مفردة متعبة..
فقد أتعبت النحويين تعباً شديداً..
هي وأختها (حتى)..
وأتعبتني أنا إذ ألجأ إليها للمرة الثانية تحذيراً لمن يستحق التحذير..
وأقول له – ولثاني مرة أيضاً – إياك..
وسيبويه يقول عنها: إيَّا هو اسمٌ مضاف إلى الكاف… وكذلك يقول الخليل..
وقال الكوفيون: إياك ضمير منفصل بكمالها..
والأخفش يقول: لا موضع للكاف في إياك… فالمضاف لا يكون إلا نكرة..
بمعنى أنها كلمة واحدة..
وقال آخرون – غيرهم – كلاماً كثيراً في مفردة إياك هذه..
وقال الشاعر: إياك أعني فاسمعي يا جارة..
ومغزى بيت الشعر هذا معروف… وقائله هو سهل بن مالك الفزاري..
وله قصةٌ ليس هذا مكانها..
وكلمة إياك هذه – سواء كانت مركبة أم بسيطة – لها معنيان..
فهي تستخدم كتحذير… أو كضمير..
ولكن بعض أهل دنقلا – وحلفا – لهم استعمالٌ لها ربما يتضمن المعنيين..
وقد يأتي في مبتدأ الجملة… أو في منتهاها..
كأن يقول أحدهم (إياك تكون فاكر أن الموضوع كده)..
أو (تكنش فاكر أن الموضوع كده إياك؟)..
والاستخدام الأخير هذا يجيء في صيغة سؤال… بيد أنه لا ينتظر جواباً..
بمعنى أنه سؤال استنكاري… لا إجابة عنه..
والاستعمال الأخير هذا هو الذي قصده حكم مباراتنا تلك بحلفا..
فقد كانت مباراة مصيرية لنا..
فإما أن ننتصر وننافس على كأسٍ ولائية..
وإما أن ننهزم فيصبح تاريخنا كله بلا كؤوس خارجية… كما هلال السودان..
والفريق المنافس كان هو عقدتنا بحلفا..
مثل عقدة الأهلي المصري للمريخ… لا يستطيع إماطة أذاه عن طريقه..
فرأى نفرٌ من إداريي فريقنا ضرورة التحايل..
أو اللجوء إلى مثل ما يلجأ إليه أهلي مصر هذا – بالذات – من أساليب..
وهي أساليب – للعلم – اعترف بها أحدهم..
أو شهد بها شاهدٌ منهم…… وكانت على الهواء..
وتتمثل في الجلوس مع الحكم قبل اللقاء..
وجلس إداريونا هؤلاء مع حكم لقائنا… قبل اللقاء… واتفقوا معه..
ولحُسن حظهم أنه كان لمنافسنا كارهاً..
وطلب منهم تبليغنا أن كل المطلوب منا (رمي جتتنا) في منطقة الجزاء..
والباقي عليه هو… بعد أن نؤدي ما علينا..
ولكن (ما علينا) هذا نفسه لم نقدر عليه… (فجتتنا) استعصى عليها الاختراق..
اختراق الدفاع… وصولاً لمنطقة (الأماني العذبة)..
وبدلاً من (عذب) الأماني (تعذَّب) الحكم معنا… و(عذَّب) منافسينا..
فقد أحرزوا ثلاثة أهداف لم يحتسب أياً منها..
وكانت حجته جاهزة أمام ثورة منافسينا في كل مرة؛ تسلل..
رغم أنه تسللٌ لا يحتسبه حكم الراية..
ومن تسلل أوضح من لمعان صلعة حكمنا هذا بفعل أشعة الشمس فعلناها..
أو فعلها واحدٌ منا… من مهاجمينا..
فانطلقت الصافرة تُعلن عن هدفٍ لنا حتى قبل أن تستقر الكرة في الشباك..
وطفق الواحد منا هذا يقفز كما المجنون..
يقفز…. ويجري…. ويصرخ… ونحن من خلفه نعجز عن الإمساك به..
وحين هدأ كل شيء – أخيراً – اقترب منه الحكم..
وهمس في أذنه – وآذاننا تسمع – (تكنش مصدق نفسك جبت قون إياك؟)..
فهمد صاحبنا… وسكن… وخجل..
ولكن هنالك من يسرق ما ليس له؛ ثم لا يخجل… ولا يسكن… ولا يهمد..
يسرق من حالة تسلل أوضح من لمعان صلعة حكمنا..
ويحرز هدفاً في شباك الشعب… والوطن… ثم يقفز – فرحاً – على الكرسي..
يُلقي (بجتته) على وثير المقاعد..
وحين يُنقض هدفه هذا يكاد يجن غضباً..
فنقض الهدف يعني فقدان فرصة البقاء في المُنافسة؛ وعلى الكرسي..
ويسعى جاهداً إلى (التسلل) من الرواقين الجانبيين..
وعندما يُفضح تسلله هذا لا يبقى أمامه سوى محاولة استعطاف الحكم..
الحكم ذاته الذي أخطأ في المرة السابقة..
وذلك باحتساب هدفٍ باطل بدلاً من أن يقول له مثل قول حكمنا ذاك..
بدلاً من عبارة (تكنش فاكر نفسك جبت قون إياك؟)..
والآن نحن نحذر الحكم هذا من تكرار غلطته على حساب نزاهة البطولة..
ولو رموا (بجتتهم) في منطقة الجزاء..
ثم (لقحوها) على كراسي (أمانٍ عذبة تتراقص حيالهم)..
ونهمس في أذنه… وللمرة الثانية..
وقد تكون الأخيرة:
إيــــاك!.