وكالات : كواليس
اختلف خبراء حول مدى تأثير الإغلاقات الناتجة عن سياسة صفر كوفيد التي تتبعها الصين حاليا، على اقتصادات الشركات الكبرى وخاصة الأميركية والأوربية التي توجد مصانعها على الأراضي الصينية، فمن الخبراء من وجد الإغلاق يمثل خطورة كبيرة على سلاسل الإمداد الصناعية في العالم، ومنهم من قلل من حجم تلك المخاطر.
– يوم الأربعاء أعلنت المنطقة الاقتصادية لمطار تشنغتشو في وسط الصين تطبيقا لسياسة صفر كوفيد، أنها ستفرض مجددا إجراءات بأثر فوري بما يشمل منع كل السكان من الخروج ولن تسمح إلا للمركبات المصرح لها بالتحرك على الطرق، وإغلاق مصنع تابع لشركة فوكسكون لهواتف آيفون الأميركية، وأن تلك القيود ستظل مفروضة حتى التاسع من نوفمبر.
– فوكسكون هو أكبر مصنع لهواتف آيفون، إذ ينتج 70 بالمئة من الشحنات العالمية، وينتج أغلبها من مصنع تشنغتشو الذي يعمل به نحو 200 ألف موظف وعامل. ولدى الشركة مواقع إنتاج أخرى أصغر في الهند وجنوب الصين.
– هذا الإغلاق دفع مراقبين للتحذير من مخاطر تتعلق بمستقبل الاقتصاد العالمي في حال استمرار الاعتماد على قطاع التصنيع بالصين، خاصة في ظل وجود مخاوف من أن تكون تلك الإغلاقات في إطار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
ورقة ضغط
أستاذ التسويق العالمي واستشاري الإدارة الاستراتيجية بجامعة جورج واشنطن، صلاح حسن، قال لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن عولمة الأسواق وتأثر الاقتصادات الكبرى ببعضها البعض أمر يحدث منذ أكثر من ربع قرن، وبدأت إرهاصات تلك العولمة الاقتصادية تحديدا منذ عام 1985 وكان التمهيد لها منذ الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، عام 1972، لإدماج الصين في الاقتصاد العالمي.
وتابع أن الرؤية الأميركية في هذا الوقت كانت ترى أنه ستتم الاستفادة من الصين كسوق واعد لو انفتح على العالم، ولكن الاستفادة الأميركية كانت قصيرة الأمد لأن الصين أصبحت منافسا قويا، وتحولت المصانع الصينية إلى مصدر لتصنيع المنتجات الأميركية والأوروبية، حيث أن مختلف الدول الصناعية ركزت على الصين نظرا لرخص وتوفر العمالة الماهرة.
حسن قال إنه بالنظر إلى سياسة صفر كوفيد التي تتبعها الصين حاليا فهي بالقطع لها مردود صحي إيجابي لو كان الهدف منها فعلا محاصرة الوباء، وليس لإيجاد أعذار قاهرة لتحقيق أغراض سياسية في إطار الحرب التجارية تحقق إغلاق المصانع العالمية على أرض الصين دون تحمل بكين أية اشتراطات جزائية أو خسائر مالية.
وأوضح أن المخاطر من سياسة صفر كوفيد تتمثل في الثمن الذي ستدفعه الصناعات الأميركية والغربية من عمليات الإغلاق التي تتم لمصانعها في الصين، حيث ستتأثر صناعة السيارات الأميركية والأوروبية مثلا من نقص الرقائق الإلكترونية الواردة من تايوان بسبب سياسة صفر كوفيد الصينية، وهو ما جعل الولايات المتحدة حاليا تدشن أكبر مصنع للرقائق الإلكترونية في تاريخها بولاية تكساس.
وأوضح أن تلك المتغيرات دفعت الولايات المتحدة إلى اتباع سياسة جديدة عكس عولمة الصناعة، وهي توطين الصناعات الكبرى والاستراتيجية، حتى تنأى باقتصادها بعيدا عن المتغيرات الخارجية سواء كانت تلك المتغيرات حقيقية أم لأغراض سياسية وتنافسية.
صلاح حسن أكد في الوقت ذاته أنه ربما تكون الإغلاقات التي تنفذها الصين لها بعد استراتيجي كورقة ضغط في ضوء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن الصين لن تستطيع تنفيذ إغلاقات لأمد طويل نظرا لأن هذا يؤدي أيضا لبطء نمو الاقتصاد الصيني مثلما حدث في الإغلاق الكبير الذي تم في بداية انتشار وباء كورونا.
وشدد على أنه أي كانت الأهداف الحقيقية لسياسة صفر كوفيد الصينية فإنها ستدفع الولايات المتحدة وأوروبا للجوء للخيار الصعب وهو البحث عن بديل للصين لتدشين المصانع، وقد تكون البرازيل ومصر بديلا جيدا نظرا لتوافر العمالة الرخيصة، ولكن في ذات الوقت فإن اللعب بالأوراق الصناعية كأوراق ضغط سياسية له مردود سيء على جميع اقتصادات العالم خاصة على الأمد الطويل.
