وكالات : كواليس
إعلان مجلس الوزراء العراقي برئاسة محمد شياع السوداني أمس الثلاثاء إلغاء جميع القرارات والأوامر الديوانية والوزارية الصادرة عن حكومة تصريف الأعمال برئاسة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وصف بإقصاء سياسي ولكن بغطاء قانوني.
وشمل القرار إعفاء نحو 169 مسؤولا رفيعا، من بينهم محافظو النجف وذي قار ورئيسا جهاز المخابرات والأمن الوطني، وغيرهم من قيادات أمنية ومديرين ووكلاء ومستشارين في كل الوزارات والدوائر الحكومية، جزء كبير منهم محسوبون على التيار الصدري.
ماذا يقول السوداني؟ وما رأي الدستور؟
سريعًا، قطع السوداني الشكّ باليقين في مؤتمره الصحفي أمس الثلاثاء بأن هذا الإجراء ليس ضمن سياسة الاستهداف أو الإقصاء لجهات معينة أو لحسابات سياسية، إنما يأتي تنفيذا للقانون واستجابة لقرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد (121/اتحادية/909/2022) المؤرخ في 17 مايو/أيار 2022، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في ظل أن حكومة الكاظمي كانت لا تخضع تصرفاتها لرقابة مجلس النواب، ولا تحاسب في حالة التقصير.
قانونيا، وحسب الدستور العراقي، تنحصر صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في مهام معينة مثل توقيع العقود بين الوزارات، وسحب مبلغ لصرف الرواتب، كأن يكون مداها لشهر واحد أو لحين تشكيل الحكومة الجديدة.
ولا يحق وفقا للقانون القيام بأعمال مثل اقتراح تعديل الدستور أو تشريع القوانين، ولا عقد الاتفاقيات أو الدخول فيها ولا حتى التعاقد مع الدول أو التعيين للدرجات الخاصة، لأنها حكومة منتهية الصلاحية بانتهاء الدورة البرلمانية التي صوّتت عليها.
ووفقًا للمادتين 61 و80 من الدستور العراقي، يحقّ للمتضرر أن يطعن أمام المحكمة الإدارية. ولكن هذا الأمر لا يخلو من المحاسبة القانونية لمن أصدر أوامر تعيينهم خلافا للقانون.
وقد تتعرض حكومة تصريف الأعمال للمساءلة من القضاء أو البرلمان وفق المادتين 329 و240 من قانون العقوبات إذا تجاوزت حدود عملها، وفقًا للخبير القانوني علي التميمي.
وسبق للسوداني، النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، إعلانه تشكيل لجنة تضمّ ممثلين عن 4 لجان نيابية، هي النزاهة والمالية والقانونية والاستثمار، من أجل تدقيق ومراجعة جميع القرارات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال للفترة التي أعقبت إجراء انتخابات العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021.
واقعيًا، هذه الخطوات تعني زيادة الخناق على الكاظمي باستهداف جميع المقربين منه -حسب مراقبين- وانتقاما منه لمواقفه المناهضة للإطار التنسيقي، الذي رشح رئيس الوزراء الجديد.
ورغم الشكوك التي أحيطت بهذا الإجراء، فإن التميمي يصف قرار إلغاء الأوامر الإدارية الصادرة من حكومة الكاظمي والخاصة بتعيين الدرجات الخاصة في مرحلة تصريف الأمور اليومية من قبل مجلس الوزراء الحالي، بـ”إجراء صحيح” لأن الإلغاء تم بطريقة التعيين ذاتها.
هل يمتد “الانتقام” إلى الصدر؟ وما علاقة المالكي؟
لكن الكاتب والمحلل السياسي عبد الجبار الجبوري يُخالف التميمي، ويصف القرار بانقلاب إداري وسياسي بامتياز، وجاء طعنة في ظهر حكومة الكاظمي، وانتقامًا منه ومن كابينته.
الجبوري يعزّز رأيه بأن إقالة ونقل 169 مسؤولا من مناصب حساسة وقيادية في يوم واحد يُخالف جميع الأعراف الأخلاقية والإدارية وإن كانت الأسباب قانونية.
ويتوقع أن يتوسع الانتقام إلى محطة ثانية بحيث تشمل إحالة الكاظمي والمقرّبين منه في جهاز المخابرات والأمن الوطني من المُقالين إلى القضاء بتهمة التخابر مع دولة أجنبية وهي أميركا.
وعن مدة مسلسل “الانتقام” المتوقعة، يؤكد الجبوري أنها ستستمر إلى أن تشمل شخصيات ورجال دين وقادة عسكريين وشيوخ عشائر بتهم “مفبركة” وتبريرات واهية، والسبب في ذلك “أنهم يخالفون الإطار”، حسب تعبيره.
ويرى الجبوري أن مثل هذه الإجراءات يقف وراءها زعيم الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لغرض تصفية حساباته مع خصومه.
وذهب بعيدا في طرحه، مشيرا إلى أن ذلك لن يتوقف، بل ربما يمتد إلى قيادة التيار الصدري وحتى زعيم التيار مقتدى الصدر ليكون ضمن دائرة الاستهداف.
ويذهب الجبوري في حديثه كواليس نت إلى احتمال أن يُجابه قرار السوداني برد من الكاظمي أو التيار الصدري لكونهما من أكبر المتضرّرين، وإن طالهم وسيطالهم هذا القرار لن يسكتوا عن دورة “الانتقام” التي يديرها المالكي ضد خصومه من خلف الستار.
ويصف الجبوري الإقالات والتصفيات بـ”أسوأ” ما يمرّ به العراق في مرحلة ما بعد تشكيل حكومة التوافق الجديدة برئاسة السوداني، التي خرجت من ضلع محاصصة طائفية ستقود البلاد إلى كارثة حقيقية.
هل سيتم تعويض المتضررين؟
وبالانتقال إلى وجهة النظر المقابلة، ينفي النائب المستقل عدنان الجابري أن يكون إلغاء قرارات حكومة تصريف الأعمال بسبب “التصفية أو الإقصاء” السياسي، واصفا الإجراء بالصحيح لكونه جاء متماشيا مع القانون والدستور.
واعتبر أن تكليف شغل المناصب الحساسة والعليا في الحكومة يجب أن يصدر من حكومةٍ كاملة الصلاحية وليست حكومة تصريف أعمال.
ومن أجل درء غضب الصدر وأتباعه، توقع -مراقبون- أن يقوم السوداني بتعويض بعض المتضررين من هذا القرار بمناصب أخرى أو إعادة تكليفهم مجدّدا.
وهذا ما يتفق معه إلى حد ما النائب الجابري -في حديثه للجزيرة نت- بأن الحكومة الجديدة ستصدر أوامر إدارية لتعويض هذه المواقع أو إعادة تكليف من تجده مناسبا لشغل المنصب.
مجزرة الإعفاءات
وأمس الثلاثاء، نقلت وسائل إعلام محلية أن السوداني أصدر أوامر إعفاء حزمة كبيرة من المسؤولين من مناصبهم ومن المحسوبين على الصدر والكاظمي تحديدًا، أبرزهم مستشاره السياسي مشرق عباس، فضلا عن مستشار رئيس جهاز الأمن الوطني مهند نعيم، وأمين بغداد عمار موسى، والمدير العام للمركز الوطني ووكيل جهاز المخابرات لشؤون العمليات اللواء ضياء الموسوي، وغالب الزاملي مساعد المدير العام لدائرة ماء بغداد وغيرهم. وهذا ما يصفه الناشط والصحفي علي العنبكي بـ”مجرزة الإعفاءات”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يتفق العنبكي مع المحلل السياسي عبد الجبار الجبوري بأن “مجزرة الإعفاءات” ستتوسع خلال الأيام المقبلة بإعفاء شخصيات كبيرة من مناصبها لاسيما على المستوى الأجهزة الأمنية والوزارية المقربة من الكاظمي.
ويعزو السبب إلى أن هذه الظاهرة السائدة في العراق منذ عام 2003 بقيام أية حكومة جديدة تتولى السلطة بمدّ جذورها في جميع الوزارات والدوائر والأجهزة الأمنية لكسب وتعزيز ولائها وأركانها من خلال استبدال وتحجيم المناهضين لها من مناصبهم.
من جانبه، يُشبّه المحلل السياسي علي البياتي قرار إلغاء أوامر حكومة تصريف الأعمال بـ”ثورة تصحيح الدولة”، وهو بمثابة التغيير الحقيقي المُنتظر، مؤكدًا -في حديثه للجزيرة نت- أنها فعلا الخطوة الأولى باتجاه “الإصلاح السياسي”.