وكالات : كواليس
تدرس منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” (UNESCO) ترشيحات جديدة من عدة بلدان لإدراج فنون ثقافية غير مادية على قائمة التراث العالمي، وذلك خلال الاجتماع الـ17 للجنة المعنية بالمنظمة، الذي افتتح أمس الاثنين بالعاصمة المغربية الرباط.
تضم القائمة 56 ملفا، بينها 4 تستدعي إجراءات عاجلة لصونها من الاندثار، مثل فن الخزف الخاص بقومية شام في فيتنام، حسبما أوضحت المنظمة.
كما تضم عدة ترشيحات من بلدان عربية مثل موسيقى الراي الجزائرية، وصلصة “الهريسة” الحارة التونسية، والخنجر العماني، والمواقع التراثية “لمسار رحلة العائلة المقدسة” في مصر. في حين تقدمت إيران وسوريا بملف مشترك حول “فن صناعة الأعواد والعزف عليها”.
ترشيحات عربية
في بدايات القرن الماضي، لم يكن من تعبير فني بمنطقة الشرق المغربي والغرب الجزائري أكثر شهرة من الأغنية البدوية، التي اعتمدت على نصوص الملحون، وكان يطلق على رواد هذه الأغنية الشيوخ، لكن هل كان هؤلاء الشيوخ يتوقعون أن المواويل التي أطربوا بها القبيلة ستكون سببا في ولادة الراي؟
الباحث في التراث والفن ميمون الراكب قال للجزيرة نت، في تقرير سابق، إن الأغنية البدوية المتأثرة بنصوص الملحون ظلت حبيسة القبيلة كتعبير عن الذات وعما يخالجها في إطار النظام القبلي.
لكن الفنان عندما انتقل إلى الحياة المدنية وجد نفسه من دون حماية القبيلة، ومضطرا للتعبير عن مكنونات نفسه، ومن هنا استمد فن الراي اسمه، بحيث كان تعبيرا عن الذات وشكلا من أشكال مناجاتها، أو كما يقول الراكب الراي هو تعبير الإنسان البدوي بلغة المدينة.
وسبق أن تقدمت الجزائر بطلب رسمي إلى منظمة اليونسكو لتسجيل الراي موروثا وطنيا خالصا للجزائريين، وتقدمت جمعية “وجدة فنون” المنظمة لمهرجان الراي بمدينة وجدة شرقي المغرب أيضا بطلب لتسجيله تراثا مغربيا.
وقال سفير المغرب لدى اليونسكو سمير الدهار -الذي يرأس الدورة في تصريح صحفي أمس الاثنين- “كنا نأمل تقديم ملف مشترك حول فن الراي الجزائري الذي يوجد أيضا في المغرب” لولا القطيعة الدبلوماسية بين البلدين.
وأضاف “نتمنى من الله أن نقدم ملفات مشتركة حينما تتحسن الظروف في يوم من الأيام”، مؤكدا أن فلسفة اتفاقية الأمم المتحدة لصون التراث غير المادي تتمثل في “التقريب بين الناس والثقافات”.
وغربا من موطن الراي، سبق أن قدمت تونس ملفا لإدراج الهريسة في قائمة التراث العالمي للبشرية، فهي تعد من أهم البهارات الرئيسية في المطبخ التونسي نظرا لقيمتها ورمزيتها التاريخية وقيمتها الغذائية، وهي مرشحة هذا الأسبوع لتنضم أخيرا للقائمة الأممية.
وعلى قائمة الترشيحات كذلك “مسار العائلة المقدسة” في مصر الممتد على مسافة تناهز ألفي كيلومتر من سيناء إلى الصعيد، مرورا بخمسة وعشرين موقعا يعتقد أنها المسار الذي قطعته السيدة مريم وطفلها ونجار مسن على حمار أنهكه طول السفر في الرحلة التي استمرت لعامين و6 أشهر و10 أيام.
هكذا جاءت السيدة مريم وابنها المسيح عليه الصلاة والسلام إلى أرض مصر هربا من بطش “هيرودس” المستبد، الذي أمر بذبح الرضع في بيت لحم ممن ولدوا بالتزامن مع ميلاد المسيح.
ومن الجزيرة العربية ينضم الخنجر العُماني لقائمة الترشيحات، فهو يعد من سمات الزي والثقافة العُمانية، ويرمز للانتماء والرجولة والتقاليد العريقة، وتتم زخرفته بالفضة ومعادن نفيسة، ويستقر مشدودا إلى وسط الرجال بحزام مزخرف من الجلد المزين، وتعرف سلطنة عُمان أنواعا من الخناجر، أبرزها السعيدي والشمالي والساحلي والصوري.
تراث غير مادي
سيبدأ الإعلان عن الملفات التي يتم قبولها ابتداء من اليوم الثلاثاء وحتى السبت المقبل، على حساب اليونسكو على تويتر.
ولتفادي إثارة أي لغط، تؤكد المنظمة أن الهدف يكمن أساسا في الاحتفاء بالتقاليد والممارسات والمهارات وصونها من الاندثار.
وأوضحت، على سبيل المثال، أن تسجيل الرغيف الفرنسي تراثا عالميا غير مادي لا يعني أن الرغيف في حد ذاته هو المعني بالحفظ، “وإنما المهارات التقليدية والثقافة المحيطة بصناعته”.
الأمر نفسه بالنسبة لشراب الروم الكوبي، حيث سيتم الاحتفاء بصناعته وليس بالمشروب في حد ذاته.
وتشمل القائمة عناصر ثقافية من مختلف أنحاء العالم مثل تقاليد الشاي الأذربيجاني التركي، وتقنيات تقطير خمر “سيلفوفيتز” من كحول الخوخ في صربيا.
وقال إرنستو أوتون نائب المدير العام للثقافة في اليونسكو لوكالة الصحافة الفرنسية إن الأمر “يتعلق بتراث حيّ تمثله المجتمعات المعنية بالحفاظ عليه خلافا للتراث المادي”، ويمكن أن يوجد في أكثر من بلد.
وسبق للمنظمة أن سجلت فنونا ثقافية من هذا النوع، مثل طبق الكسكس الشهير في المغرب العربي، بعد ترشيح مشترك للجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس في العام 2020.
التراث المعرض للخطر
وفي سياق متصل، أوصت لجنة تابعة للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء بإدراج الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا موقعا للتراث العالمي “معرضا للخطر”، وقالت إن أكبر نظام بيئي للشعاب المرجانية في العالم تأثر بشكل كبير بتغير المناخ وارتفاع درجة حرارة المحيطات.
وفي العام الماضي، تفادت أستراليا إدراج الشعاب المرجانية ضمن مواقع التراث المعرضة للخطر بعد ضغوط مكثفة من الحكومة السابقة دفعت اليونسكو إلى تأجيل اتخاذ قرار إلى هذا العام.
وضغطت أستراليا لسنوات لإبقاء الشعاب المرجانية -التي تسهم بنحو 6.4 مليارات دولار أسترالي (4.3 مليارات دولار أميركي) في الاقتصاد- خارج قائمة المواقع المهددة بالانقراض، لأن هذا قد يؤدي إلى فقدان مكانتها التراثية، وهو ما يقلل من جاذبيتها للسياح.
وقال تقرير صادر عن باحثين من منظمة اليونسكو، زاروا الشعاب المرجانية في مارس/آذار الماضي، إن “قدرة الشعاب المرجانية على التعافي من آثار تغير المناخ معرضة لخطر كبير”.