وكالات : كواليس
كانت كتابات الخط العربي بالمساجد مصدر إلهام كبير للخطاط والأسير المحرر الأردني عبد الرحمن مرعي، وجعلته يصمم على أن يتخصص في هذا المجال، فجمال الخط العربي جذبه لمعرفة أسراره إلى أن برع فيه.
وبعد فترة من ممارسة هواية الخط، حاول الخطاط الأردني تطوير أدواته، فاستغل سفره إلى إسطنبول لتعلم اللغة التركية وتطوير قدراته، فتردد على زوايا تعليم الخط العربي لما لها من شهرة ومهارة كبيرتين هناك.
واعتبر مرعي في حوار خاص مع الجزيرة نت، أن كأس العالم قطر 2022 فرصة تاريخية ليتعرف العالم على الثقافة العربية وجمال الخط العربي، مشيرا إلى أن دولة قطر اهتمت بالهوية العربية والخط العربي والرموز العربية اهتماما وافرا، وأن الفنون بتعدد أشكالها أداة مهمة للتواصل مع الشعوب الأخرى.
وفيما يلي نص الحوار:
-
متى بدأت هواية الخط بالنسبة لك؟
نشأت في قرية بسيطة في الأردن، كان هناك بعض المهتمين بالخط العربي، وكانت الكتابات بالمساجد تلفت نظري منذ صغري، وكنت أتخيل أن الملائكة طارت بأجنحتها وكتبتها في السقف، كنت أنبهر بالخط العربي ويجذبني، وعندما ذهبت للمدرسة في المدينة كان فيها مدرس خط متخصص، فعمل على تطوير مهاراتي في الخط، وفي الجامعة الأردنية التحقت بعمادة شؤون الطلاب وصرت ناشطا في المرسم فتطورت مهاراتي. أدوات الخط العربي بسيطة وأصيلة، أجدادنا العرب هم الذين طوروا الحبر والأقلام والورق.
كان حالي حال أي أحد في المجال الحرفي أنشغل بالمجال الطبي، وهواياتي في الرسم والتطريز والأعمال اليدوية وخاصة الخط أطورها باستمرار.
-
ماذا يعني الخط العربي بالنسبة لك؟
عندما مرضت بالسرطان ولم أستطع ممارسة أي هواية ومنعت من الكلام، لأن السرطان كان يؤثر على النطق ومنعت من إدخال أي مادة سائلة.. إلا أن الورقة والقلم كانا حاضرين معي، فأصبح كل من يحبني ويريد إسعادي ويعودني بالمستشفى يحضر لي كراسات وأقلاما.
-
هل درست الخط أم كان هواية فقط؟
بعد التخرج من الجامعة انتقلت إلى تركيا لتعلم اللغة التركية واستهواني الخط و”المدرسة”، فكنت إلى جانب تعلم اللغة ومساعدتي للاجئين السوريين في المخيمات، أتردد على زوايا لتعليم الخط العربي القائمة على المدرسة الصوفية، كانوا ينقلون التاريخ في حالة شعورية كاملة، وكانت هذه الزيارات تفرج عني الكثير من الضغوط، فزاوية الخط ملجأ، وفي قونيا بالذات تطورت كثيرا.
وعندما رجعت إلى الأردن بحثت عن أفضل خطاط، فوجدت الأستاذ مهنا العبيدلي، وهو أستاذي الذي تعلمت على يديه خط الرقعة والديواني والثلث والثلث الجلي والخط المدني.
-
ما الصعوبات التي واجهتها في هذا المجال؟
محدودية المصادر في التعليم في الأوراق، فلا توجد نهضة فنية تساعد في التعليم، فنحن بلد غير مصنع للأدوات، وفي السوق العربي نادر من يقدرون الخط العربي، هذه مشكلة تواجهك عندما تريد أن تروّج عملك كخطاط، وقمت بعمل مشروعي الخاص “مداد” الذي ينتج لوحات الخط العربي بمواد طبيعية نصنعها في مشغلنا من مثل العسل والصمغ العربي، الذي يستخرج من الشجر والمشمش وغيرها من المواد.
حتى نخرج لوحة، نهتم بكل تفاصيلها حتى تخرج مخطوطة تشبه المخطوطات القديمة التي وصلتنا منذ آلاف السنين، لأنها كانت تكتب بالمواد الطبيعية، فالمصاحف كتبت منذ 1200 عام وما زالت سليمة، واللوحة تحافظ على رونقها كأنها (رسمت) الآن، هذه القيمة لا تُدرك تفاصيلُها في المنطقة العربية وكأن الكثير من العرب غير مدركين قيمة هذا الأمر، قد تتغير الأمور مع إدراج الخط العربي باليونيسكو.
