وكالات : كواليس
منذ توقف المفاوضات النووية في سبتمبر/أيلول الماضي، تواصل كرة الضغوط الغربية على إيران دحرجتها في الأروقة الدولية ومنها مجلس الأمن الدولي الذي ناقش أخيرا ملفي المسيّرات الإيرانية والاحتجاجات المتواصلة في إيران، مما أدى إلى إصدار دبلوماسيين إيرانيين سابقين بيانا ينتقد سياسات البلاد الخارجية ويطالب بتعديلها.
ودعا 36 دبلوماسيا إيرانيا سابقا سلطات بلادهم إلى إعادة النظر في سياساتها وفقا للمصالح القومية، محذرين من العواقب الوخيمة المحتملة جراء ارتكاب أي خطأ بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا أو الانخراط فيها.
وعقب انتقادات وعقوبات غربية، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اليوم السبت إن بلاده سلمت روسيا عددا محدودا من الطائرات المسيرة قبل أشهر من بداية الحرب في أوكرانيا، مضيفا أن بلاده “إذا تأكدت من أن روسيا استخدمت المسيرات الإيرانية في حرب أوكرانيا فستكون لديها ردة فعل تجاه هذه المسألة”.
وفي بيان لهم، رأى الدبلوماسيون الإيرانيون في توقف المفاوضات النووية واتهام طهران ببيع مسيرات وصواريخ باليستية لروسيا “لعبة خطيرة تقوم بها الدول الغربية ضد طهران”، منتقدين سياسات طهران التي زادت من الضغوط الخارجية على البلاد، ومطالبين بتصحيح مسار السياسة الخارجية وفقا للمصالح الوطنية.
جدل داخلي
وعلى الرغم من أن الموقعين على البيان سبق أن تقلدوا مهام دبلوماسية داخل البلاد وخارجها، فإن ملاحظاتهم لا تروق للخارجية الإيرانية التي انتقدت البيان على لسان مساعد وزير الخارجية لشؤون منطقة غرب آسيا رسول موسوي.
وكتب موسوي في تغريدة على تويتر أن “الدبلوماسي لا يدلي بكلام قد يستغله أعداء بلاده، ويعرف أنه إذا كان لديه كلام مهم فهناك سبل كثيرة لنقله حتى يسمع على أعلى المستويات”.
ورأى مراقبون في إيران أن رد موسوي على بيان الدبلوماسيين السابقين ينمّ عن عدم استعداد طهران لسماع النصيحة؛ باعتبار أن هؤلاء الدبلوماسيين هم أبناء النظام ويمتلكون تجارب كبيرة يريدون توظيفها في سبيل إبعاد المخاطر المحدقة بالجمهورية الإسلامية.
وبينما ترى شريحة من الإيرانيين، في انتقادات الدبلوماسيين الموقعين على البيان، فرصة لمراجعة سياسات البلاد على المستويين الداخلي والخارجي تمهيدا لتصحيح المسار وضمان مصالح البلاد، تعتقد شريحة أخرى أن البيان لم يأخذ حساسية تطورات البلاد الداخلية بعين الاعتبار، وأنه يرسل إشارات خاطئة بشأن الانقسام داخل البيت الإيراني إلى بعض الجهات الخارجية.
انتقادات لتحرك الدبلوماسيين
وفي السياق، انتقد السفير الإيراني السابق في باكو، محسن باك آئين، بيان زملائه التحذيري، وكتب في تغريدته على تويتر أن مسودة البيان التي نشرها دبلوماسيون سابقون ينتقدون فيها سياسة طهران الخارجية لم تحظَ بإقبال أغلبية الدبلوماسيين السابقين، وذلك بسبب حساسية التطورات في الوقت الراهن، ووهن ما ورد فيها، على حد تعبيره.
وبدوره انتقد الباحث السياسي مصدق مصدق بور تحرك الدبلوماسيين السابقين لعدم مراعاتهم حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد، مضيفا أن موقف الجمهورية الإسلامية كان واضحا منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، وذلك على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي الذي أعلن معارضة البلاد لتلك الحرب.
وفي حديث للجزيرة نت، رأى مصدق بور أن بيان الدبلوماسيين السابقين ليس موضوعيا لعدم أخذه تعنت الجانب الغربي في الاتفاق النووي، علی حد تعبيره، مؤكدا أن الولايات المتحدة هي أول من انتهك الاتفاق، والدول الأوروبية لم تنفذ أيا من تعهداتها فيه.
