تقرير خاص (كواليس)
تستعد العاصمة السودانية الخرطوم اليوم لإستقبال الزعيم الديني والسياسي مولانا محمد عثمان الميرغني، العائد من منفاه الإختياري في مصر، وسط إنقسام حاد في حزبه (الإتحادي الديمقراطي)، يقوده اولاده محمد الحسن، وجعفر، والأشقاء كل منهم يعتبر تيار داخل الحزب متناقض عن الاخر بشأن موقفيهما من الأزمة السياسية في السودان، الأمر الذي قد يقلل من تأثير عودة الأب المسن، في الأوضاع الحالية بالبلاد.
ويقف محمد الحسن، الذي يحمل صفة نائب رئيس الحزب، مع العملية السياسية ويؤيد موقف تحالف «الحرية والتغيير»، بينما يساند جعفر، الذي هو أيضاً نائب لرئيس الحزب، المعسكر المنايء والأقرب للإسلاميين في تحالف «نداء أهل السودان».
ويتزعم والدهما، محمد عثمان الميرغني، طائفة «الختمية» الدينية الكبيرة، بموازاة طائفة «الأنصار» التي يقودها آل المهدي، وهما أكبر طائفتين دينيتين في البلاد، وتتزعمان أكبر حزبين تقليديين هما «الاتحادي الديمقراطي» و«الأمة القومي»، وحصلا على أكبر عدد من الأصوات والمقاعد البرلمانية في آخر انتخابات ديمقراطية شهدتها البلاد في 1985 قبل ثورة الإنقاذ.
وكان الميرغني، التسعيني الذي ظل مقيماً في مصر منذ أكثر من ثلاثة عقود، قد أعلن في تسجيل مصور قرب عودته إلى البلاد، مؤكداً مساندته لنجله جعفر بإعتباره نائبه الأول، وتفويضه في حسم التفلتات في الحزب.
وفي الوقت ذاته أعلن توجهاً سياسياً وصف فيه العملية السياسية الجارية بين تحالف «الحرية والتغيير» وقيادة الجيش بأنها «خطوات مستعجلة من أجل الوصول للحلول قبل وقتها»، وحذر من أن تكون «مفسدة وضرراً كبيراً»، وأن تقود البلاد لـ«تعقيد المشهد السياسي».
واعتبر مراقبون عودة الميرغني دعماً للتيار المؤيد للعسكريين في حزبه، ومحاولة منه لقطع الطريق على محاولات نجله الحسن الذي وقع الإعلان السياسي للمعارضة، الذي يهيء الأوضاع لمفاوضات ينتظر أن تقود إلى إتفاق يقضي بتسليم العسكريين السلطة للمدنيين، وفقاً لمشروع الدستور المقدم من نقابة المحامين واعتمدته المعارضة ووافق عليه المكون العسكري، ودعمه المجتمع الدولي والإقليمي كأساس للحل.
بينما تجري اإاستعدادات بحماسة لإستقبال الرجل، بين مؤيدي الطائفة المنتشرين بشكل خاص في شرق وشمال البلاد وبعض أنحاء الوسط، سارع نجله الحسن – رغم رفض والده الضمني لمواقفه – إلى الدعوة لإستقباله في بيان رسمي وزعه ووجه خلاله أمناء التنظيم في أنحاء البلاد كافة ل لإستقباله نهار اليوم الإثنين – وأعلن بصفته نائباً لرئيس الحزب ورئيس قطاع التنظيم أنه كوَّن «لجنة» للتواصل مع السلطات في الخرطوم لتسهيل سير الموكب وحفظ الأمن.
وقال وزير الإعلام السابق في حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك – فيصل محمد صالح إن الحزب الإتحادي الديمقراطي يعد أحد الأرقام المهمة في الحياة السياسية السودانية، لكنه تأثر بالإنشقاقات التي أضعفت تأثيره، لا سيما انها دخلت هذه المرة «بيت الميرغني» نفسه، بين نجليه الحسن وجعفر.
وأوضح صالح: «هذه المرة إتخذ نجله الحسن موقفاً قريباً من المجلس المركزي لتحالف قوى إعلان (الحرية والتغيير)، ووقع على الإعلان السياسي ومشروع الدستور الإنتقالي، وبالتالي أصبح طرفاً في الإتفاق المقبل، بينما إتجه إبنه الآخر جعفر، بدعم من والده، للتحالف مع مجموعة التوافق الوطني القريبة من العسكريين».
ورجح صالح أن يؤدي صراع الأخوين لإنشقاق آخر كبير في الحزب «من القمة للقاعدة»، وأن يلحق ضرراً كبيراً به، قائلاً إن «غياب الميرغني الطويل عن السودان والمشهد السياسي أضعف تأثيره عما كان عليه في السابق».
وأشار إلى إنقسام «التجمع الإتحادي» – عن الحزب، وانخراط كوادر الحزب الشبابية والطلابية فيه، مضيفاً: «لم يبق للحزب الإتحادي الأصل سوى شباب الطريقة الختمية».
وتوقع صالح أن لا تؤثر عودة الرجل كثيراً في المجريات السياسية الحالية، مرجحاً أن يصبح الميرغني مطية تستغلها رموز النظام القديم وحلفاؤه، فيما يعرف بـ«تجمع نداء أهل السودان»،
مضيفاً أن «أحداثاً كثيرة مرت على الساحة السياسية لم يسهم فيها الميرغني شخصياً ولا حزبه، ولم يلعب أي دور نشط فيها مثل بقية الأحزاب الموجودة في الساحة»، ما سيحسب عليه ويؤدي لتناقص تأثيره.
وتابع صالح: «التيارات المناوئة (للحرية والتغيير) وقوى الثورة الأخرى، ستستغل عودة الميرغني، وأظنها ستشارك في استقباله الذي ربما يكون مهرجاناً كبيراً. لكنني أظن أن هذا التأثير سيضعف في وقت قريب خلال الأيام المقبلة، ولا أظن أن حضور الميرغني سيكون له تأثير كبير في الأحداث السياسية».
وذكر المتحدث بإسم تحالف الوفاق الوطني جمعة الوكيل – ان الحزب الإتحادي الديمقراطي أحد الأطراف الفاعلة في التحالف، ونعول على عودة (الميرغني) في إعادة توزانات الساحة السياسية السودان نسبة لما يمتلك الحزب من إمكانيات وقدرات لإنهاء الأزمة السياسية التي يمر بها السودان.
وأشار الوكيل – إلى ان مجموعة التوافق الوطني قامت بوضع وثيقة سياسية وترتيبات دستورية طورتها لجسم أكبر حمل اسم (الكتلة الديمقراطية) من الأطراف المؤثرين فيها الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل.
ويشير عضو المكتب السياسي الإتحادي (الأصل) – عمر خلف الله في حديث لصحيفة (كواليس) إلى مايحظى به (الميرغني) من تأييد ودعم داخلي قادر على إحداث تغيير في مستقبل العملية السياسية في البلاد بناءً على وثائق سياسية واتفاقيات منها (اتفاقية الميرغني، قرنق).
كاشفاً عن ترتيبات يعكف عليها الحزب لجمع الصف الوطني لأنهاء أزمة الإحتقان السياسي والعبور بالمرحلة الإنتقالية وصولاً للانتخابات.