منذ التغيير الذي حدث في ديسمبرالمشؤم في 2019، مضت أربعة أعوام عجاف على توقف العمل التنفيذي في الدولة وتوقف نبض الحياة في معظم مؤسساتها الحيوية. وإن كان لابد من كلمة حق، فإن كل تلك المصائب تكاثرت على جسد هذا البلد الجريح بسبب الفشل الإداري المزمن لحكومة عبد الله حمدوك المكونة من مجموعة وزراء هواة ، أداروا دولاب الدولة بعقلية الخلايا الحزبية في أحياء المدن. من مظاهر ذلك الفشل، توقف مؤسسات التعليم في معظم الولايات بسبب تعطيل المناهج وأستبدالها وخروج الكثير من المصانع من دائرة الإنتاج بسبب شح وتذبذب سعر صرف العملة، وتعثرالإنتاج الزراعي بسبب غياب القروض التمويلية التي تنسقها الدولة مع البنوك، وتمخض عن كل ذلك اختلال النظام العام حين ظهرت التشققات الخطيرة في الجدار الأمني في المدن الكبيرة مماعرف بظاهرة تسعة طويلة وجرائمها البشعة المرتكبة في وضح النهار.لم يكد الشعب المنكوب يخرج من هذه الكارثة حتى توالت عليه كروب القتل والنهب والنزوح والتشرد مع اندلاع الحرب الضروس التي أشعلها الجنجويد ووكلائهم وكفلائهم في أبريل 2023. وكما قيل في المثل: لا تأتي المصائب حين تأتي فرادى. ولعلي بن الجهم أبيات يقول فيها:وعاقبة الصبر الجميل جميلة …. وأفضل أخلاق الرجال التفضلولا عار إن زالت عن الحر نعمة …. ولكن عارأن يزول التجملنتيجة لهذه التغييرات العنيفة في بنية الدولة والمجتمع، أصيبت سيادة السودان في مقتل وتجرأت علينا المنظمات الدولية ومن ورائها القوى الإستعمارية القديمة والقوى الإقليمية المستتبعة ، وتجلى ذلك في التدخل السافر لمجموعة الترويكا والسفراء الأجانب حيث أنفتحت شهيتهم للتدخل في الشوؤن السياسية والشوؤن العسكرية لبلادنا مستغلين عدم وجود حكومة عسكرية أو مدنية قادرة على سد الفراغ المؤسساتي وقادرة على كبح النشاط السياسي المعادي في الداخل أوالخارج .يمكن قراءة نتائج الفراغ المؤسساتي المذكورعلى الحياة في السودان من مواقف الدول المجاورة في مراحل الحرب الدائرة الآن ومن خفوت صوت الدول الغربية عن نقد فظائع الجنجويد الموثقة بالصوت والصورة ، وما قرار مجلس الأمن الأخير بفرض هدنة على الأطراف المتحاربة خلال شهر رمضان، إلا حيلة مكشوفة لإنقاذ الجنجويد والأحزاب الداعمة لهم من الهزيمة التي تلوح في الأفق وجهدا خبيثا يهدف للإحتفاظ بهم كقوة عسكرية وسياسية للمناورة في المشهد السياسي القادم.في هذا السياق جاءت تصريحات الفريق ياسر العطا في حفل تخريج المتدربين في كسلا لمعالجة هذه المخاوف بتشكيل حكومة عسكرية أوحكومة مدنية من مناصري القوات المسلحة على وجه السرعة تعمل على:* الإسراع في إستكمال المجهود الوطني لتحقيق متطلبات النصر العسكري.* قطع الطريق على القوى الحزبية المتحالفة مع الأجنبي من المتاجرة بقضايا الوطن في الخارج.* رفع معاناة المواطنين المتفاقمة بسبب توقف الخدمات في الأماكن التي تشهد عمليات حربية.* قطع الطريق على الجنجويد وأتباعهم من القوى السياسية من العمل بحرية في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش بهدف فرض نظام إداري وإقتصادي يتحكم في حياة المواطنين اليومية. * يأتي على راس ذلك كله، إشعار المواطن بأن ظل الدولة الشرعية لايزال قائما وحضه على مقاطعة أي تعامل أو تعاون أمني أو إداري أو مالي مع القوة المتمردة وأعوانها. قبل الشروع في تنفيذ هذه الخطوة الضرورية لابد من فحص الخيارين من حيث الملائمة والفاعلية. إيجابيات الحكومة العسكرية:• نجاعة آلية الأوامر العسكرية لضمان سرعة الإستجابة لحاجات المواطنين. • الإنضباط في العمل من ناحية الإلتزام بجداول التنفيذ والمراقبة المالية والإشرافية.• الإستقلالية عن التنازع السياسي الحزبي المعرقل.• عدم التاثر المباشر بالضغوط السياسية التي تمارسها القوى المحلية والإقليمية والدولية.سلبيات الحكومة العسكرية:• إعطاء ذريعة للقوى المتربصة بالسودان لعدم التعامل مع حكومة عسكرية (مع أن تاريخ العلاقات الدولية يشهد أن أكثر الدول المدعومة من الغرب هي حكومات عسكرية شمولية).• عدم التقيد بأنظمة الحوكمة الحديثة الخاصة بالأنظمة الإدارية والمالية مثل تطبيق قواعد الشفافية وقواعد الإفصاح. إيجابيات الحكومة المدنية:• التخطيط المتخصص لمشروعات التنمية الإقتصادية والإجتماعية.• تدريب الكوادر الإدارية والفنية لدعم الخدمة المدنية التي تسير دولاب العمل في الدولة.سلبيات الحكومة المدنية:• ضعف الفاعلية الإدارية ويظهر ذلك جليا في تجارب الحكومات المدنية للأحزاب السياسية منذ الإستقلال مرورا بحكومات الثورات الشعبية السابقة، أكتوبر 1964،أبريل 1985 ،حيث لم تظهر الحكومات الحزبية أي قدرة على الإنجاز رغم التفويض الإنتخابي الممنوح لها، فما بالك بفاعليتها في فترات الأزمات والحروب مثل الفترة الحالية التي تمر بها بلادنا.