وخلص الباحث الإيراني إلى أنه كان الأجدر بالدبلوماسيين الإيرانيين إسداء النصيحة بعيدا عن الضجة الإعلامية التي أثارها البيان والإيحاء بفشل سياسة البلاد الخارجية.
أوجه القصور
في غضون ذلك، أوضح السفير الإيراني الأسبق في بريطانيا جلال ساداتیان وأحد الموقعين على البيان أنه وزملاءه استشعروا خطرا يتهدد المصالح الإيرانية على الصعيدين الداخلي والخارجي، مضيفا أن عجز فريق إيران المفاوض عن إحياء الاتفاق النووي والاتهامات الموجهة لطهران بشأن تزويدها لروسيا بأسلحة لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا يوحي بخطة غربية لا تحمد عقباها.
وانتقد -في حديثه للجزيرة نت- سياسة طهران حيال الملف النووي والحرب الروسية على أوكرانيا، محذرا من أن عدم التعامل البنّاء مع الأوساط الدولية لتذليل العقبات قد يؤدي إلى إجماع دولي ضد طهران، وتفعيل آلية فض النزاع النووي ضدها بشأن الملف النووي، وإحالة ملف المسيرات الإيرانية إلى مجلس الأمن الدولي.
ورأى ساداتيان أن الاحتجاجات المتواصلة منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي في إيران نابعة عن فشل سلطات بلاده في تحسين معيشة المواطن والتفاعل مع تطلعاته، مؤكدا أن العقوبات الغربية لعبت دورا بارزا في تراجع الاقتصاد الوطني ورمي شريحة كبيرة من المجتمع الإيراني تحت عتبة الفقر.
وختم السفير الإيراني الأسبق في بريطانيا بالقول إن السياسات السليمة لتعديل المسار تكمن في إيلاء الأهمية للمصالح الوطنية على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتفاعل البناء مع دول العالم بشفافية، والعمل على حل القضايا العالقة بالطرق الدبلوماسية، وعدم تبنّي سياسة خارجية تزيد من الضغوط الأجنبية على البلاد.
بيت القصيد
من جانبه، كشف السفير الإيراني الأسبق في فرنسا وأحد الموقعين على البيان أبو القاسم دلفي أن البيان الأخير هو الثالث من نوعه في الأشهر العشرة الماضية، مؤكدا أن تكتل الدبلوماسيين السابقين يدرس التطورات الدولية بعناية فائقة ويقدم رؤيته بشأن سياسة طهران الخارجية باستمرار ولا شأن له بالتطورات الداخلية.
وفي حديثه للجزيرة نت، وصف دلفي ملف الاتفاق النووي بأنه يشكل بيت القصيد في بيان الدبلوماسيين السابقين، وانتقد السياسة التي حالت دون إحيائه حتى الآن، وطالب بإنجاز الاتفاق لضمان مصالح البلاد.
وأشار إلى أن موقف بلاده المبدئي هو معارضة أي اعتداء على الدول المستقلة، منتقدا سياسة الخارجية الإيرانية تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا والتي فتحت باب الاتهامات الغربية ضد إيران على مصراعيه، وأضاف أن البيان يطالب بدحض كل هذه الاتهامات والنأي بالنفس على الحرب الدائرة في أوكرانيا.
لا حياة لمن تنادي
وعما إذا كانت مثل هذه البيانات مؤثرة في تعديل مسار السياسة الخارجية الإيرانية، جاء رد السفير الإيراني الأسبق في فرنسا بالإيجاب، في حين عبّرت الباحثة في الشؤون الدولية برستو بهرامي راد عن اعتقادها بأن تعليق مساعد وزير الخارجية الإيراني رسول موسوي على البيان لا يوحي ذلك.
وفي حديث للجزيرة نت، أوضحت بهرامي راد أن الخارجية الإيرانية لا تنفرد بتحديد السياسات الخارجية، وأن هناك أصواتا مناوئة بين السلطات المعنية للاتجاه الذي يقود سياسة البلاد الخارجية، مؤكدة أن بعض المؤسسات الإيرانية تعارض النهج المتبع في سياسة البلاد الخارجية لكنها تلتزم الصمت لمعرفتها بعدم الالتفات إلى آرائها.
ورأت بهرامي راد أن الخارجية الإيرانية قد تصل إلى النتيجة التي يريد البيان إيصالها ولو بعد حين، مشددة على أن عدم التعامل البناء مع النصائح المشفقة قد يكلف البلاد ثمن انعدام ثقافة الشورى بين الأوساط الإيرانية.