السفير عبد الله الأزرق يكتب: المعقول واللّا معقول في العلاقات الدبلوماسية (49) لماذا يعادوننا؟

ثمة وقائع ومظاهر في الغرب تنبئك أن “الشرق شرقٌ، والغرب غربٌ، ولا يلتقيان”، أو كما قال الروائي والشاعر الإنجليزي روديارد كبلنغ (1865 – 1936) “Rudyard Kipling” في قصيدته:
‏”Oh, East is East and West is West, and never the twain shall meet”

ويتجلى التفاوت أكثر ما يتجلى بين الشرق – خاصةً الإسلامي – والغرب في ثقافة الطرفين.
وقد شهدتُ هذا التباين يُلِح في التعبير عن نفسه لدى وفاة رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر Margaret Thatcher، التي هلكت في 8 أبريل 2013.
فما أن ماتت حتى انطلقت مظاهر فرح. وازدحمت ساحة الطرف الأغر Tarfalgar Squire في وسط لندن بالمحتفلين يذمونها ويذكرون سيئاتها وهم يهتفون:
‏”Margaret Thatcher , Milk Snatcher”
“مارغريت تاتشر خاطفة حليب الأطفال”.
وذلك لأنها أصدرت قراراً يمنع توزيع الحليب على أطفال الأسر البريطانية.
وتحدث في الحشود الأحياء من قادة النقابات العمالية أو أبناء عمال مناجم الفحم التي أمّمتها حكومة تاتشر وأغلقت بعض المصانع، وشُرّدَ بعض عمالها، وسبُّوها.
بل إن عضو مجلس العموم البريطاني جورج قلوي قال: ألقوا هذه الحثالة القذرة أرضاً Tramp the Dirt Down، مقتبساً جزءاً من أغنية، ودعا عليها أن يصليها الله بنيران جهنم May she burn in the hell fires.
واحتج قلوي على تقديس المرأة الخبيثة الشريرة Canonisation of the Wicked Woman، وفقاً لتعبيره.

وقبل ان نمضي قدماً ، تجدر الإشارة إلى ان ثقافة الغرب مسيحية ، من غير تمسّك بالنصوص الحقيقية للإنجيل الحق . هم يصرّون أن ثقافتهم مسيحية .لكننا نعرف الفرق بين ثقافتهم والدين الحق .

كان ذلك تَجَلِيّاً صارخاً لمدى التناقض بين ثقافةٍ تسيئ للمتوفى وتشمت لموته وتدعو عليه، وأخرى تأمر بالدعاء للميت، وطلب الرحمة له، وتحث على ذِكْرِ محاسنه، بل ويقف رسولها لجنازة يهودي كونها نفساً “أَلَيْسَتْ نَفْسًا” (البخاري).
وتجد أن العنف متأصل في الثقافة الغربية، وهو الذي وَلّدَ حرب المائة عام (1337 – 1453) بين فرنسا وإنجلترا، ثم حرب الثلاثين عام (1618 – 1648) التي اقتتلت فيها معظم الدول الأوربية آنئذ.
وأعقب ذلك التهافت على بلاد العالم الذي سمّوه استعماراً (من الإعمار) وهو احتلال وسرقة موارد، ونالنا من أذاه النصيب الأوفى خلال ما سُمّي التهافت على إفريقيا.. وتواصل هذا التدافع Scramble for Africa من 1833 وحتى 1914.
وقبلها باعوا الأفارقة عبيداً بالملايين، ومات منهم الملايين في الطريق؛ ليصبحوا غذاءً للحيتان.
وهل كانت الحربان العالميتان إلّا محارق غربية ( باستثناء اليابان ) وراح ضحيتها 70 مليون من البشر.

وثبت بالدراسات الموثقة أن الحضارة الغربية هي أكثر الحضارات التي قتلت بشراً، وحتى يوم الناس هذا لا تزال تقتل البشر.
وفرضت الحضارةُ الغربية المسيحيةَ فرضاً.. وكان القساوسة يأتون في سفن الجيوش المحتلة.. وفرضوا حروفهم، فغيروا الأبجدية في مستعمراتهم في الساحل الإفريقي وفي غرب إفريقيا. كما فرضوها في الشمال الإفريقي (الجزائر أيام الاستعمار الفرنسي).

