وكالات : كواليس
اعتقد مؤيدو الحزب الديمقراطي خلال انتخاباته التمهيدية قبيل الرئاسية عام 2020 أن جو بايدن هو المرشح الوحيد القادر على هزيمة دونالد ترامب، وبالفعل أنتخبه الأميركيون قبل عامين رئيسا للولايات المتحدة ليُنهي 4 سنوات مضطربة ميّزت فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.
إلا أن أداء بايدن خلال العامين الماضيين أفقده كثيرا من تأييد الديمقراطيين، لتصل نسبة الرضا عن سياساته إلى ما دون 40%، بشكل أصبح يهدد معه حظوظ الديمقراطيين في الحفاظ على أغلبية مجلسي الكونغرس؛ النواب والشيوخ.
انتخابات كونغرس أو استفتاء على حكم بايدن؟
يرى كثير من الخبراء أن الانتخابات النصفية ما هي إلا استفتاء غير مباشر على حكم الرئيس بايدن بعد عامين من انتخابه.
ويشير متوسط استطلاعات الرأي الحديثة إلى تحسن تدريجي في نسب التأييد لبايدن وارتفاعها لتصل إلى 40%، بعد أن انحدرت هذه النسبة إلى أدنى مستوياتها في يوليو/تموز لـ34%.
وتقليديا، تُعد نسبة تأييد الرئيس أحد المؤشرات الرئيسية لكيفية أداء حزبه في الانتخابات النصفية؛ ويسبب ذلك قلقا واسعا بين كثير من المرشحين الديمقراطيين الذين تحفّظ بعضهم عن الإشارة إلى بايدن في حملاتهم الانتخابية.
وفي حين كان يأمل الديمقراطيون أن تكون قضية الإجهاض -خاصة عقب إلغاء المحكمة العليا الحق الدستوري وترك القضية للولايات- أهم ما يشغل الأميركيين، لكنها لم تكن على رأس القضايا المحدِّدة للتصويت إلا عند 15% فقط من الناخبين، في حين بلغت قضية حقوق التصويت ونزاهة الانتخابات -محور خطاب بايدن الأخير- 9% فقط.
سجل إيجابي لا يخدم الديمقراطيين
على الرغم من تدهور الوضع الاقتصادي بصورة عامة، ممثلا في وصول التضخم لمعدلات قياسية هي الأكبر خلال 40 عاما الماضية، وما تبعه من استمرار ارتفاع الأسعار خاصة المواد الغذائية ووقود السيارات؛ فقد حقق بايدن بعض الانتصارات خلال الأشهر القليلة الماضية.
ويؤمن الرئيس بأن إنفاق مليارات الدولارات في أجندته المحلية سيخفّض تكلفة الرعاية الصحية، ويرفع مستوى الأُسر العاملة، ويخلق ملايين الوظائف.
وقد يكون ذلك صحيحا على المديين المتوسط والطويل خلال سنوات قادمة، لكن ذلك لا يخفف الضغط الذي يشعر به الآن أغلب الأميركيين.
ومن بين مساعي بايدن لتخفيف الأزمة التوقيع على قانون “خفض التضخم”، والنجاح في تمرير مشروع قانون لدعم صناعة أشباه الموصلات في أميركا عن طريق تخصيص 55 مليار دولار لهذا الغرض، بالإضافة إلى أول تشريع للحد من انتشار وبيع الأسلحة النارية الآلية منذ ما يقرب من 30 عاما، وقانون البنية التحتية بقيمة 1.2 تريليون دولار.
ونجح بايدن في إقناع السيناتور جو مانشين الديمقراطي من ولاية فرجينيا الغربية بالتراجع والتوقيع على القوانين السابقة بعدما هدد برفضها وعرقلة تمريرها.
ويتباهى البيت الأبيض بما يعده “إدارة بارعة” لبايدن في أزمة الحرب الأوكرانية عن طريق وحدة الرد الغربي بقيادة أميركية واضحة، كما تفخر الإدارة الأميركية باستكمال الانسحاب من أفغانستان على الرغم من سوء إدارة واشنطن لعملية الانسحاب من أطول الحروب في التاريخ الأميركي.
ويتباهى البيت الأبيض كذلك بالقضاء على زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري من دون وقوع أي ضحايا مدنيين أو أميركيين.
التضخم محدد أساسي
على مر التاريخ الأميركي، كان التضخم قضية سياسية انتخابية في الأساس، ولهذه السبب يخشى السياسيون من هذه القضية بشدة، لكن البيت الأبيض في عهد بايدن لم يأخذ في البداية ارتفاع الأسعار على محمل الجد، وأصرّ مرارا وتكرارا على أنها كانت مشكلة “عابرة” ناجمة عن أزمة فيروس كوفيد-19.
