كيف عزّزت تركيا نفوذها العسكري في ليبيا وقلصت مساحات خصومها؟ | سياسة

وكالات : كواليس

طرابلس- أجمع خبراء على أن الهدف من الاتفاقيتين العسكرية والأمنية اللتين وقعتهما حكومة الوحدة الوطنية الليبية مع تركيا تهدف للاستفادة من الخبرة التركية الكبيرة في مجال الطيران الحربي والطيران المسيّر، سعيا لبناء مؤسسة عسكرية حديثة متطورة.

وأكدت مصادر للجزيرة نت أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة وقّع الثلاثاء الماضي في إسطنبول اتفاقيتين عسكرية وأمنية مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، تنصّ العسكرية منهما على قيام الجانب التركي برفع قدرات الطيران الحربي الليبي.

وذكرت المصادر ذاتها أن الاتفاقية الثانية تتضمن بروتوكولات تنفيذية مُكَمّلة لاتفاقية التعاون الأمني التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق الوطني السابقة أواخر عام 2019، التي تدخّلت بموجبها تركيا عسكريا في ليبيا ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر أثناء محاولته السيطرة على العاصمة طرابلس.

من جهتها، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية -في بيان لها- توقيع الدبيبة مع وزير الدفاع التركي اتفاقيتين عسكريتين للتعاون بين البلدين، بحضور رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد.

وأوضح البيان أن الاتفاقية الأولى “تنص على رفع كفاءة قدرات الطيران الحربي في ليبيا بالاستعانة بالخبرات التركية، كما تضمنت الاتفاقية الثانية بروتوكولات تنفيذية للاتفاقية الأمنية الموقعة مع حكومة الوفاق الوطني قبل 3 سنوات”.

ISTANBUL, TURKIYE - OCTOBER 25: Turkish Minister of National Defense Hulusi Akar (4th R) and Libya's Prime Minister of National Unity Government Abdul Hamid Dbeibeh (5th R) pose for a photo after signing agreement between two countries in Istanbul, Turkiye on October 25, 2022. Turkish Armed Forces to contribute to the training of Libyan military pilots. ( Arif Akdoğan - Anadolu Agency )
ليبيا تسعى للاستفادة من الخبرة العسكرية التركية في تطوير قدرات قواتها الجوية (الأناضول)

استحضار التاريخ

ويوضّح رئيس الأركان الأسبق اللواء يوسف المنقوش للجزيرة نت أنه رغم عدم نشر تفاصيل البروتوكولات الموقّعة التي تأتي استكمالا لما اتفق عليه سابقا مع حكومة فايز السراج، “فمن الواضح أنها تركز على رفع قدرات سلاح الجو الليبي، والاستفادة من الخبرة التركية الكبيرة في مجال الطيران الحربي والطيران المسيّر الموجود في ليبيا فعليا”.

فالتعاون التركي الليبي “له تأثير كبير في مجال الدفاع وهو ما تحتاجه ليبيا لبناء مؤسسة عسكرية حديثة متطورة تستطيع القيام بمهامها حسب المواصفات المطلوبة”، كما يقول المنقوش، مشيدا بخبرة تركيا التي تربطها بليبيا علاقات تاريخية.

وذكّر بأن “تركيا ساعدت في تأسيس سلاح الجوي الليبي في عهد المملكة سنة 1963، بقيادة المقدم الهادي الحسومي خريج كلية الطيران التركية”.

التوقيت المناسب

ويقول الخبير العسكري عادل عبد الكافي إن الاتفاقية جاءت استكمالا لمذكرة التفاهم ببنودها العسكرية والأمنية والاقتصادية قبل سنوات. موضحا أن “ما يجري الآن يُعد بروتوكولات تنفيذية لما اتفق عليه سابقا من خلال التدريب وإجراء المناورات المشتركة وتزويد ليبيا بقطع بحرية وجوية دعما للجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية”. واستكمالا لما تم إدخاله فعلا من أسلحة دفاعية وهجومية فعّالة في الحرب على طرابلس قبل 3 سنوات.

أما الخبير الأمني جهاد الباجقني، فيرى في التوقيع على الاتفاقيتين استئنافا بعد توقف بسبب الحرب على طرابلس والأوضاع السياسية والتجاذبات الإقليمية التي تعذّر معها تعزيز الاتفاقية البحرية بين ليبيا وتركيا اقتصاديا، بما يسمح بالاستكشاف والاستثمار في المناطق المتفق عليها بين الطرفين.

ويوضح الباجقني للجزيرة نت أنه “ونتيجة للانفراج في العلاقات بين تركيا وجيرانها والأوضاع السياسية التي نتجت عن الحرب الروسية الأوكرانية؛ أصبحت تركيا في وضع أقوى ويسمح لها بالاستثمار في مناطقها البحرية والمناطق الصديقة لها”.