مخاطر مقبولة
فيما قال الباحث الاقتصادي، ميثم الشخص، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن المخاطر الحقيقية والمفروضة بسبب انتشار الأوبئة والأمراض والأمور التي لا دخل للأهواء السياسية فيها هي مخاطر مقبولة ومخطط لتحمل تداعياتها في الاقتصاد الصناعي على وجه الخصوص، مثل ما حدث من إغلاق مدن صناعية كاملة في بداية انتشار وباء كورونا، حيث تأثرت الدول الحاضنة لتلك المصانع والدول صاحبة تلك المصانع على حد سواء لأن الخطر كان حقيقيا عل الجميع.
وتابع أنه من المهم لتقليل تلك المخاطر وتأثيراتها أنه بعد انتهاء الإغلاق يتم تكثيف الإنتاج لتعويض التأثر الذي حدث في سلاسل الإمداد العالمي، وتعويض الخسائر، وبشكل عام فإن المخاطر مقبولة طالما هي مخاطر حقيقية.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي محمد الثامر، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن في علوم إدارة مخاطر الاستثمارات الكبرى، لا يستطيع المستثمر أن يلغي مخاطر الاستثمار بشكل كامل، حيث لا يوجد ما يسمى صفر مخاطر في عالم الاستثمار.
وتابع أنه بالنظر إلى المصانع والاستثمارات التي تأثرت بالإغلاق في الصين فإن هذه الاستثمارات مخطط لها لتعمل على مدى يصل إلى 30 عاما، وموازناتها ضخمة ومحسوب فيها المخاطر، ويتم بشكل سنوي عمل تقارير قياس للمخاطر وفي حال وجود مخاطر يتم رفع احتياطات مواجهتها.
وأشار إلى عامل آخر مهم وهو تكاليف الاستثمار، ففي حال البلدان ذات الكلفة المنخفضة للاستثمار فلا يمكن تجاهل ذلك حتى في وجود مخاطر، لأنه في حال التفكير في نقل الاستثمار لبلدان أخرى أقل في المخاطر فإن التكاليف المرتفعة قد تجعل الخسائر الاقتصادية أكبر من المخاطر التي تحدث مرة كل عشر سنوات في البلدان منخفضة التكلفة.
لماذا صفر كوفيد؟
وعن أسباب تطبيق سياسة صفر كوفيد في الصين قال الباحث في جامعة ووهان، محمد فريشح، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن طبقا لموقع ستاتيستا الإحصائي فإن الصين لديها واحد من أعلى معدلات التطعيم ضد COVID-19 في العالم، بعدد 3.4 مليار جرعة، ومع ذلك يختلف الوضع اختلافًا كبيرًا بين الفئات العمرية.
وتابع أنه على عكس العديد من المناطق الأخرى مثل اليابان وأوروبا الغربية، فإن السكان الصينيين المسنين لديهم معدل تطعيم أقل من الأجيال الشابة، ومع ارتفاع معدل الأعمار بين الصينيين حيث أن عدد من تزيد أعمارهم عن 80 عاما يتخطى 32 مليون شخص، واعتبارًا من مارس 2022 تم تطعيم حوالي نصف الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا فقط في البلاد، بينما حصل أقل من 20 بالمئة على لقاحات معززة.
وأشار إلى أن معدل التطعيم غير الكافي بين الفئات المعمرة و الأكثر ضعفًا في المجتمع يفسر جزئيًا استراتيجية صفر كوفيد”Zero COVID” في الصين، حيث يخشى الكثيرون من أن خدمة الرعاية الصحية لن تكون قادرة على التعامل مع انتشار جديد لوباء COVID-19.
وأكد أن الصين تولي أهمية كبرى للإنتاج وذلك للحفاظ على النمو الاقتصادي، حيث أن خطتها الطموحة التى جعلتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وصلت إليها بعد سنوات من العمل والصبر والانفتاح الاقتصادي على الدول.
وقال فريشح إنه مع ظهور فيروس كورونا في أواخر عام 2019 أولت الصين أهمية كبرى لمكافحة الوباء وفرضت إجراءات صارمة منها الاغلاق الكامل للمدن التى شهدت الوباء وأشهرها مدينة ووهان، ثم تم تنفيذ نفس السياسة المتبعة على مدن مختلفة منها شيان وشنغهاي أو أجزاء من مدن مثل بكين وغيرها، كل حسب حالة الوباء.
وشدد على أن سياسة الإغلاق أثرت بالسلب على المصانع والإنتاج ولكنها سرعان ما بدأت بالتعافي من جديد بعد بدء العمل بكامل قوتها، وهذا في الغالب ما سيحدث بعد انتهاء إغلاقات سياسة صفر كوفيد.