وفي خطابه المهم الذي جاء قبل 6 أيام من موعد الانتخابات النصفية، لم يتحدّث بايدن إلا عن التهديدات التي تواجه الديمقراطية الأميركية، وصبّ غضبه على الرئيس السابق ترامب وأنصاره والمرشحين التابعين له، وتجاهل تماما قلق وغضب الأميركيين من ارتفاع تكلفة المعيشة مع استمرار ارتفاع نسب التضخم.
وقد يكون خطاب بايدن -الذي ألقاه من محطة القطارات الرئيسية بواشنطن العاصمة، على بُعد خطوات من مبنى الكابيتول (الكونغرس)- تذكرة للسياسيين والإعلاميين بحادثة اقتحامه في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، وتهديدها الديمقراطية.
ولكن في قلب ولاية نيفادا وضواحي مدن أريزونا، ينصبّ الاهتمام على موضوعات تتعلق بارتفاع مستوى المعيشة، وزيادة أسعار وقود السيارات والمواد الغذائية، والهجرة غير النظامية.
من ناحية أخرى، أضرّ تراجع مؤشرات أسواق الأسهم بحسابات التقاعد لملايين الأميركيين، وهناك تخوف من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية بعدما رفع البنك المركزي الأميركي سعر الاقتراض قصير الأجل بنسبة 0.75% للمرة الرابعة هذا العام، وتوقّع أن تؤدي هذه الخطوة بالاقتصاد إلى الركود.
وفي استطلاع جديد أجرته شبكة سي إن إن ونشر الأربعاء الماضي، قال 51% من الأميركيين إن التضخم والاقتصاد هما الأكثر أهمية في تحديد نمط تصويتهم.
إرث بايدن على المحك
يُقر بايدن بصعوبات يواجهها المواطن الأميركي في التعامل مع نسب التضخم المرتفعة بشكل صعب، إلا أنه يحذّر من أنه “إذا فاز الجمهوريون بالسيطرة على الكونغرس، فإنهم سيخلقون فوضى في الاقتصاد”.
وعشية انتخابات الكونغرس النصفية المقرر في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لن يكثف بايدن ظهوره في حملات المرشحين الانتخابية، ويُعد ظهوره الضعيف نسبيا جزءا من إستراتيجية منسّقة مصممة لرئيس لا يحظى بشعبية كبيرة في موسم انتخابي مليء بالتحديات.
ويرى مدير مركز السياسة في جامعة فرجينيا لاري ساباتو أن خسارة الديمقراطيين في الكونغرس “ستكون لها آثار بعيدة المدى على رئاسة بايدن وإرثه”.
وقال بايدن لأنصاره في حملة خاصة لجمع التبرعات لمرشح مجلس الشيوخ جون فيترمان عن ولاية بنسلفانيا الأسبوع الماضي “إذا خسرنا هذه الانتخابات فنحن في ورطة حقيقية”.
وتشير الاتجاهات التاريخية لتصويت الأميركيين في الانتخابات النصفية لتحقيق الحزب المنافس لحزب الرئيس مكاسب كبيرة. وترجّح أغلب استطلاعات الرأي استيلاء الجمهوريين على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، وهي نتيجة من شأنها أن تقيّد إلى حد كبير -إن لم يكن بالكامل- طموح بايدن بشأن قضايا الإجهاض والسيطرة على الأسلحة النارية، ودعم حقوق التصويت وإصلاح برامج الرعاية الصحية.
ودافع كبير موظفي البيت الأبيض رون كلاين -في حديث لشبكة “سي إن إن”- عن قرار بايدن تجنب المشاركة في التجمعات الكبيرة، وأكد أن ذلك كان خيارا إستراتيجيا وليس مجرد انعكاس لانخفاض معدلات تأييد بايدن.
وأشار كلاين إلى أنه “في كل من عامي 2010 و2018 فقد الحزب الحاكم السيطرة على مجلس النواب رغم دعم الرئيس أوباما وترامب الحملات الانتخابية للمرشحين”. وأضاف “لا أعتقد أنه يجب أن يُفاجئ أي شخص بأننا لا نستخدم الإستراتيجية التي فشلت عامي 2010 و2018”.
وبعد الإدلاء بصوته في اقتراع مبكر بولاية ديلاوير مسقط رأسه السبت الماضي، قال بايدن إنه متفائل بشأن الانتخابات، وإنه مستعد للاحتفال الأسبوع القادم. وأضاف “سأقضي بقية الوقت في إثبات أن هذا ليس استفتاء؛ إنه خيار أساسي بين رؤيتين مختلفتين جدا للبلاد”.