأبواب أمام التغلغل الاستخباراتى في البلاد وارتهانها بالكامل للخارج واجندته الاستعمارية فى تقسم البلاد. ثانيا: الاتفاق يمهد الطريق إلى علمانية متطرفة، مفادها ألا يحكم دين الأغلبية وثقافتها حياتهم العامة، بزريعة متهافتة مفادها وجود أديان وثقافات متعددة بالبلاد، مما يتطلب التضحية بثقافة وهوية الأغلبية لصالح نيل رضا الأقليات المزعومة، او لصالح استدعاء ثقافات فرعونية وثنية مندثرة قبل سبعة قرون ولا حضور لها في حياة سودان اليوم ، إلا في مخيلة كاتبي الاتفاق أو ربما في المتحف الثقافي السوداني ، رغبة في قطع الطريق على إعلاء دين الأغلبية الحاضرة ليكون مصدرا للتشريع، وعندها يتم الاحتكام الى العلمانية بوصفها الحل المناسب، وهذا ما لا يحدث في اى مجتمع محترم في الدنيا، يحترم ذاته وتاريخه وهويته. والحقيقة ان هذا الزعم الباطل كان يمكن حله باستفتاء الأغلبية والاقلية إلى ما يرضيها من قانون وتشريع، وبالمحصلة تضيع مشروعية السلطة وتصبح غريبة في مجتمع منفصل عن قيمها. ثالثا: بدلا عن النص على مرجعية الأغلبية وحفظ حقوق الاقليات ، فإنه تتم الإحالة إلى المواثيق المعاهدات الدولية في القضايا الخاصة بالمراة والنساء والطفل، فى رغبة مفضوحة تجاه علمنة المجتمع السوداني بعيدا عن قيمه وثقافته واخلاقه، ففى الوقت الذي لا ينص الأتفاق على مصادر التشريع في الاتفاق السياسي الاطارى، فإنه ينص صراحة على مرجعيات الديانة الليبرالية الجديدة في قضايا النساء والناشئة ، مما يفتح المجال للتفكك والتفسخ الأخلاقي في المجتمع، وهو الامر الذي يصبح محميا بهكذا اتفاق ثنائي لم يعلم به أفراد الشعب السوداني -وانا منهم – إلا بعد توقيعه، ،فيا لسخرية القدر. رابعا: الاتفاق يمهد الطريق أمام تفكيك المؤسسات العسكرية والامنية، بزريعة الاحترافية، مع ان كل جيوش الدنيا تدافع عن قيم وثقافة مجتمعاتها وتحمى دستورها المستفتى عليه من الشعب ، علما بأن محددات وعقيدة القوات المسلحة القتالية والعسكرية، مما تحددته توجهاته حكومات منتخبة لا مجموعات سياسية منبة كانت ولا زالت عرض دة للابتزاز الظاهر والمخفى. خامسا: الاتفاق يمهد الطريق أمام تعديلات جوهرية في بنية نظام الحكم عندما يحوله إلى نظام نيابى، فى بلاد عانت وتعانى من تبعات تحكمات النخب في تحديد طبيعة نظام الحكم، الذي لا يشرع نوعه ولا شكله، إلا بجمعية تأسيسية منخبة واستفتاء عام للشعب السوداني صاحب السلطة الحقيقية، فكيف يكون الشعب هو مصدر السلطات وقد حدد له الاتفاق مسبقا طبيعة ونوع النظام السياسي الذي سيحكمه، وقد كان الاجدى اخذ العبرة بعدد المرات التى انهار فيها نظام الحكم الذي فرض من أعلى بواسطة تفاهمات واتفاقيات هشة بين القوى السياسية المركزية في فكرها، وهو ما يفتح الباب أمام اضطرابات سياسية كبيرة بين صلاحيات رئيس الوزراء ورغبة الأقاليم في المشاركة السياسية في السياسة العامة والقرار السياسي. واخيرا: فقد اقحم الاتفاق الإطارى نفسه في قضايا ليست من مهام الفترات الانتقالية، مما يفضح نوايا واضعيه، وإذا كان معلوما نوايا تلك الجهات التى تقف بصولجانها ومالها وأجهزة استخباراتها فإن واجب (اولاد البلد) تكوين جبهة وطنية قوية لاختراق الاتفاق بالمشاركة الفاعلة في تعديله لخدمة الاجندة الوطنية او العمل على مناهضته، أو تعديله على نحو يخلصه من كل مسألة محلها البرلمان المنتخب، لا الاتفاقات الثنائية المشبوهة، أو الضغط لقيام انتخابات مبكرة بوثيقة انتقالية افضل، يستمع فيها لصوت الشعب صاحب السلطة الحقيقية كما نص الاتفاق. اما العبرة:فهي ما أبين ظاهرة انهيار الدساتير والاتفاقات والتفاهمات التى تفرضها بعض المجموعات السياسية، منذ الاستقلال وحتى الوثيقة الدستورية، ومع أن عبرة التاريخ في المتناول إلا ان الكثير يصر على السير في الطريق الخطأ.