بنظرة واسعة لمجريات المعركة في السودان سنلاحظ أن هناك تغييرات مهمة تجري ميدانيا وعلي المستوي الديبلوماسي الخارجي الذي لا يقل أهمية عن ميدان المعركة ..
منذ ثلاثة أشهر تقريبا نشطت الديبلوماسية السودانية في الخروج من المسار الضيق الذي حوصر فيه السودان منذ العام 2019 يوم ظنت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أنهم حققوا نصرا حاسما في هذا البلد الإفريقي المهم بعد التغيير الذي حدث آنذاك ، إنصب إهتمام الأمريكان وحلفاؤهم علي إبعاد روسيا من البحر الأحمر وضمان أنها لن تلعب دورا في القضية السودانية مستقبلا , وسعت منذ اليوم الأول للتغيير لإلغاء إتفاق القاعدة الروسية علي البحر الأحمر ومحاصرة أي وجود روسي في السودان ..
وفي هذا السياق نتذكر تلك الزيارة الجماعية لستة من المبعوثين الغربيين في فبراير 2023 للخرطوم ، فيما فهم وقتها علي أنه تشويش لزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المبرمجة سلفا ..
وفي كل تلك التحركات هدفت للولايات المتحدة الأميركية إلي السيطرة علي مجريات النزاع في السودان وإدارته وفقا لمصالحها ..
وما لم يكن في حسبانها هو إمتلاك القيادة السودانية للجرأة علي الخروج من ( المسار ) بعد إمتلاك الوعي الإستراتيجي بطبيعة المعركة ومواقف الفاعلين فيها داخليا وخارجيا ..
صدمت الولايات المتحدة بإحياء العلاقات السودانية الإيرانية وتطورها في وقت وجيز ، وقبل أن تفيق من صدمتها تستقبل ( الخرطوم / بورتسودان ) وفدا ( روسيا رفيعا ) وتنجز معه إتفاقا تاريخيا للتعاون العسكري والمدني ، ومن الواضح كذلك أن جهودا ما بذلت تجاه دول الجوار الإفريقي حيث شهدنا الموقف الأفريقي الموحد في إجتماع مجلس الأمن الأخير والذي اعتبر أن ما يجري في السودان شأن داخلي ، ويجب ان تمنح المنظمات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي الفرصة للتعامل معه ، ومن اللافت في الإجتماع موقف إثيوبيا الداعم ، وموقف المملكة العربية السعودية المتقدم ، والذي أكد إلتزام الجيش بالهدنة بينما خرقها الطرف الآخر ..
وبينما نكتب هذا المقال تجوب طائرة نائب القائد العام الفريق كباشي بعض الدول الإفريقية المفتاحية والتي ترتبط بعلاقات مع روسيا ، وفي الوقت نفسه يقوم نائب رئيس مجلس السيادة بزيارة لروسيا …
تأتي هذه التطورات بعدما أعلنت الحكومة السودانية موقفا قويا تجاه دعوة وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن بإستئناف مفاوضات جدة دون النظر لموقف الجيش الذي ظل يطالب بضرورة تنفيذ إعلان جدة الموقع في مايو من العام الماضي والذي يجبر الدعم السريع علي الخروج من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين ، ومما لا شك فيه أنه ما كان للحكومة السودانية أن ترد على دعوة وزير الخارجية الاميركي بتلك القوة لولا أنها تتوفر على خيارات أخري تري فيها تعددا في مسارات الإسناد الدولي وتوفرا في خيارات التسلح المتقدم والمؤثر في المعركة علي الأرض ، وهو ما برز في الفترة الأخيرة خاصة في معركة الفاشر ، والعملية النوعية في سلاح الإشارة وكبري الحلفايا ..
ومن الواضح أن الجيش قد أعاد خارطة تقييماته للوضع داخليا وخارجيا ، وأصبح أكثر ثقة في إتخاذ القرارات التي تحفظ التفوق الميداني والحضور الدولي والإقليمي ، وذلك بعدما فرغ من ترتيب أمر الميدان بالتغييرات التي أجراها مؤخرا خاصة في محور القضارف والفاشر مع تعيين ولاة عسكريين في بعض الولايات ..
ومن الواضح أكثر أن العقل الذي يتابع الميدان بدقة ويعكف على تفكيك عقده بدأب وأناة هو ( عقلية مدربين وشغل معلمين ) ..
ما تحتاجه قيادة الجيش في هذه المرحلة بعد الدعم المعنوي والإسناد بكل ما متاح من الشعب هو المحافظة علي ال momentum الذي أحدثه الحراك الخارجي والتمسك بما تم في هذا الملف ومقاومة الضغوط الشديدة ، مع الأخذ في البال أن من لا يعجبه إنتصار الجيش سيعمل بكل قوة لدعم الميليشيا بالسلاح وبالمواقف السياسية ..
كما أن توظيف الدعم الشعبي والسياسي الواسع للجيش لا زال بحاجة لمجهود لتوحيد الآراء لخلق جبهة متماسكة ومتفقة علي المشتركات العليا ، وذلك هو الترياق الوطني في وجه الأجسام المدعومة بالمال الغربي لتخريب بلادنا وتفكيك عناصر قوتها المادية والمعنوية ..