-
ما الأدوات التي تستخدمها في لوحاتك؟
أقصاب طبيعية متعددة المنابت، لكل قصب استخدام، وأوراق من القطن والصوف والكتان وورق الورد، وهذه المواد على بساطتها تنتج عملا يبقى دهرا ويحافظ على جماله ورونقه.
-
لماذا يقبل الناس على اللوحات المكتوبة بالخط العربي؟
الذي يجعل الناس يقبلون على لوحاتي هو أنها متميزة، نحن في مشروع “مداد” لا نخرج أعمالا مسبقة الصنع، نكتب العمل بحسب الطلب، والناس تحب أن تعبر عن مشاعرها بشكل مختلف، وفي كثير من الأحيان الشخص يبحث عن هدية جديدة ومختلفة للتعبير عن مشاعره، كنت أعمل في المجال الطبي والتحقت بالكثير من المنظمات الدولية وكنت أهدي أصدقائي الذين تزوجوا أو رزقوا بمولود عبارات مكتوبة بطريقة جميلة، تكون الهدية خاصة من صنع يدي وتكون مشاعرها جميلة، لأنها شيء شخصي لهم ويعبر عنهم ويضعونه في البيت بشكل مركزي يشعر المتلقي بأن اللوحة روح وتعبر عنه، هذا الذي جعلنا متميزين.
ما يميزنا فكرة منفردة تجمع بين الخط العربي وفن الحروفيات، إذ رسمنا خرائط الدول والوجوه بالكلمات بالخط العربي، وهذا أسلوب حديث وليس حروفا عشوائية وإنما كلمات مرتبة تشكل في النهاية لوحة فنية قيمة وفريدة من نوعها. كما أدخلنا التقنية من خلال إدخال الفيديو ليشاهد صاحب اللوحة ما احتوته لوحته.
-
حدثنا عن مشاركاتك الخارجية؟
شاركت في نابلس ومدن فلسطينية مختلفة، ومتحف الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، كتبت عددا من قصائده داخل خرائط فلسطين، وشاركت في ملتقى فلسطينيي الخارج الذي يضم أكثر من ألف شخص هذا العام، وشاركت مشاركات محلية عديدة في كل محافظات المملكة الأردنية الهاشمية، كما شاركت في كل المعارض الإلكترونية التي انطلقت وازدهرت في فترة كورونا.
-
قطر تستضيف حاليا كأس العالم لكرة القدم، ماذا يعني ذلك لك؟
قطر من الدول التي اهتمت بالهوية العربية والخط العربي والرموز العربية اهتماما وافرا، وأدخلتها في المعمار وفي مجالات عديدة، حيث ترى هوية عربية لمدينة عصرية وحديثة في الدوحة خاصة وفي دولة قطر عامة، وكأس العالم فرصة ذهبية لتعريف العالم بثقافتنا العربية وفنوننا العربية.
الفنون بتعدد أشكالها مسموعة كالغناء والموسيقى، أو مقروءة كالشعر والقصة والرواية، أو الفن المرئي، تشكل أهم عوامل الحوار مع الآخر، فلا يوجد خط في أي لغة عالمية يشكل هذه المشاهد العالمية، أو يكون في تشكيلات ثقيلة مركبة من الحروف في المعمار وغيره من الأمور، كما الخط العربي.
-
حدثنا عن ملابسات وظروف اعتقالكم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي؟
الاحتلال يمارس الاعتقال الإداري، توقيف من دون تهمة بسبب الخوف الشديد من أي شيء يهددهم. كنت أفكر حتى نهاية عام 2019 أن أنقل عملي إلى نابلس لأني أحمل الهوية الفلسطينية، وكنت أزور العديد من البلدات لأتعرف على فلسطين من الشمال إلى الجنوب، وأتجاوز الحواجز، ولفت نظري وجود قبور عديدة لشهداء عرب من الأردن واليمن وغيرها من الدول العربية، وجمعت ما قدرت أن أجمعه مما كان يعرف بجيش الإنقاذ، وأجريت بحثا وخلصت إلى أسماء 1200 شهيد من الرتب العسكرية من مختلف المناطق، وكنت أصور شواهد القبور واستمع إلى الروايات الشعبية، إلى أن اعتقلني الاحتلال في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 عند جسر الملك حسين، وصادر هاتفي بتهمة التحريض على العنف، لأنه لا يريد أي مثال لشاب متمسك بقضيته وجاد في الحياة ويهاجر هجرة عكسية من دول أخرى إلى فلسطين، وأنا أؤمن أن فلسطين بلادنا ولن يسكنها غيرنا ولكنهم أبعدوني إلى الأردن بعد مطالبة الحكومة الأردنية بالإفراج عني، وما زلت في الأردن على حدود فلسطين، وسنظل نؤمن بقضيتنا فلسطين إلى أن نرجع إليها محررة ذات يوم.