ولأول مرة في التاريخ البشرى تتبنى حضارة الترويج لهبوط أخلاقي ممثلاً في المثليّة .
من ناحيتنا، كانت حضارتنا العربية (لساناً) الإسلامية (جوهراً) أكثر الحضارات رحمة:

  • (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: 256).
  • وفي قواعد الاشتباك: وصية أبى بكر الصديق لجنود الإسلام قبل فتح بلاد الشام (12 هجرية):
    “لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة.. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له “.
  • وشرعت ثقافتنا ما يجفف منابع الرق.
  • وفرضت إتاوات تُعطى لفقراء غير المسلمين: “ما أنصفناك إن أكلنا شبابك وضيعناك في شيبتك”.
  • وحفظت أموالهم، فتفرض غرامةً حتى على من أراق خمر كافر من المسلمين؛ لأنها مال مُتَقَيّم عنده.
  • ومنعت ظلم أو مصادرة أملاك غير المسلمين.
  • والرحمة حتى بالحيوان : ” دخلت امرأة النار في هِرّة “
    📍 ليس في ثقافتنا (ما أُسَمّيه) كريستفوبيا Christophobia ، مثلما لهم إسلاموفوبيا ضدنا. فالمسيحيون يعيشون في بلاد المسلمين آمنين من الاضطهاد.
  • اضطهدت الحضارة الغربية اليهود لألف عام، ثم طردتهم من أوروبا؛ ولقوا في ديار المسلمين الأمن والأمان والتوظيف.
  • أصبحت فاطمة أحمد إبراهيم عضواً منتخباً بالبرلمان السوداني (1965) قبل النساء السويسريات؛ اللائي مُنِحْنَ حق الانتخاب في البرلمان الفدرالي في 1971، ولم ينلن حق التصويت الكامل في كل كانتونات سويسرا إلاّ في 1990.
  • وانتخب المسلمون امرأة رئيساً في باكستان (وهي بنظير بوتو في 1988 وتاتشر كانت رئيسة وزراء) وفي بنغلاديش (خالدة ضياء في 1991) قبل أي امرأة غربية.

ويذكر العالم ما عانته المرأة البريطانية لتُمنح حق التصويت وحركة حقوق المرأة (The Suffragette) ؛ وما لقيته ممَا سُمّي شعبياً: Cat and Mouse Act (قانون القط والفار) للنساء اللائي كُنَّ يُضْرِبْنَ عن الطعام مطالبات بحق التصويت. ولم تمنح المرأة البريطانية هذا الحق إلاّ في 1918.

  • وفي عهد البشير كانت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان السوداني (25%) أعلى من نسبة تمثيلها في البرلمان البريطاني ونسبة تمثيلها في برلمانات غربية عديدة.

وانتشر الإسلام في أكبر البلاد الإسلامية (إندونيسيا) وفي ماليزيا وفي كل شرق إفريقيا وكل غربها وفي السودان سِلْماً، وقَبِله المصريون لـمّا شاهدوا من عدله بعد نَيْرِ الرومان.
لم يُفرض الإسلام ترغيباً وترهيباً، كما يفعل الغرب مع المسيحية.

صحيح أن الغرب يعادي الإسلام منذ الحروب الصليبية، ولكنه فَرُغَ لعداء ما سمّاه الخطر الأخضر Green Peril معه بعد انهيار الخطر الأحمر (الشيوعية).

يكتنز الإسلام في روحه وجوهره، العزة والكرامة، ويغرس في معتنقيه هذه الروح عبر القرآن بعمق:
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون:8).

{لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المجادلة: 22).

﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (النساء:139).
والعزة نقيض الذِّلَة.
وهذا الاعتداد بالنفس لدى المسلمين هو ما يجعل قبول جمهورهم للخضوع لغير المسلمين عصيًا.
وهذا أُسْ صمود مشروعهم الحضاري/ الثقافي، علماً بأن الحضارات الأخرى خضعت للمشروع الحضاري الغربي. وهذا يزعج الغربيين جداً.

ولكن الغرب يعادي فئة أخرى حتى ولو لم تكن إسلامية؛ وهي فئة الوطنيين.
فالوطنيون يقدمون مصالح بلادهم أولاً، ولا يذعنون لضغوط الهيمنة. لهذا قتلوا مصدق في إيران، والليندي (الاسم الصحيح هو أييندي) في تشيلي؛ لأنهما وطنيان. وقتلوا باتريس لوممبا في الكنغو لأنه وطني .
وأعادوا الشاه في إيران، والجنرال بينوشيه في تشيلي.
كلا الإسلاميين والوطنيين يَصْعُبُ تجنيدهم كدُمَى وكعملاء.
ولذا فإنّ غرام الغرب مع الكرازيات، ويمثلهم ( القحاتة ) في السودان اليوم، وكثير ممن يدعي العلمانية زوراً، في كل بلاد المسلمين.

وفي آخر ديمقراطية (مجازاً) في السودان، لم تقدم بريطانيا أي دعم لها.
ومن تجاربي فإن ادعاءات بريطانيا والغرب عامة بدعم: (١) الديمقراطية أو (٢) الحفاظ على حقوق الإنسان أو (٣) الجدية في قبول التنوع الثقافي إنما هي ادعاءات جوفاء.
والشواهد على هذا تَجِلُّ عن العد.

📍السفير عبد الله الأزرق
————————————
     20 ديسمبر 2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *