في هذه المرحلة العصيبة من حرب الجنجويد على بلادنا ، تمرالكثيرمن قرى الجزيرة بموجة إستباحة كاملة لم يشهدها السكان طوال حياتهم بل ربما سمعوا بها فقط في قصص مماثلة من مرويات أجدادهم الذين عانوا من أهوال حكم الخليفة عبد الله التعايشي في حقبة المهدية. حسب ما ظهر في الوسائط الإعلامية، فقد استشهد عدد كبير من مواطني القرى المنكوبة وتضاعفت أعداد الجرحى في المواجهات اليومية التي يخوضها الأهالي لحماية أعراضهم وممتلكاتهم من تعديات المليشيا المجرمة ومن أحدثها أحداث قرية تنوب – ريفي طابت حيث تم عزل الرجال وإخراجهم من المنازل تحت تهديد السلاح والدخول على غرف النساء والقيام بتفتيشهن تفتيشا شخصيا لتسليم الذهب والمال. ما ذكر بأعلاه ليس مفهوما ولايمكن تفسيره في سياق أهداف الحرب الدائرة الآن والتي وحدت أعداء الداخل والخارج في غزوهم لأرض السودان. • المفزع في الأمر أن روايات الأهالي عن الأحداث اليومية التي تشهدها قراهم تتشابه الى حد التطابق مما يؤكد المؤكد بأن الفعل في الأماكن المختلفة صادر من جهة واحدة تنسيقا وتنفيذا، ومن أمثلة ذلك أن قادة إرتكازات الجنجويد ، في معظم الروايات التي سمعتها من المصادر المختلفة، يحضون المواطنين على البقاء في قراهم وعدم النزوح للأماكن الأخرى،ليس حبا فيهم ولكن للإحتفاظ بهم كرهائن تحسبا لأي هجوم فجائي قد يشنه الجيش على إرتكازاتهم، أوللإستمرار في إبتزازالمواطنين لدفع المال، وقد فرضت بعض إرتكازات القرى مبالغ مالية يومية أوأسبوعية لإعاشة أفراد الإرتكازات بحجة عدم تلقي منسوبيهم رواتب من الدعم السريع منذ بدء الحرب أو بحجة حماية القرى من المتفلتين الجائلون على الدراجات النارية التي تتحرك في إعداد كبيرة بين قرى منطقة غرب وجنوب غرب الحصاحيصا، وبحسب شهود عيان فقد وصل عددها في إحدى المرات الى ثلاثمائة دراجة تحمل مسلحين. بناءا على وقائع معارك العاصمة المثلثة فإن من يطلق عليهم إسم المتفلتين هم في حقيقة الأمرعساكر جنجويد أو أفراد يعملون تحت إمرتهم. مما يثير الخوف ويدعونا لتنبيه وتحذير السلطات، هو أن كثير من الإرتكازات ابتدرت نوع من التواصل والتعايش مع الأهالي في بعض القرى لكسب أرضية إجتماعية من خلال: • مشاركة أفراد المليشيا في المناسبات الإجتماعية في القرى التي يتواجدون فيها.• الإتفاق مع بعض الشباب لتوفير أجهزة استارلينك بمقابل مالي تمكن الأهالي من التواصل مع ذويهم في خارج وداخل السودان في المناطق التي توجد بها شبكة.• ظهورمقالات في قروبات أبناء القرى مكتوبة بواسطة كوادرمحلية من أعضاء تقدم لخلق رأي إيجابي عن تواجد تمركزات المليشيا يهدف الى قبولهم والتعايش معهم بدعاوي حفظ الأمن وضبط المتفلتين.• القيام بترتيبات الشؤون الإدارية في المحليات والإداريات لخلق واقع تحكم في حركة المواطنين وإدارة الأسواق وبالتالي جمع الضرائب والرسوم.• التعايش مع المواطنين للإحتفاظ بمناطقهم كأراضي محررة ! لتعزيز الموقف التفاوضي لشقهم المدني تقزم، إذا نجحت الضغوط الدولية على حمل الجيش على إيقاف العمليات الحربية والجلوس للتفاوض مستقبلا.• حض المواطنين على البقاء في مواطنهم لضمان عدم لجوء الشباب الى معسكرات الجيش للتدريب والحصول على السلاح والعودة للقرى لمقاومة المليشيا.• ظهور بعض الرغبات من أفراد المليشيا لشراء عقارات سكنية في القرى الكبيرة للعيش فيها لخلق حاضنة قبلية موالية للمليشيا تمكنها من الإنطلاق في أي عمل عدائي مستقبلي مستفيدين من موقع الجزيرة الإستراتيجي.• التواصل مع جهات عليا سرية، غالبا مع منسقين بين الجنجويد/القحاطة كوادرتقدم، لتلقي توصيات في كيفية معاملة المواطنين وتلقي الأوامر التنفيذية لتسيير العمل الإداري اليومي في المحليات والقرى. • هنا يكمن خطر التمكين المسنود بالتغييرالديمغرافي والسياسي المدروس مما يستوجب على السلطات تفعيل القرار الولائي الصادر في مطلع فبرائر2024 والذي تم بموجبه حل لجان الخدمات التي تم تكوينها في حكومة حمدوك الأولى لقطع الطريق على هذا المخطط الشيطاني. قد لاتتمكن السلطات من تكوين لجان جديدة تقوم مقام اللجان المحلولة في ظروف الإحتلال الحالية، لكن من الضروري أن تجترح المبادرات الشعبية الكفيلة بترتيب خدمات القرى والمدن التي سيطرعليها الجنجويد حتى لا يترك لهم الجمل بما حمل.ليس ثمت شك بإن التنسيق العالي لكل هذه الأعمال الإجرامية يتم بوحي وإشراف المنظمات الأجنبية خدمة للأهداف السياسية والعسكرية المعادية للسودان كدولة وكشعب ، وأن ما يجري على الأرض من تغيير- مايسمى بالـ Grass Route Work- يفوق خيال هؤلاء الأوباش ومعاونيهم من العاطلين السياسيين.