أصبحت القمة الأفريقية الصينية التي تعقد كل ثلاث سنوات حدثاً بارزاً في السياسة العالمية منذ تأسيسها في أكتوبر من العام ٢٠٠٠م ، لا سيما وأنها تساهم بقوة في تحديد إتجاه وشكل العلاقات الأفروصينية في السنوات الثلاث التالية للقمة، وأيضاً تعتبر هذه الشراكة من أضخم الشراكات في العالم فهى تشمل الصين كطرف أصيل ومؤسس بجانب الإتحاد الأفريقي وخمسين دولة أفريقية أى مايعادل كل الدول الأفريقية الأربع وخمسون عدا أربع دول غير مشاركة.
قدم الرئيس الصيني شي جين بينغ دعوة إلى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان لحضور منتدي التعاون الصيني الأفريقي المقرر إقامته في بكين في الفترة من الثاني إلى السادس من سبتمبر القادم ، في إعتقادى إن هذا العام سيكون المنتدى إستثنائي ومختلف عن السابق لا سيما آخر منتدي في العاصمة السنغالية داكار في نوفمبر ٢٠٢١م أيام جائحة كورونا ،
ويمكننا تلخيص أهمية هذا المنتدى في أمرين :
الأول التغييرات الكبيرة في السياسة الخارجية الصينية :
والتي كان أبرزها الإنفتاح نحو لعب أدوار سياسية فاعلة في أفريقيا والشرق الأوسط تعزز من المصالح الإقتصادية المتبادلة بين الجانبين ،كان هذا أحد مخرجات المؤتمر الوطني الـ ٢٠ للحزب الشيوعي الصيني وبدأت الدبلوماسية الصينية منذ ذلك الوقت تتفاعل بإيجابية مع عدد من القضايا السياسية في المنطقة ، ظهر ذلك جلياً عندما رعت مبادرة لرأب الصدع بين السعودية وإيران بعد قطيعة دامت ثمانية سنوات ، وتم توقيع إتفاق بين البلدين في مارس ٢٠٢٤م تحت رعاية من الرئيس الصيني شي جين بينغ ، كما لعبت دور سياسي أيضاً في تسوية أكبر الصراعات السياسية في المنطقة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة حيث أنهي ١٤ فصيلاً فلسطينياً مشاورات إنتهت بإصدار “إعلان بكين لإنهاء الإنقسام وتعزيز الوحدة الوطنية” في ٢٣ يونيو ٢٠٢٤م .
الأمر الثاني هو تنامي نفوذ الإمارات المدعوم من واشنطن :
أصبحت الإستثمارات هي المدخل الرئيس لتوسيع النفوذ والسيطرة على القارة السمراء ، فبحسب تقارير صحفية فإن الإمارات تعهدت بمبلغ ٩٧ مليار دولار في إستثمارات أفريقية جديدة خلال العامين السابقين عبر الطاقة المتجددة والموانئ والتعدين والعقارات والإتصالات والزراعة والتصنيع وهي تعتبر أكبر بثلاث مرات من إستثمارات الصين، وفي مقابلة لأحد المسؤولين الإماراتيين مع الفايناينشال تايمز يقول ” إن إجمالي إستثماراتها في أفريقيا يصل إلى ١١٠ مليارات دولار” ، وهو ما يؤكد تصريحات إبتسام الكتبي مؤسس ورئيس مركز الإمارات للسياسات عن أهمية إستخدام الإمارات عضلاتها لحماية مصالحها في أفريقيا.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تساهم في زيادة هذا النفوذ الإماراتي لإعتقادها بأنه قد يُحجِم من نفوذ الصين في أفريقيا ، ولكن على عكس الصين فإن الإمارات تحاول كسب نفوذها بالرشاوى وتأجيج الصراعات الدموية وهذا ما كشفته كثير من تقارير المنظمات الدولية والحقوقية ، لذلك من المرجح أن تضع الصين التنافس الإماراتي في أعلى سلم أولويات المنتدي القادم.
في ظل هذه المؤشرات الإستثنائية وأخرى كثيرة لا يسعنا المقال لذكرها يمكننا أن نتسأل هل يمكن للدبلوماسية السودانية أن تستغل هذا المنتدى لتعزز من العلاقات الصينية السودانية وتدفعها في إتجاه لعب أدوار سياسية تساهم في إنهاء الحرب في السودان؟ ، يمكننا الإجابة على هذا التساؤل عبر النظر في التاريخ المشرف للصين في لعب أدوار مهمة في دعم جهود السلام في السودان من خلال مشاركتها في مبادرات دبلوماسية ومساهماتها في عمليات حفظ السلام التي قادتها الأمم المتحدة في دارفور،
وأيضاً من خلال إستخدام نفوذها الإقتصادي والدبلوماسي للتوسط بين الحركة الشعبية وحركات الكفاح المسلحة في السابق
وبين الحكومة ، نظراً لعلاقاتها القوية مع الحكومة السودانية السابقة وإستثماراتها الكبيرة في البلاد خاصة في قطاع النفط.
ختاماً أن هذه الجهود كانت ومازالت جزءاً من سياسة الصين الخارجية لتحقيق الإستقرار في المناطق التي لديها فيها مصالح إقتصادية وشراكات إستراتيجية ، لذلك نتمني أن تستعيد الصين نفوذها في السودان مجدداً عبر رعايتها لعملية سلام تضمن حماية مصالحها في المنطقة وتمكنها من إقصاء أحد أهم منافسيها من المشهد السوداني.