عصام الحاج عثمان يكتب رجال صنعوا التاريخ محمد الشيخ مدني (أنموذجاً)

محمد الشيخ مدني … اسم له رنين في بلادنا العزيزه. يذكر اسمه فتقفز للاذهان صورة محمد الشيخ ابن شندي البار و أحب أبناء شندي لشندي و اخلصهم لها. محمد الشيخ معلم الأجيال. محمد الشيخ الرياضي الفذ. محمد الشيخ الموظف القيادي المثالي بالقطاع الخاص. محمد الشيخ الوزير و السياسي الحاذق. ثم محمد الشيخ رب الأسرة والاجتماعي المتميز. ولد محمد الشيخ بمدينة شندي في العام ١٩٤٠م. والده المرحوم الشيخ محمد مدني منصور. والده خليط بين الجعليين و العبابده. فجده لوالده عبادي الاصل و معلوم ان العبابده اصولهم مصريه. و جدته لوالده جعليه. لوالده (شقيق) هو احمد مدني والد المقاول عبدالمتعال و ابراهيم و اخوانهما و اخ ( غير شقيق ) هو حسن مدني والد منصور و فتحي و دكتور يوسف. شقيقة الشيخ مدني ( نفيسه ) انجبت إبنتها ( السره ) والدة اولاد محمد عثمان الاموي ( المهندس التاج – الحكم هاشم) و اخوانهما. و شقيقتهم مريم والدة ( ام أحمد ) زوجة الارباب صلاح ادريس و ( ام محمد ) زوجة الوجيه جمال الوالي. عرف آل مدني في شندي و كل انحاء السودان بالذكاء و الانضباط و الصدق و الامانه و الجديه. الشيخ مدني من اهل شندي ميسوري الحال. كان تاجراً كبيراً. قيادياً على كافة المستويات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الرياضية. رئيساً للمجلس البلدي بشندي. قائداً لشباب الختميه بالمنطقة. شباب الختميه تنظيم له زيه الخاص و تقاليد دينيه و عقائديه و انضباط عسكري. الشيخ مدني من مؤسسي نادي النيل العظيم و رئيسا له. النيل أسس في العام ١٩٣٦م و كان ملتقى للمناضلين ضد الاستعمار. الاباء المؤسسين للنيل بجانب الشيخ مدني عامر جمال الدين – محي الدين جمال الدين – حسين حسن ابوراس – ابراهيم محمد جميل – سعيد حجازي – بابو فاتح الريح – ابراهيم ابركات – محمود حسن مرزوق – مختار حاج عمر – ماهل عبدالرحيم – عوض ابورفاس . ابورفاس والد قطب المريخ الكبير و الاداري المعروف بدر الدين ابورفاس و قد جاء عوض ابورفاس باشكاتباً بمكتب المفتش الانجليزي. تقدمت المجموعة بطلب التأسيس باسم نادي( الجهاد). رفضه المفتش الانجليزي ذلك ان كلمه الجهاد كانت مرعبة للمستعمر و تم تغيير الاسماء حتى استقر على ( النيل) و الذي ظل شامخاً من العام ١٩٣٦م و حتي اليوم. كان النيل وحيداً في شندي ينافس اندية الدامر حتي نشأ الاهلي في العام ١٩٤٧م لينحصر التنافس بينهما . الملعب الذي تتم فيه المنافسات ( ملعب المركز) و يقع جوار المركز وهو المبنى الذي يضم مكتب المفتش و القضاء و الشرطة و الاراضي و الزراعة. نادي الشرطة الحالي و البنك الاسلامي جزء من هذا الملعب. نشأة الاندية كانت سياسيه لمناهضة المستعمر و يتضح ذلك في الاسم الاول الذي اقترح (الجهاد). انضمت للنيل القيادات الاتحادية و الختميه و قوى اليسار التي يمثلها الحزب الشيوعي. كانت الشيوعية موضة و تمثل تجمعاً للتحرر. معظم ابناء شندي و النيل المثقفين انضموا للحزب الشيوعي. عامر جمال الدين بدأ حياته شيوعياً و كذلك ناظر الجعليين المرحوم إبراهيم حاج محمد وهو دفعة عبدالخالق محجوب و رفاقه و صديق مقرب منه و كذلك الشفيع أحمد الشيخ و ابراهيم حاج عمر فضل الله و عثمان بادي و الاستاذ الأمين محمد نور و كيل وزارة التربية الاتحادية و الاستاذ مصطفى محمد