وكالات : كواليس
لا يخفي دريد القيسي (42 عاما) أمنياته في أداء مناسك العمرة مجددا إذا أتيحت له الفرصة، لا سيما مع الإجراءات التي بات يصفها بالسلسة والميسرة للعراقيين في الآونة الأخيرة.
القيسي -الذي منعه مرض ابنته من أداء مناسك الحج الموسم الماضي- أبدى رغبته في الذهاب إلى الديار المقدسة وأداء مناسك الحج العام المقبل، بعد أن أنفق ما جمعه من أموال لعلاج ابنته مؤخرا.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف القيسي رحلته لأداء مناسك العمرة بالسلسة والمريحة مع تكلفة لم تتجاوز 600 دولار عن طريق الجو، لافتا إلى أن الرحلة تضمنت النقل ووجبات الطعام مع حجز فندقي قريب من الحرم المكي، مشيرا إلى التسهيلات التي تقدمها هيئة الحج والعمرة العراقية والتعامل الجيد للسلطات السعودية مع جميع المعتمرين من دول العالم، لا سيما في المناسك وتوفير خدمات النقل الداخلي.
اهتمام العراقيين بالعمرة
ويبدو أن كثيرا من العراقيين يولون أهمية كبيرة لأداء مناسك العمرة سنويا، لا سيما ممن تزيد أعمارهم على 40 عاما، وأن منهم من يسافر لأداء العمرة أكثر من مرة في العام الواحد عبر شركات عراقية متخصصة في تفويج المعتمرين بعد أن بات السفر من العراق إلى السعودية متاحا عن طريق معبر عرعر البري بين البلدين، مما أسهم في خفض التكاليف.
ونتيجة لذلك، جاء العراق في المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية في أكثر الدول أداء لمناسك العمرة، وفي المرتبة الثانية على مستوى العالم، وهو ما أكده هاني العميري عضو اللجنة الوطنية للحج والعمرة في السعودية، إذ حلت إندونيسيا في المرتبة الأولى عالميا ثم العراق وتركيا وباكستان وماليزيا والهند وأذربيجان، موضحا أن 150 شركة ومؤسسة سعودية تقدم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن منذ وصولهم وحتى مغادرتهم إلى أوطانهم بعد أداء مناسك العمرة.
رقم قياسي
في غضون ذلك، أكد رئيس هيئة الحج والعمرة العراقية سامي المسعودي أن أعداد المعتمرين العراقيين منذ بدء موسم العمرة في منتصف محرم الماضي الموافق لشهر أغسطس/آب الماضي وصل إلى 100 ألف معتمر، لافتا إلى أن هذا العدد يعد قياسيا في فترة لم تتجاوز 3 أشهر فقط.
وفي حديثه للجزيرة نت، تابع المسعودي أن جميع الدول الإسلامية لم تصل إلى هذه الأعداد من المعتمرين باستثناء إندونيسيا ثم العراق، مؤكدا أن العراقيين يفضلون أداء العمرة في أشهر محرم وصفر وربيع الأول، وفي أشهر رجب وشعبان ورمضان المبارك، مشيرا إلى أن هيئته تعمل بجد لتنظيم رحلات المعتمرين.
وعن فتح المعبر البري بين العراق والسعودية وإسهامه في زيادة أعداد المعتمرين، يقول المسعودي “إن معبر عرعر كان مغلقا منذ أكثر من 35 عاما، وأعيد افتتاحه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وهو ما أسهم بشكل كبير في زيادة أعداد المعتمرين العراقيين والحجاج نتيجة تراجع كلفة العمرة برا لتصل إلى 350 دولارا من المدن القريبة من السعودية، وتزداد كلما كانت المحافظات العراقية أكثر بعدا عن الحدود مع السعودية، حيث تشمل الأجور النقل والإقامة وبعض وجبات الطعام”.
ويرى أن فتح المعبر الحدودي أسهم في زيادة أعداد المعتمرين العراقيين، نتيجة ارتفاع تكاليف السفر جوا، لافتا إلى أن الهيئة تهدف إلى توفير فرصة العمرة لشريحة الفقراء والمستضعفين الذين لا يستطيعون الذهاب عن طريق الجو، حسب قوله.
وفي السادس من سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت إمارة منطقة الحدود الشمالية في السعودية استقبال المعتمرين العراقيين عبر المنفذ الحدودي البري، إذ إن المعبر كان مخصصا لعبور الحجاج فقط ولأكثر من 30 عاما، وهو ما كان يضطر المعتمرين للسفر جوا رغم ارتفاع التكاليف.
رحلة سياحية
وعن الميزات التي يوفرها السفر البري للمعتمرين العراقيين، يشبه المسعودي ذلك بأنها أشبه ما تكون “بسفرة سياحية”، لا سيما العائلات بعد أن حصل الجانب العراقي على موافقة السعودية على دخول السيارات الخاصة للعراقيين إلى المملكة، وبات بإمكان العراقيين اصطحاب عائلاتهم لأداء المناسك.
ليس هذا فحسب، بل حصل الجانب العراقي على موافقة السعودية على زيارة العراقيين بقية المدن في المملكة، بالإضافة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبات بإمكانهم زيارة الطائف وأبها وحائل وجدة وبقية محافظات المملكة، مع الإشارة إلى أن مدة تأشيرة الدخول بالنسبة للمعتمرين العراقيين باتت 3 أشهر، بعد أن كانت شهرا واحدا فقط.
واختتم المسعودي حديثه مؤكدا أن أكثر من ألف معتمر يدخلون يوميا إلى الأراضي السعودية برا، منوها إلى أن هيئته بانتظار موافقة الجانب السعودي على طلب تقدمت به هيئة الحج والعمرة العراقية لزيادة أعداد المعتمرين الداخلين إلى المملكة إلى 3 آلاف في اليوم الواحد.
وكان منفذ “عرعر” بين العراق والسعودية أغلق خلال حرب الخليج الثانية عام 1990، ثم أعيد افتتاحه مرة أخرى عام 2013 بشكل جزئي ومحدود، لتعاود السلطات السعودية إغلاقه مجددا بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدن غرب وشمال العراق، ويعد المعبر أحد المراكز الإدارية التابعة لمدينة عرعر في منطقة الحدود الشمالية السعودية، ويبعد 10 كيلومترات عن الحدود العراقية.
القلوب والأرواح تهوى الديار المقدسة
تثار العديد من الأسئلة عن الأسباب التي أدت إلى زيادة أعداد المعتمرين العراقيين، وفي هذا الصدد يقول المتحدث باسم دار الإفتاء العراقية عامر البياتي “إن القلوب والأرواح تهوى الديار المقدسة استجابة لدعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، مستشهدا بالآية الكريمة (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم)، حيث لا تزال القلوب متعطشة لزيارة بيت الله الحرام”.
ويضيف البياتي للجزيرة نت أن التسهيلات المقدمة للعراقيين باتت كثيرة داخل العراق، ومنها أن السفر للمملكة بات ميسرا عن طريق الجو والبر، فضلا عن إمكانية السفر بالسيارات الخاصة، مع توفير شركات الحج والعمرة العراقية برامج عمرة بالتقسيط.
أسباب عديدة
ولا تقف أسباب زيادة أعداد المعتمرين العراقيين عند حد معين، إذ يؤكد جمال الزيدي (صاحب إحدى شركات الحج والعمرة ببغداد) أن العراقيين متعطشون لزيارة الديار المقدسة لأداء مناسك العمرة، فلطالما حُرموا منها لسنوات طويلة بسبب ظروف الحصار الدولي على البلاد في تسعينيات القرن الماضي وتدهور الوضع الاقتصادي للعراقيين.
وفي حديث للجزيرة نت، يضيف الزيدي أن السعودية قدمت تسهيلات للمعتمرين العراقيين، لا سيما عبر منفذ عرعر البري بين البلدين، لافتا إلى أن أعداد المعتمرين العراقيين في تزايد، وأن ألف معتمر عراقي يدخلون السعودية يوميا منذ افتتاح المنفذ قبل شهرين.
وأسهم إعلان السعودية إغلاق ملف جائحة كورونا والحد من الإجراءات الخاصة باحتواء الفيروس في زيادة أعداد المعتمرين، وهو ما انعكس جليا في إعلان الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أن أعداد قاصدي المسجد الحرام من معتمرين ومصلين بلغوا أكثر من 30 مليون مصلٍ ومعتمر بالمسجد الحرام خلال الربع الأول من العام الهجري الحالي الموافق لأشهر أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الحالي.