وكالات : كواليس
ما إن تشكلت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد أزمة سياسية هي الأطول منذ الغزو الأميركي حتى تصاعدت المخاوف من أنها (الحكومة) يمكن أن تمثل مرحلة جديدة من الإقصاء السياسي، ولا سيما بعد أن برز دور “حزب الدعوة الإسلامية” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في إنتاجها، بحسب العديد من المراقبين.
وزادت الخشية من ذلك بعد العودة لحكومة توافقية مبنية على المحاصصة الحزبية بعد أكثر من 3 سنوات من المحاولات للخروج من كنفها والاتجاه إلى حكومة مدنية عبر المظاهرات التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 والتي لم تفلح في ذلك، فالانتخابات التي أجريت قبل عام أدت لانغلاق سياسي أجبر جميع الأحزاب على العودة إلى المحاصصة باستثناء التيار الصدري “الفائز الأول بالانتخابات” والذي قرر الانسحاب من البرلمان.
العودة للمحاصصة
وكان تحالف الإطار التنسيقي -الذي يضم مجموعة من القوى الحليفة لإيران وفصائل الحشد الشعبي- قد أصر على حكومة توافقية على مدى عام كامل بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو ما آلت إليه حكومة السوداني، الأمر الذي حدا بالبعض إلى اعتبار ذلك نذير شؤم ومرحلة قمع جديدة للمعارضين، ولا سيما بعد ما تخللته جلسة التصويت على الكابينة الوزارية من اعتداء بالضرب على أمين عام حركة “امتداد” النائب علاء الركابي لرفضه المحاصصة، وذلك وفق ما أكده الركابي في كلمة ألقاها بمؤتمر صحفي عقب التصويت على الحكومة.
يشار إلى أن السوداني رُشح للمنصب ممثلا عن ائتلاف “إدارة الدولة” الذي يضم عددا من النواب المستقلين وتحالف الإطار التنسيقي وجميع القوى السنية والكردية باستثناء كتلة “الجيل الجديد” عن الكرد وحركة “امتداد” والتيار الصدري الذي استقال نوابه من البرلمان في يونيو/حزيران الماضي.
ويمتلك الإطار التنسيقي ممثلا بائتلاف دولة القانون، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وحركة عطاء وحركة حقوق وحزب الفضيلة بالإضافة إلى تحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي 85 مقعدا نيابيا من دون المستقلين والقوى المتحالفة معه، ويحتل ائتلاف دولة القانون وحده 38 مقعدا داخل الإطار، الأمر الذي يوفر له له دورا محوريا في قرارات تشكيل الحكومة، وفقا لمراقبين.
من جهته، يؤكد النائب المستقل في البرلمان العراقي سجاد سالم أن هناك مخاوف كبيرة وحذر شعبي وجماهيري، ولا سيما من قبل التيار المدني وفواعل الاحتجاجات بعد تولي تحالف الإطار التنسيقي زمام الحكم السياسي في البلاد، معلقا في حديثه للجزيرة نت “إن تعاملنا مع برنامج السوداني سيكون بإيجابية لكننا ننظر بحذر إلى ظاهرة الفصائل المسلحة والمليشيات، ونحذر من تمكينها وإمساكها بزمام الأمور”.
وبشأن المرحلة المقبلة من الحكومة الجديدة، أشار سالم -الذي وصل للبرلمان ممثلا عن المحتجين- إلى أن هناك عراقيل كثيرة، خاصة بعد ما وصفه بـ”تغول” الفصائل المسلحة وسيطرتها على مفاصل كبيرة في الدولة العراقية، مبينا أن التعامل مع السوداني سيكون إيجابيا بناء على الوعد الذي ألزم به نفسه في حصر السلاح بيد الدولة، على حد تعبيره.
النجاح أو الانهيار
في غضون ذلك، يبدو أن لعضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي رأيا آخر، إذ يقول إنه لا يمكن الحكم على الحكومة الجديدة إلا بعد مرور ما لا يقل عن 100 يوم من عمرها، مؤكدا أن هناك مراقبة ومتابعة لأدائها، ولا سيما أن السوداني سيتمكن من إنجاحها إذا ما أراد ذلك على اعتبار أنه كان إحدى الشخصيات المواكبة للحكومات السابقة، فضلا عن إدراكه العميق لموطن الفشل في المراحل السابقة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول شنكالي -الذي يشكل حزبه أحد أعمدة حكومة السوداني- “إن الحديث عن ضرورة نجاح حكومة السوداني يأتي من أن أي فشل جديد سيعرض كل النظام السياسي ما بعد 2003 إلى حالة أقرب من الانهيار، إن المرحلة السابقة كانت مليئة بالإخفاقات، لذلك على حكومة السوداني العمل على تصحيح المسار، خصوصا أن هناك نظرة تفاؤل لها، والقوى الكردية ستتابع عن قرب مدى التزام الحكومة باتفاق القوى التي صوتت لها، وستكون داعمة لها إذا ما كانت إيجابية”.
أما في ما يتعلق بعودة المحاصصة وما يمكن أن تمثله في القادم فيعلق الأمين العام لحركة “نازل آخذ حقي” مشرق الفريجي بالقول إنه في ظل المحاصصة السياسية شهدت البلاد قمعا ضد الحريات والاحتجاجات، فضلا عن انفلات السلاح واستشراء الفساد، وبالتالي فإن عودة النهج ذاته لن تأتي بشيء جديد للمواطن العراقي، مما يثير المخاوف من العودة إلى السيناريو ذاته.
وعن المخاوف من عودة نفوذ المالكي أو حزب “الدعوة الإسلامية”، بيّن الفريجي أن تكرار الحكومة الجديدة التجربة ذاتها في اختيار الوزراء يشي بإعادة استنساخ تجربة المالكي والخروقات ذاتها، حسب تعبيره، لافتا إلى أن الحكومة الجديدة وفي حال انتهجت غير ذاك النهج فإنها ستحظى بالدعم.
المالكي وحجم النفوذ
من جهته، يذهب المحلل السياسي علي البيدر إلى بعد آخر، قائلا إن المالكي كان حاضرا في المشهد من الأساس لما يمتلكه من ثقل نيابي وبوصفه زعيما حزبيا، إذ إن حكومة السوداني يمكن أن تمثل عودة جديدة لنفوذه وحزبه بما يمكن أن تتيحه من مساحة أكبر في التحرك داخل السلطة.
ويشير البيدر في حديث للجزيرة نت إلى أن عودة نشاط حزب الدعوة وزعيمه في الحكومة الحالية تأتي انعكاسا لما حققه في الانتخابات الأخيرة، فضلا عما يمتلكه من علاقات داخلية وخارجية ونفوذ داخل مؤسسات الدولة اكتسبه خلال حكمه لولايتين متتاليتين بين 2006 و2014.
بدورها، تعتقد نهال الشمري عضوة مجلس النواب عن حزب “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أن غياب التيار الصدري عن الحكومة والبرلمان يمكن أن يدفع جهة واحدة إلى التفرد بقرارات الحكومة، وهو ما سيكون له تأثير في المشهد.
واستدركت بالقول إنه ليس من المستبعد أن تحكم المرحلة المقبلة الاتفاقات والتفاهمات التي تشكلت على إثرها الحكومة والتي تهدف لتجاوز المرحلة الحالية دون إشكالات، حسب تعبيرها.
وبشأن ذلك تعلق الشمري للجزيرة نت “إن التفاهمات في المرحلة القادمة لن تكون أكثر من مرحلة عبور إلى انتخابات مبكرة، وهي التي يفترض إجراؤها خلال عام واحد، بالتالي فإن عمر الحكومة ما بين عام إلى عام ونصف لن يتيح فرصة سوى للتهيئة للانتخابات التي تسعى لها القوى السياسية لتجاوز الوضع الحالي دون منغصات”.
لا مكان للتفرد
على الجانب الآخر، وللرد على ذلك يؤكد محمود الربيعي المتحدث باسم كتلة “صادقون” الجناح السياسي لحركة “عصائب أهل الحق” أن حكومة السوداني تتكون من 23 وزارة، وأن حصة ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي 3 وزارات فقط.
وأضاف الربيعي في حديثه للجزيرة نت أن حجم دولة القانون داخل تحالف الإطار التنسيقي يمثل نحو 40% فقط، لافتا إلى أنه على الرغم من أن هذا التمثيل يمنحها ثقلا سياسيا جيدا فإنه لا يسمح لأحد بالتفرد، حسب تعبيره، مشيرا إلى أن لحكومة السوداني ميزة تتمثل باشتراك جميع القوى السياسية التي صوتت لصالحها داخل البرلمان، الأمر الذي يفرض ضرورة نجاح هذه القوى بعيدا عن أي طروحات أخرى، حسب قوله.