صالح ابو حباجه و (خالي) الاستاذ عثمان الامين حاج علي ( القسيس) ووالدي الحاج عثمان عليه الرحمه. و عثمان الياس و خليل الياس و اخرون كثر. من هؤلاء من تولى مواقع قياديه في الحزب الشيوعي مثل خليل الياس و الشفيع و احمد الشيخ و مصطفى ابو حباجه. كان للحزب الشيوعي قيادي متفرغ في كل مدينة. في شندي كان ( علي سليمان العمدة ) المشهور بعلي كنيش وهو معه ابناء المتمه ومن بيت العمدة . وفي عطبره كان المتفرغ ( عبدالله عبيد ) وهو ابن خال الاستاذ محمد الشيخ مدني و زوج شقيقته ( عايده ). عبدالله عبيد كان من امهر لاعبي كرة القدم بالسودان. سعت اندية الصداره المريخ و الهلال و المورده لضمه. الحزب الشيوعي قرر ان يتفرغ بعطبره و يلعب في نادي ( النسر) و الذي كان تجمعاً عمالياً كبيراً ! من أوائل النساء الشيوعيات الأستاذة نعمات الشيخ مدني و قد كانت تحضر الاجتماعات بشخصية قوية و ثقافة عالية فاعجب بها والدي و سمى اصغر اخواتنا ( نعمات ) تيمناً بنعمات الشيخ مدني. ترك معظم هؤلاء الشيوعية وانتموا لأحزاب أخرى. انتقل الشيخ مدني لجوار ربه في العام ١٩٥٠ م في ليله ماطره من خريف ذلك العام عندما سقط سقف الغرفة التي كان الشيخ مدني و بعض الاصدقاء يلعبون ( الكشتينه ) بها داخل نادي النيل. توفى الشيخ مدني و كانت اصابات البقيه طفيفه. توفى الشيخ مدني و له أربعه زوجات انجبن له أربعه ابناء و عشرة بنات. تميز الشيخ مدني بكل صفات آل مدني الطيبة و العظيمة و زاد عليها ( الحماقه ) و التي يبدو ان الجينات الجعليه تغلبت فيها على جينات العبابده. يحكى انه كان شريكاً للمرحوم عبدالكريم السيد ( احد اكبر التجار بالبلاد ) في دكان للأحذية المستوردة من ايطاليا. اختلف الشيخ مدني مع شريكه و طالبه بفض الشراكه. كان عبدالكريم السيد طيباً سهلاً … طلب منه ان يفعل ما يرى و اقترح عليه جرد الدكان و قسمة الناتج بينهما. ركب الشيخ رأسه و اصر ان يكون فض الشراكه ( فرده .. فرده ) و فعلاً تم تقسيم الاحذيه ( الفرده اليمين ) لعبدالكريم السيد و ( الفرده الشمال ) للشيخ مدني و بقيت في مستودعاتهما حتى الوفاة !!! و يحكى عن حكمته عندما كان رئيساً للمجلس البلدي زاد الجزارون سعر اللحمه قرشاً. كلف الشيخ مدني أحد معارفه بأن يذبح يوميا عدداً كافياً من الخراف في الجزاره و يبيع بالسعر القديم ووفر له التمويل اللازم. بعد يومين رجع السعر القديم بعد ان اعتذر له شيخ الجزارين و طلب منه ايقاف صاحبه عن العمل. ليت الشيخ مدني و حكمته حضرت هذا الزمان ليساعدنا في حل مشاكل الحياة التي ضاقت بخلق الله. والدة محمد الشيخ هي الحاجه ( آمنة ). والدها أحمد فضل المولى أحد كبار زعماء الجموعيه في منطقة ( الدمر) جنوب ام درمان. في عهد المهدية كان عاملاً على بيت المال وهي ما تعادل درجة (وزير) في الحكومات المدنيه. تزوج أحمد فضل المولى (٩) نساء من مختلف القبائل احداهن (من بنات جنوب السودان) و انجبت له (٣٦) ولد و بنت. ( تبارك الله ). والدة الحاجه آمنة هي (بلسم) وهي قبطيه من المسالمه ومن الاقباط الذين اسلموا في عهد الخليفة عبدالله التعايشي و بقيت على دينها ومع زوجها بعد سقوط المهديه. انجبت السيدة بلسم اشقاء حاجه آمنة (عبيد) والد عبدالله عبيد و اخوانه و ( عوض ) والد قاسم و جد الصحفي الرياضي ( ياسر قاسم ) كما انجبت شقيقات حاجه آمنة ( سيدة) والدة الطيب عثمان الجزار بسوق الخرطوم (٢) و ( جزيره ) والدة احمد البشير و سكينة زوجه عيسي بروزه. كانت الحاجه آمنة امرأه صالحه انشغلت كل وقتها بتربية اولادها و بناتها ( محمد الشيخ و شقيقه البروفيسير عبدالعظيم – و بناتها عايده و نعمات و عفاف و سميره و صافيناز ) كل بناتها معلمات في مختلف مراحل التعليم. تجدها كل الوقت مشغوله بالعمل او العبادة. لا تذكر الاخرين الا بالخير. كريمة .. مضيافة تقابل ضيوف محمد الشيخ الكثر هاشه باشه. التحقت الأستاذة نعمات بالتعليم في العام ١٩٥٢ م لتساعد والدتها في تربية اخوانها و هي بذلك من المعلمات ذات السبق في البلاد. إنتقلت الحاجه آمنة لجوار ربها في نهايه العام ١٩٨٢م بعد رحله زاخره بالعطاء اعماراً للدنيا و الاخره. و لعلنا الان نعرف اسباب النجاح و التفوق و التميز الذي خص الله تعالى به محمد الشيخ و اخوانه و اولادهم. ففي عروقهم تجري دماء عبابده و جعليين و اقباط و جموعيه وهو ما سبق به رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم العلم و العلماء حينما قال ( اغتربوا تصحوا). درس محمد الشيخ الأولية بمدرسة شندي الشمالية و ناظرها المربي الكبير الأستاذ (أحمد الجمري) و الوسطى بمدرسة شندي الأهلية و ناظرها المربي الجليل ( عزالدين ابو القاسم ) من شيوخ الهاشماب. من أبرز زملاء الدراسة بالأهلية الدكتور الشيخ كنيش أحد أشهر أخصائي الباطنية و اللواء عبدالعزيز محمد الأمين الحاكم الأسبق للاقليم الشمالي. انتقل للثانوي بمدرسة وادي سيدنا و ناظرها ( حسن فريجون ) المدارس الثانوية وقتها فقط ( وادي سيدنا – حنتوب- خور طقت ) من أبرز زملاء الدراسة بوادي سيدنا الكابتن شيخ الدين محمد عبدالله و البروفيسير الحبر يوسف نور الدايم و اللواء حقوقي عبدالمنعم النذير و اللواء الفاتح عبدالعال و الطبيب الجراح عبدالمنعم حسن طه. في الدفعة السابقة لهم البروفيسير إبراهيم أحمد عمر و مولانا عمر عبدالعاطي و الدكتور عبدالرحيم حمدي و في الدفعة التالية لهم قطب الهلال قرافي و البروفيسير عمر محمد أحمد طه استشاري الاطفال. أكمل ود الشيخ وادي سيدنا في العام ١٩٦٠م و درس بجامعة الخرطوم عاماً و تركها ليعمل معلماً لظروف أسرته بمدرسة بربر الوسطى. بعد أشهر من تعيينه زار المدرسة المفتش الإنجليزي المستر ( اسميث ). حضر بعض الحصص مع ود الشيخ و اعجب بعلمه و طريقته في التدريس و قدراته العالية فنقله في نفس العام لمدرسة حنتوب الثانوية معلماً بشعبة الرياضيات. ناظر حنتوب الأستاذ و المربي الكبير ( هاشم ضيف الله ). وعمل ود الشيخ في حنتوب مع فطاحلة المعلمين أمثال الشاعر الهادي آدم و الذي غنت له المطربة العربية الكبيرة أم كلثوم. و الأستاذ أحمد نمر الذي تقاعد وكيلاً لوزارة التربية. تتلمذ على يد ود الشيخ بحنتوب طلاب يصغرونه بعام واحد منهم الرياضي الكبير و رئيس الهلال الأسبق طه علي البشير و الباشمهندس شرف الدين بانقا وزير التخطيط العمراني الأسبق و البروفيسير عبدالعظيم كبلو و معاوية عبدالوهاب مدير عام بنك البركة الأسبق و الفريق الركن عويضه و اللواء الشيخ مصطفى (الراجل) و الدكتور منصور يوسف العجب. في العام ١٩٦٣ م ابتعث للدراسه بجامعة لندن و تخرج بمرتبة الشرف و عاد للبلاد و عمل معلماً للرياضيات بمدرسة شندي الثانوية للبنات للفترة من ١٩٦٨-١٩٧٤ م. ابتعث مرة اخرى لينال دبلوم الرياضيات العالي من جامعة ( ليدز) بانجلترا. خلال دراسته بانجلترا كان صديقه الدكتور كمال شداد يحضر للدكتوراه في الفلسفه. و زامل أصدقاء العمر الدكتور عمر الأمين أستاذ البيطره بجامعة الخرطوم ووزير الزراعة في حكومة نميري و السيد يحيى الروبي و الباشمهندس أحمد هواري. عاد ود الشيخ مرة اخرى لشندي الثانوية بنات و التأهيل التربوي ١٩٧٥-١٩٧٦م. من الطالبات اللائي درسن بشندي الثانوية بنات خلال فترة الأستاذ محمد الشيخ الدكتورة فاطمة مختار و التي تولت ادارة الصيدلة بالوزارة الاتحادية – الدكتورة السريره حاج عمر و التي تولت نفس الادارة – الأستاذة عائشة قدور – نور بابكر القاضي القيادية بوزارة المالية الاتحادية. عندما عاد محمد الشيخ من لندن انضم فوراً لنادي النيل. آل مدني على درجة من المعرفة والثقافة والحصافة. وفاة والدهم داخل نادي النيل بعد أن سقط عليه سقف الغرفة لم يكون سبباً في نفورهم … وعلى العكس فقد ازدادوا حباً وارتباطاً بالنادي الذي عشقه والدهم الراحل واسسه وترأسه. انتمى كل آل مدني للنيل فالاستاذ الراحل منصور حسن مدني تولى سكرتارية النيل فترة طويلة شهدت بناء النادي الحالي عن طريق النفير وترك بصماته الإدارية واضحة جلية للأجيال من بعده. في العام ١٩٦٩م تولى محمد الشيخ سكرتارية النيل. تزامن ذلك مع ظهور فريق سارديه بقوته الضاربة المتمثلة في أولاد ابو شريعة والجلال والمحجوب وبقية العقد الفريد. ازداد التنافس بظهور سارديه وتمكن محمد الشيخ ورفاقه من دعم النيل بلاعبين افذاذ من خارج شندي وداخلها. من الخرطوم ومنطقة الديوم المهندس (سليمان) و (عثمان شارلستون) و (جني الصغير) وكان معلماً بمدرسة كلى الوسطى. (محمد عوض تراجمه) المعلم بمدرسة التراجمه الأولية. (هجو عبدالرحيم) المعلم بالمعهد العلمي ثم مدرسة عبدالكريم السيد. ومن ابناء شندي الكابتن (السر بهقيل) المحاسب ثم الضابط الاداري وكان يشجعه عمر خدره (يا بهقيل يا لعاب … يا اللابس الجزمة والشراب … ياود البلد … يالعندك عربية) وكان بهقيل اللاعب الوحيد في شندي الذي يملك عربة … بل من بين عدد قليل من نجوم المريخ والهلال والمورده الذين يملكون سيارات. واللاعبين (دينكا – مبارك الزبير – عزالدين عبدالرحيم – عبدالمجيد حكيم – عريبي – حسن جسكا – محمد عوض الله). اهتم ودالشيخ باللاعبين الشباب فضم لاعبين صغار السن من المدارس الوسطى امثال (التاج عبدالكريم – حسن الصغير – سيد أحمد سيد – هاشم عبيد – عبدالمنعم سليم – عمر فضل الله – صلاح محمد عثمان عبدالحميد – عادل هاشم الشريف – أسامة منصور السيد الشفيع – … الخ) تولى تدريب النيل الكابتن بابكر عبدالرحمن المشهور ببابكر شندي وهو الاسم الذي اشتهر به حينما كان نجماً لامعاً في فريق الثغر ببورتسودان بجانب زميله عثمان شندي (عثمان المحجوب) من ابناء سارديه. مدير الكرة مكي أحمد محمود (ماكوك) وهو الأخ غير الشقيق للبروفيسر نصر الدين أحمد محمود عميد كلية الطب جامعة الخرطوم ورئيس لجنة التدريب في عهد حليم والبروفيسر إدريس أحمد محمود عميد كلية الهندسة جامعة الخرطوم ورئيس لجنة التحكيم في عهد حليم الزاهي الذي نأمل أن يتكرر ليعيد للسودان قيادته وصدارته. في العام ١٩٧٠م سعدت بأن تم انتخابي عضواً بمجلس النيل لاتشرف بالعمل مع قيادات من الفطاحلة. اهتمام ود الشيخ بالقوانين بدأ منذ سكرتاريته لنادي النيل فقد كنا نطرح بعض المشاكل التي نواجهها اثناء العمل