ويرى الباجقني أن هذه الاتفاقيات المتعلقة بالنفط والغاز “جاءت في التوقيت الصحيح، ولضمان حقوق البلدين كان لا بد من أن تتبع الاتفاقيات الاقتصادية تطويرا للتفاهمات الأمنية بما يضمن حماية الاستكشافات والاستثمارات عسكريا وأمنيا”.

وحدث الأمر -كما يقول الخبير الأمني- سريعا، بحيث لم تتمكن القوى المعارضة للاتفاقية البحرية وتوابعها من ترتيب مواقف سياسية أو عسكرية موحدة ضد تلك الاتفاقيات، “واكتفت ببيانات شجب واستنكار وبعض الضجيج الإعلامي غير المؤثر”.

 

رئيس الأركان العامة الأسبق اللواء المتقاعد يوسف المنقوش – خاصة من المصدر
اللواء يوسف المنقوش: حكومة الدبيبة ترى في تركيا حليفا مهما جدا (كواليس)

مواقف المناوئين

لم ترضِ الاتفاقية البحرية الليبية التركية بعض الدول الإقليمية مثل اليونان و”إسرائيل” وقبرص اليونانية لعدة أسباب؛ “فمن جهة فتحت الباب أمام الأتراك للاستثمار في مناطق شرق المتوسط، ومن جهة أخرى ألغت وضعا مزيّفا لمئات آلاف الكيلومترات المربّعة في البحر المتوسط بقيت فيه اليونان عشرات السنين تدّعي ملكيتها دون سند قانوني”، حسب الباجقني.

من جهته، يقول اللواء المنقوش إنه “من الواضح جدا أن تركيا أصبحت تساند حكومة الوحدة الوطنية” من خلال التصريحات والزيارات والاتفاقيات؛ وبالتالي ترى هذه الحكومة في تركيا حليفا مهما جدا لما لها من ثقل دولي كبير، وفق المنقوش. “مما يعزز موقف الحكومة ويضعف موقف المناوئين لها؛ فمن الصعب جدا التفكير في أية مغامرة جديدة للسيطرة على طرابلس من أي منطقة كانت”.

ويتفق الخبير الباجقني مع ذلك قائلا إن “الاتفاقيات إضافة إلى كونها تحقق المصالح المشتركة الليبية التركية فهي تصب في صالح الدبيبة بشكل مباشر”؛ فالشريك التركي مستعد لحماية استثماراته ودعم شركائه.

ويقول الخبير إن “حكومة الدبيبة دخلت في دائرة الحماية والدعم، وهذا سينعكس إيجابيا على الاستقرار في ليبيا بفضل سياسة الشريك التركي الذي يدرك لعبة التوازنات والمصالح، ويعرف أن دولا كفرنسا وإيطاليا ومصر لا بد لها من حصة مجدية تحقق مصالحها”، مما قد يرشح عنه قيادة تركية لمبادرات دولية للاستثمار في ليبيا مستقبلا.

ويذهب الخبير العسكري عادل عبد الكافي إلى التقدير ذاته، قائلا “لا أتصور أن أحدا سيدخل في مواجهة مع حكومة الوحدة، ومن ورائها تركيا بكل ما لديها من ثقل سياسي وعسكري في المنطقة وبضوء أخضر أميركي منذ 2019 لإحداث توازن ضد مرتزقة فاغنر، خاصة بعد تغولهم مؤخرا في ليبيا”.

ويشير عبد الكافي إلى أن الهدف من هذه الاتفاقيات -التي وُثقت وسُلمت نسخ منها للأمم المتحدة ومجلس الأمن- هو “تعزيز دور تركيا ليس في طرابلس فقط بل في العمق الأفريقي انطلاقا من ليبيا”.

مناورات تعكس تطورا عسكريا

على الصعيد المحلي، يرى رئيس الأركان الأسبق يوسف المنقوش أن القوات العسكرية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية تطورت كثيرا بفعل الخبراء الأتراك، حتى وصل الأمر إلى مشاركة بعض تلك القوات في مناورات تابعة لحلف شمال الأطلسي في تركيا قبل أسابيع إلى جانب 35 دولة، وقال إن الخبرة التركية سترفع كفاءة الطيران والطيارين الليبيين.

ويرجح المنقوش أن يتطور هذا التعاون مستقبلا، ويشمل إدخال طائرات جديدة خاصة العمودية المقاتلة المتطورة التي “تميزت بها الصناعة الحربية التركية في السنوات الأخيرة وتناسب الأجواء الليبية وبعض المهام التي يحتاج إليها سلاح الجو الليبي”.

وهو ما يتفق معه الخبير العسكري عادل عبد الكافي، متوقعا تحقيق حكومة الوحدة الوطنية استفادة كبيرة من التعاون مع حليف عسكري وأمني واقتصادي بحجم تركيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *