اطلعت بحسرة على التحقيق القيم الذى اجرته الزميلة حوازم مقدم ، ونشرته صحيفة الجريدة الغراء ، حول فوضى تجارة السلع منتهية الصلاحية والذى اوضح مدى الانحطاط الذى فرض علينا بفعل السياسات الاقتصادية القاسية التى طبقت علينا دون رحمة ، فذبحت كرامتنا وعزتنا أمام ضغط الحاجة و قلة الحيلة الذى اوصلنا حد المرونة ، فصرنا ندوس كرامتنا دوس من اجل لقمة عيش أو وجبة تسد رمق ابنائنا ، فصار لا يفرق معنا ان ناكل ونشترى سلعا منتهية الصلاحية فحسب ، بل تم انشأت لها اسواقا نساق اليها بسياط الحاجة ، وتداس فيها الصحة العامة دوس ، فلا غرو ان تساوى امامنا الموت الان أو غدا ، فهو مصير محتوم لبشر اصابهم اليأس حتى من وجود ضوء فى نهاية النفق والعياذ بالله ..
قالت حوازم ، (حنان وفاطمة).. جاراتنا بالحي كنَّ على عجالة من أمرهن وهن يتحدثن إلى والدتي عن سوق (بروس) وعن رخص أسعاره في ظل الظروف الطاحنة التي يعيشها المواطن، نادتني أمي لسماع حديثهن عن هذه الأسعار وطلبت مني مرافقتهن بحثاً عن الأرخص كحال كل ربات البيوت وربان سفينة الأسرة.
فاطمة قالت إن زوجها أعطاها ثلاثة آلاف للتبضع، رسمتُ استفهام بيني وبين نفسي هل ثلاثة آلاف ستكفي في مثل هذه الظروف، لكنه قالت لي إنها ستكفي وبالمواصلات، وكأنما سمعت حديثي السري بيني وبين نفسي فاسقني الفضول وذهبت معهن نحو السوق، علمت منهن أن سبب استعجالهن هو أن السوق (بيقفل) أبوابه عند الثانية عشر ظهراً، لاحظت أن السوق عبارة عن شارع طويل وأن هناك بيوت يمين وشمال شارع السوق، وأن الفريشة يدفعون أموالاً مقابل وجودهم أمام هذه البيوت.
وببروس الكرتة بالكيمان وجدت كيمان مختلفة من الأطعمة الجاهزة مثل: (الطعمية، البيتزا، الفراخ، السامبكسة وغيرها من الفطائر) هذا ما استطعت تمييزه داخل الكوم، على جانب آخر وجدت هذه الأصناف ذاتها لكنها (مقضومة) أي مأكول منها بمعنى آخر (مكجومة)، سألت البائعة بكم الكوم السليم وبكم الكوم المقضوم؟ فأجابتني بأن كوّم الفراخ غير المقضوم (500-700) جنيه، بحسب قطعة لحمة الدجاج، فالصدور ليست كالأوراك والأجنحة ليست كالاثنين، أما المقضومة فحسب حالة العظم أن كان مأكول خالص وأصبح عظم أو أن كان به بقايا لحم ويتفاوت هو الآخر بين (200-300)، أما الكوم المشكَّل من جملة مذكر يتراوح بين (1000-1200).
علما بان الكرتة تأتيهم من جهات عديدة مثل: كرتة الفنادق وكرتة الصالات وبعض مطاعم الخرطوم الفخمة، أما عن أسعارها تتفاوت حسب المورد لها من هذه الجهات، فإن كان جالبها طباخ سعره ليس كعامل النظافة وهو الآخر ليس كالمتسوِّل وأيضاً ليس كأولاد البراميل وهذه الشريحة الأقل في سعر طعامها، أما عن استلامها فغالباً في الصباح الباكر، المعلبات والمشروبات العصائر المستوردة والأسعار (الحنينة) السعودي والإماراتي وحتى التركي بائعها هكذا يتغنى، وينادي زبائنه من باب الاستطلاع أمسكت بعلبة عصير جذبني شكلها و(قلبتها) لأعرف تاريخ صلاحيتها وبلد المنشأ عصير (أورنجا) السعودي الفاخر بعلبته الحديدية وصناعته السعودية فقط على (1500) ومنها العصائر التركية السائلة، المفاجأة كانت في تاريخ الصلاحية فبعضها مدوَّن منذ العام (2020) وبعضها يزيد .
قال احد التجار بان مصادر هذه البشاعة غالبا من أصحاب (السوبر ماركت) الكبيرة بعد أن تنتهي مدتها نأخذها بسعر بسيط وتبيعها أيضاً بسعر بسيط الإندومي بالجردل في رحلتي داخل السوق، وجدت إقبالاً كبيراً من النساء لشراء أكلة الأطفال الأولى والمعروفة (بالاندومي) تباع بالجرادل، على غير المعتاد ففي الدكاكين والبقالات تباع (مظرَّفة) في أكياس وفِي بروس تباع بجرادل بواقع (700) للجردل . الكريمات هي الأخرى -أيضاً- حاضرة وأيضاً وعلمت من بعض أصحابها أن أصحاب البواتيك (الصغيرة) من الذين يعدون (خلطات) التفتيح والمعروفة لدى النساء والشابات بخلجات (الجلخ) يشترون هذه الكريمات منتهية الصلاحية ويتم خلطها لتباع الخلطة بسعر (2000-2500)، أيضاً رأينا حبوب (التسمين) بأنواع متعددة وبصور مرسوم فيها أجسام سيدات ممتلئة وجاذبة وبأسعار تبدأ من (200) جنيه، وتنتهي في (1000) أيضاً منتهية الصلاحية شركات الدقيق الكبرى وجدت -أيضاً- بكتات من دقيق (الأسترالي) كما نسميه نحن في السودان وبكتات دقيق الذرة منتهية الصلاحية يباع الكيلو منها (300) جنيه، فقط، مقارنة مع سعر الجديد منه، وعلمت من بائعته أن روادها أصحاب المطاعم الشعبية وبائعات المأكولات البلدية من كسرة وعصيدة وفطيرة بالرائب، وقالت لي: إن أسعارها أرخص مقارنة مع أسعار السلع الجديدة والحديثة في تاريخ إنتاجها . المنظفات حاضرة -أيضاً- في جولتي شاهدت كل أنواع الصابون والمنظفات لكني انتبهت إلى أن الصابون غير معبأ في أكياس كصابون البدرة وفِي قوالب بلاستيكية كالصابون السائل ويتم بيعه بالوزن بأسعار -أيضاً- زهيدة وهي عبوات تقديرية ليست بمعيار ووزن ثابت، مالفت انتباهي سعر منظفات المراحيض والسيراميك، حيث أن سعر الفلاش (300) مع أن سعره في البقالات فوق الـ (1000) جنيه .
حسن الأمين مواطن من منطقة دار النعيم بمايو يعمل ترزي بسوق ستة بمايو -أيضاً- قال لي إنه يأتي صباحاً ليتسوَّق في بروس، ويذهب محمَّل بالمحمَّر والمقمَّر من الفراخ والبيتزا، وقال لي: إن (بروس) جعل المستحيل ممكناً بعد ارتفاع أسعار الفراخ وأصبحوا يأكلونها من بروس مناصفة مع أصحاب المال أخيراً، هناك تجد كل شيء منتهي الصلاحية، أحذية قديمة بالية ملابس مستعملة حتى العدة والأدوات المنزلية (صحن، حلة، كورة وغطاء حلة)، كله -أيضاً- منتهي الصلاحية وقديماً بالي، سألت العم حسن، ألا تخشى السرطان وغيره من أمراض فتاكة عقب تناول هذه السلع؟ فأجابني: (نحن أصلاً ميتون).
بعد اخير :
تابعت خبر احتفالات وزارة الصحة الاتحادية بتوزيع اكثر من 25 من البكاسى الجديدة على خلفية تسونامى احد المؤتمرات التى يتم تنفيذها حاليا باروقة الوزارة مصحوبا بصيونات الفرح وفرق الطرب والهجيج ، واكثر من (13) جهة مسؤولة عن الرقابة على صحة وسلامة الغذاء بسودان العجائب ، لم يفتح الله عليها جميعها باب ان تغبر ارجلها فى توعية الناس باهمية عدم تناول الاغذية منتهية الصلاحية، أو حتى ان تعمل مؤتمر صحفى ساااى لابداء قلقها من تنامى وتمدد اسواق بيع البروس للناس ، أو حتى ان تصدر بيانات الطلس المعلوم عن مخاطرها ولا مانع ان تذكرنا بعدد الحالات الجديدة من الاصابة بالسرطان ..
بعد تانى :
ما قادر أكتب حاجة والله العظيم …
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين
18 نوفمبر 2022م
musapbrear@gmail.com