الإداري ويكتب ود الشيخ للاتحاد العام مُقتَرَحاً بتعديل او إضافة للنظام الاساسي والقواعد العامة. كان الاتحاد العام غالباً ما يوافق ويضمن المقترحات في القواعد العامة. الاهتمام بالجانب الثقافي والاجتماعي والمناشط الرياضية عالياً. المباريات باستاد شندي يسودها جو من المحبة والألفة والمساجلات والمداعبات بين (ابو السعود) من الأهلي و(صالح حوال – عمر خدره – علي كلفاح) من النيل. في العام ١٩٧٢م قمنا بزيارة للحصاحيصا خلال عطلة العيد. احسنت الحصاحيصا استقبالنا واكرمت وفادتنا كرماً فياضاً قاده سكرتير الهلال (المريخابي) حسن فضل الله. استاد الحصاحيصا كان مسوراً بالخيش. الاقطاب والاداريين المرافقين استضافهم ابن النيل وقطبه الكبير البروفيسر حامد عثمان برهان والذي كان وقتها مديراً عاماً لهيئة البحوث الزراعية بمدني ورئيساً لنادي الأهلي. وفي عهده الميمون تم انشاء النادي الأهلي في مدني بمساحته الكبيرة وملعبه الفخيم. الرياضة في شندي تشكل أساساً للحياة الاجتماعية. النيلاب يتجمعون في دكان ابراهيم جميل (الترزي) وفي مغلق جاد أمين حامد. والأهلاب في دكان (حسن الأطرش) الترزي والمجداب في صالون عبدالعزيز (الحلاق) والمداعبات تتواصل. عندما ينتصر النيل نذهب لقضاء الامسيات بمنزل ودالشيخ العامر بمربع (١١) اداريين ولاعبين واعضاء. نستمتع بأغنيات حمزة خشم الموس (عيون الصيد … ناعسات عيوني) (يا ملاية التخريم مفروشة تحت النيم … فرشوها لحبيبي … كيه للحاسدين) (البانسلين يا تمرجي … جيبوا الحكيم يا تمرجي) ونطرب لغناء حارس مرمانا عبدالمجيد حكيم (كركب أم كركابة … بدلى في ام روابة) ونختم السهرة بما نسميه السلام العظيم ونستمع له وقوفاً يتحفنا به عبدالمجيد حكيم (النيل النيل النيل … يا حلاوة عليك يا جميل). عندما سافر ودالشيخ لانجلترا في المرة الثانية اقمنا حفل وداع كبير بالنادي حضره محافظ الشمالية (حسين محمد أحمد شرفي) والشمالية هي ما يعادل نهر النيل والشمالية حالياً !! وفي الحفل قدم عبدالمجيد حكيم قصيدة في وداع ودالشيخ :- وليد الشيخ يا وليد الشيخ … وحاتك يا وليد الشيخ
وحات وعداً قطعته معاك … أنا وزمـــــلائــــــــــي
تجي وتلقانا مسرورين … ومنتصرين اغني ليك نيل (٨٠)

ذلك أن عبدالمجيد كانت له قصيدة اسمها نيل (٧٠) :-

يـا الله إتهنوا وهنوني … يا شباب اتهنوا وهنوني
نيل (٧٠) ده عاجبني … عريبي ودينكا حارسني

عريبي ودينكا نجوم الدفاع يلعبون بقوة ورجالة وحرارة ويالها من أيام.
في العام ١٩٧٦م ترك ودالشيخ التدريس واستجاب لضغوط زملاء الدراسة بانجلترا والاصدقاء الاعزاء (يحيى السيد الروبي – الدكتور عمر الأمين – الباشمهندس أحمد هواري) وذهب مديراً بشركة الروبي بالخرطوم. شركة الروبي من كبريات الشركات التجارية والصناعية في ذاك الوقت مملوكة للسيد طه السيد الروبي واخوانه. أولاد الروبي اصولهم من بارا. اشتهرت الروبي ببطاريات الروبي والتي كانت تغذي السوق السوداني ببطاريات العربات و يديرها (سعد الروبي). تنقل ود الشيخ في اقسام الشركة المختلفة وادى عمله بكفاءة ونزاهة وصدق وانضباط صارم وعلاقات واسعة اعانته على مهامه الجسام. وكعادة ود الشيخ واسلافه آل مدني خرج من الروبي الشركة الكبيرة ذات الصيت الذائع والمال الوفير فقيراً مستور الحال. ما زادته الروبي إلا مزيداً من الخبرات والعلاقات والقدرات والتمسك بالقيم الفاضلة.
تزوج محمد الشيخ في العام ١٩٧٨م من السيدة/ نسيبة إدريس الحاج عبدالقادر. والدها (أرباب) من السادة السعداب ترجع أصوله للهوبجي (مركز السعداب) والمكنية. ووالدتها بنت البريقدار وهم من أصول تركية. بهذا اضاف ود الشيخ لابنائه دماءً جديدة لتصبح الجينات (عبابدة – جعليين – جموعية – اقباط – أرابيب سعداب – اتراك). انجبت السيدة نسيبة لود الشيخ (سامي – الشيخ – يحيى – عبدالعظيم – عصام – زينب – آمنة) وكلهم تخرجوا بامتياز من الجامعات السودانية ونال معظمهم دراسات عليا وتميزوا بالشطارة والتفوق.
في العام ١٩٩٤م حدثت نقلة جديدة في حياة ود الشيخ الذي لم يعرف بأي اهتمامات سياسية. اتصل به الشهيد المشير الزبير محمد صالح وطلب منه أن يقبل التكليف وزيراً للشباب والرياضة والتوجيه. تولى المنصب للفترة ٩٤ – ٩٥ وقد أدى القسم أمام رئيس الجمهورية في نفس اليوم الذي أدى فيه اللواء ماهل أبو جنه القسم وزيراً للمالية بولاية نهر النيل والفريق منصور عبدالرحيم وزيراً للدولة بوزارة الدفاع. كان ماهل وقتها رئيساً للمريخ والفريق منصور سكرتيراً عاماً. في الفترة من ٩٥ – ١٩٩٦م تسلم ود الشيخ وزارة التربية بولاية الخرطوم من سلفه الأستاذ حسن عثمان رزق. ثم وزيراً للشئون الاجتماعية ٩٧ – ١٩٩٨م وكانت الوزارة مسئولة عن العمل الاجتماعي والثقافي والديني والرياضي. خلال الفترة من ١٩٩٨ – ٢٠٠٥م عاد وزيراً للتربية بولاية الخرطوم. ابرز انجازات ود الشيخ في وزارة التربية (المدارس النموذجية) والتي بدأت بسته مدارس وتوسعت حتى بلغت (٤٠) مدرسة. اعادت المدارس النموذجية للتعليم الحكومي هيبته. اصبح التنافس حاداً على المدارس النموذجية. وضع ود الشيخ ومعاونه من كبار رجال التربية ضوابط صارمة جداً لهذه المدارس. رُفضت بموجبها (الوساطات) من اعلى الجهاز التنفيذي على مستوى الدولة والولاية. حتى أصبح معلوماً لدى كل أهل الولاية وأهل السودان أن دخول المدارس النموذجية بالمؤهلات المحددة لا غير. اهتم ود الشيخ بتأهيل وتدريب المعلمين وكان يشارك هو وكافة الكوادر القيادية بالوزارة التدريس بمختلف المدارس بانحاء الولاية حتى يكونوا على صلة بالبيئة المدرسية والمناهج ومشاكل الطلاب والمعلمين. شهدت فترة ود الشيخ بالوزارة قيام مدارس الموهوبين. يتم انتقاء من تظهر مواهبهم من الصف الثالث بمرحلة الأساس. اهتم ود الشيخ بتحسين أوضاع المعلمين وبذل في ذلك جهداً مقدراً كانت من نتائجة التدرج المفتوح للمعلمين. استلم ود الشيخ وزارة التربية وهي تواجه مشاكل صعبة في التمويل. العام المالي في البلاد يقفل في ٦/٣٠ ويبدأ العام المالي الجديد في ٧/١. ومعلوم أن الإيذان بالصرف وتدفق الميزانية يكون في اغسطس وسبتمبر وهو التوقيت الذي يبدأ فيه العام الدراسي. استطاع ود الشيخ أن يقنع التربية الاتحادية وولاية الخرطوم للقيام بتعديل هذا الوضع مع رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء. نجح في ذلك واصبح العام المالي يبدأ في ١/١ من كل عام وهو الوضع الذي ما زال سارياً. الوضع القديم ٦/٣٠ وضعه الانجليز وذلك لارتباط الميزانية بحصاد وتسويق القطن. في العام ٢٠٠٥م انتقل ود الشيخ رئيساً معيناً للمجلس التشريعي بولاية الخرطوم. جاء ذلك بعد اتفاقية (نيفاشا). قيادة المجلس تحتاج لحكمة وصبر وحنكة وامانة وصدق لأن المجلس يجمع ألوان الطيف السياسي المختلفة المشاركة في الحكم بجانب الحركات المسلحة التي وقعت اتفاقية السلام. في العام ٢٠١٠م انتخب ود الشيخ رئيسا للمجلس التشريعي المنتخب وظل حتى العام ٢٠١٥م وقد ادى عمله بالكفاءة والقدرة والتوافق المطلوب. خلال عمله بالمجلس التشريعي تولى ود الشيخ رئاسة لجنة الاراضي الزراعية والسكنية بالولاية وهي اللجنة التي حفظت حقوق أهل الريف ومنعت التعديات على الاراضي. غادر ود الشيخ منصبه بالمجلس التشريعي متقاعداً في العام ٢٠١٥م. خرج بعد عمل سياسي وتنفيذي قيادي امتد (٢٢) عاماً لا يملك درهماً ولا ديناراً ولم يجد حرج في أن يستخدم عربة الأسرة وهي من أصغر عربات شركة جياد حجماً لا تتناسب لا مع مكانته ولا سنه. بعد تسوية استحقاقاته الوظيفية لهذه الفترة الطويلة اكمل اولاده المبلغ لشراء عربة (توسان)! خرج ود الشيخ كعادته سعيداً لم يتهمه كائناً من كان بشبهة فساد أو افساد (لله دره). خرج ود الشيخ وهو رئيس لجنة الاراضي الزراعية والسكنية دون أن يملك او يُملك اولاده واسرته الصغيرة والكبيرة وكافة الاصدقاء قطعة أرض واحدة بولاية الخرطوم. عرف ود الشيخ خلال عمله السياسي والتنفيذي الطويل بتواضعه الجم. يقود سيارته بنفسه حتى منعه الاطباء في العامين الأخيرين. لم تتبعه حراسه في حله وترحاله داخل الولاية وخارجها. يرد على كافة المحادثات في جواله الخاص. مكتبه مفتوح للجميع يدخله اصحاب الحاجات والاصدقاء دون استئذان. الدستوري الوحيد الذي لا تحتاج لتحديد مواعيد مسبقة لمقابلته. يذهب للأسواق بنفسه لقضاء احتياجات الأسرة والاحتياجات الخاصة. يشتري (الكسره) من سوق نمرة (٢) بنفسه ولابد أن تفتح البائعة الكيس ليتذوقها قبل الشراء ليعرف جودتها حتى أن إحدى البائعات قالت في مرة من المرات: (ده وزير شنو يا ناس الله).
في العام ١٩٧٨م كونت الاتحادات الرياضية بالولايات. تنتخب الاتحادات المحلية اتحاداً للولاية يمثلها في الاتحاد العام. اتحاد الولاية يختار ممثله في الاتحاد العام. اختارت نهر النيل محمد الشيخ ممثلاً لها. كان اتحاد الولاية برئاسة (أحمد عبدالله) رئيس اتحاد الدامر والذي فاز في الانتخابات على منافسه (يحيى شمس الدين) رئيس اتحاد عطبرة ومدير عام هيئة السكة حديد. تجربة اتحادات الولايات تستحق الدراسة والتقييم لتخرجنا من هيصة الاتحادات المحلية التي لا نعرف معظمها إلا في مواسم الانتخابات. في العام ١٩٧٩م انتخب ود الشيخ نائباً للسكرتير في مجلس المرحوم عامر جمال الدين الذي استمر حتى العام ١٩٨٥م. سكرتيره كمال شداد ومن أبرز قياداته سليمان دقق – المعزل – عبدالمنعم عبدالعال – علي عيسى. جاء هذا المجلس عام ١٩٧٩م بحجة انها مجموعة التجديد … جاءت لتجدد … جاءت على انقاض اعظم الاتحادات بقيادة الدكتور حليم. نحن الآن في العام ٢٠٢١ وما يزال شداد (الذي قاد التجديد) رئيساً للاتحاد العام ويفكر في الترشح للدورة الجديدة ٢٠٢١م – ٢٠٢٦م. انتقل ود الشيخ للعمل سكرتيراً لاتحاد الخرطوم معيناً للفترة ٨٥ – ١٩٨٦م برئاسة الفريق شرطة محمد الحسن يوسف (ابو الدقيق). انتخب للفترة ٨٦ – ١٩٨٩م تحت رئاسة اللواء شرطة مامون أمان ثم انتخب للفترة ١٩٨٩م – ١٩٩١م برئاسة الاستاذ أحمد حسب الرسول واستقال في العام ١٩٩١م قبل اكمال دورته. خلال عمله باتحاد