في المقالين السابقين تناولت امرين من الأمور التي أطلقت عليها (الأفاعي العشر ) بغرض الحذر منها حتى لا يعيد التاريخ نفسه و تخرج من جحورها بعد الحرب وتعضي من جديد ،،،
الأمر الاول حاجتنا كسودانيين لجرعة عالية من الوطنية تعيد الينا الثقة الغائبة وتحبب الينا وطننا وتجعلنا نبصره كأجمل وطن في الدنيا ،،
و الأمر الثاني هو افعى انتشار السلاح بعد الحرب والذي تحتاج الدولة لمجهود كبير وخارق لضبطه وجمعه احتكاره حتى لا يتحول إلى اداة جريمة في حياتنا اليومية ووسيلة تمرد جهوي او قبلي ، ،،،،،،سأواصل في شرح الأمور العشرة
في هذا المقال سأكتب عن ألافعى الأخطر والاهم اثراً والأكثر سُمَية بعد الحرب وهي افعى العلاقة المدنية -العسكرية
(CMR) civil-military-relation التي تقف وراء أزمات السياسة و تحتاج إلى توازن جدلي للوصول إلى منطقة وسطى بين كثافة الحكم العسكري وشدته و رهافة الحكم المدني وضعفه للوصول إلى فرضية ثالثة تجمع حسنات الاثنين داخل مساحة دستورية تتوافق حولها النخب السياسية (elites) والمجتمع المدني (citizenry )مع الجيش (military ) على ضوء مقاربات تاريخية عديدة وتأصيل فكري لعلماء السياسة والاجتماع وتجاريب سياسية متعددة لمجتمعات وصلت الى هذا التوازن بعد عقود من التجربة والخطأ
ان فكرة عودة الجيش إلى ثكناته فكرة عاطفية وطفولية غير موضوعية و بلا مبرر دستوري او اخلاقي فعملياً الجيش كما يقول جي استانلي “انه رغم انحسار موجة الانقلابات وتدخل الجيوش يظل الجيش متمتعا بنزعة عميقة للعمل السياسي تتطلب اعتباره مكون سياسي مهم” ……فالطريقة الوحيدة لترويض الجيوش هي توظيفها ايجابيا في اطار دستوري ديمقراطي هو اشراكها الفعلي وليس المعنوي في صيانة الدستور وبكون بمثابة المحكم arbiter بين الأطراف والمؤسسات السياسية دون الافتئات على العناوين الكبرى للديمقراطية والعدالة السياسية وعندما تصل الديمقراطية إلى مداها وتستقر في مدارها يصبح الجيش مهنيا واحترافيا ويتم الفصل بين المدني والعسكري موضوعيا و في إطار التوافق
تقول الدكتورة رييكا شيف استاذة القانون في جامعة هارفارد وصاحبة نظرية التوافق concordance انه في حال توافق المكونات الثلاثة (الجيش )و (النخب )و(المجتمع المدني) على اربعة محاور أهمها المشاركة في القرار السياسي فان احتمالات الانقلابات والتدخلات العسكرية ستكون اقل
. ” So the argument here is that if there is agree- ment or Concordance among these three actors over these four indicators the likelihood of domestic military intervention or coup happening in
any country is less likely to happen…”
في إطار نظريتها قارنت ربيكا دول عديدة لتثبت ان الدول التي تشهد الانقلابات وتدخلات الجيوش هي التي يتم فيها تهميش الجيش واستفزازه ومحاولة حرمانه من المشاركة بحجة ان الجيش دوره فقط جلب السلطة للمدنيين على طبق من ذهب وخفارتهم وحراستهم ليعيثوا فوضى في المسرح المهتز
الديمقراطيات التي أشار اليها صامويل هنتنغتون في كتابه (الموجة الثالثة ) التي اجتاحت في بداية السبعينات قارات اوربا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا و عبرت من مرحلة الانتقال Transition إلى مرحلة الترسيخ consolidation تحققت بفضل سيطرة الجيوش واشرافها على المراحل الانتقالية بقوة وسيطرتها الكاملة عليها وضبطها للمجتمع السياسي المدني وتنظيم ميدان المنافسة الديمقراطية بصورة عادلة وتنقيتها من افات الصراع السياسي وتغليب المصالح
لقد ساهمت العوامل البنيوية والثقافويةً و ضعف الاطر والبني التنظيمية للأحزاب التي تأسست على الزبائنية والبطريركية والانغلاق و لم تتطور ولم تمارس الديمقراطية في داخلها لعقود. طويلة بالإضافة للفقر المجتمعي وقلة الوعي الديمقراطي عند النخب والعامة وكل العوامل التي ساهمت في اجهاض احلام التغيير وأصبح من الصعب جدا تغيير تلك العوامل من الاسفل إلى الاعلى إلا بدخول الجيش لفرض الإصلاحات من الأعلى إلى الاسفل حينها يغرق الجيش في مستنقع السياسة إذا استمرا الحكم وتدخل البلد في متاهة إذا ترك الحكم للنخب الأوليغاركية الفاشلة فأين يتموضع الحل يقول د عبدالفتاح ماضي الأكاديمي والباحث ومنسق مشروع التحول الديمقراطي بالمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات ” اثبتت الحالة البرازيلية ان الانتقال ممكن على يد العسكريين إذا كانت لديهم رغبة حقيقية واذا توفرت خارطة طريق محددة تتجه نحو الانتقال
نواصل الجزء الثاني