الخرطوم كانت الخرطوم هي محط الانظار والدوري المحلي هو المنافسة الأهم وذلك قبل انطلاق الدوري الممتاز. عرف ود الشيخ خلال عمله بالاتحادات بالصدق والجدية والمثابرة والتجديد وعدم الانحياز. لم ينحاز للمريخ يوماً في حياته ولم ينحاز للنيل شندي وهي الأندية التي يتشرف بالانتماء لها. آخر تجارب ود الشيخ الرياضية كانت قبوله برئاسة المريخ العظيم حينما كان سوداكال سجيناً والمريخ تحاصره المشاكل من كل جانب ويهدده الاتحاد الدولي بالعقوبات الصارمة. قبل ود الشيخ وهو ابو القوانين رئاسة المريخ و لعلها المرة الوحيدة التي طقت فيها عاطفته على حكمته. جاء رئيساً واختار مجلسه الذي عرف بمجلس الوفاق. عمل مع عدد كبير من رفاق سوداكال. استعان برجال الاعمال … الدولة … اوكتاي التركي سدد كل الإلتزامات للڤيڤا وكل الالتزامات المحلية وسارت الأمور كما ينبغي. انقلب عليه سوداكال ومجلسه … انقلب عليه صديق عمره دكتور شداد وأظهر له الوجه الحقيقي لشداد. يبقى السؤال الذي يحتاج لإجابة من شداد واتحاده ومن ود الشيخ ومجموعته ومن سوداكال ومجموعته ومن كل خلق الله. المجلس السوداكالي الذي خلف ود الشيخ من أين استمد شرعيته علما بأنه مجلس الخراب والدمار الذي ما يزال جاثماً على صدر المريخ بدعم شداد؟
كانت لود الشيخ مساهماته المتعددة في العمل الاجتماعي ولعل أبرزها رئاسته الهيئة الشعبية لتطوير شندي والتي بدأت في مطلع الألفية الثالثة وبذلت جهداً مقدراً وكبيراً وعظيماً في مختلف الجوانب في منطقة شندي يشهد بها القاصي والداني ولا ينكرها الا مكابر. ومن أبرز ما قامت به الهيئة تحت رئاسته تطوير الزراعة – تسجيل آثار البجراوية والنقعة والمصورات في التراث العالمي باليونسكو الأمر الذي دفع دولة قطر لتخصيص مبلغ (١٥٠) مليون دولار لترميم وصيانة آثار مملكة مروي – ربط شندي بالشبكة القومية للكهرباء – قيام وتطوير جامعة شندي – الخدمات العلاجية الرفيعة والمستشفيات المتخصصة – محطة مياه شندي والمتمة النيلية – الطرق الداخلية بالمحلية – ترقية التعليم العام وبيئته – صحة البيئة – الدعم المستمر للأسر الفقيرة خلال رمضان المعظم والعيد – إنارة الشوارع – مشروعات الأسر المنتجة والتي ضمنت الكفالة لأكثر من (٦٠٠) أسرة فقيرة وقامت بتشغيل أكثر من (٥٠٠) خريجة باحثة عن عمل. عمل الهيئة كان يعتمد على تحريك الجهد الشعبي داخل المنطقة وخارجها ويعتمد على المطالبة والملاحقة والمتابعة لحقوق شندي في المركز والولاية. يولي ود الشيخ اهتماماً كبيراً بالعلاقات الاجتماعية ويمضي وقتاً كبيراً يومياً في المجاملات متنقلاً بين المستشفيات وبيوت الأفراح والأتراح. علاقات لا يميز فيها بين كبير وصغير وغني وفقير. اصيب ذات مرة في حادث مروري. تزاحم الناس في بوابة المستشفى لزيارته. سأل أحد المارة ظريف المريخ وام دومان والسودان (كمال سينا) عن هذه الزحمة فرد عليه بانهم يزورون ود الشيخ. ثم سأله (منو ود الشيخ) فرد سينا (ود الشيخ ده لو مات ليك دو شيريه يجي يعزيك).
هذا قليل من كثير جادت به الذاكرة في سيرة أبو القوانين ابن السودان البار وابن شندي البار الأستاذ محمد الشيخ مدني. نسأل الله تعالى أن يمد في ايامة ويمتعه بالصحة والعافية ويجزيه عن كل اعماله الجليلة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *