وكالات : كواليس
الناصرية – مرت ذكرى إحياء احتجاجات 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في العراق مرور الكرام على الصعيدين السياسي والشعبي، إذ شهدت بعض الساحات العامة (التي كانت محطة لانطلاق مظاهرات 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019) حضورا باهتا لا يُقارن بحجم ما حصل بداية المظاهرات في ذكراها العام الماضي، حيث بدت ملامح الاحتجاج أقل مما هو متوقع بالنسبة للكثير من المراقبين والناشطين في البلاد.
وكان الرهان قبيل موعد يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري حاضرا بشأن حجم وقوة وحضور فعاليات الذكرى، سواء في العاصمة بغداد أو في المحافظات الأخرى، غير أن حجم الحضور والتفاعل كان مخيبا للآمال، فالناشطون الفاعلون في الحراك لم يكن لهم حضور في الذكرى السنوية الثالثة التي كانت قبل يومين، بحسب المراقبين.
وكانت المظاهرات الشعبية في العراق قد انطلقت في المحافظات الوسطى والجنوبية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 واستمرت حتى منتصف عام 2020 بعد تكليف مصطفى الكاظمي برئاسة الوزراء خلفا لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، حيث خلّفت المظاهرات أكثر من 30 ألف جريح بينهم عناصر من القوات الأمنية، في حين بلغ عدد القتلى من المتظاهرين أكثر من 500.
أسباب إجهاض الاحتجاج
هناك أسباب عديدة أسهمت في إجهاض الاحتجاجات في العراق كما يقول الناشط في المظاهرات حسين العظماوي، ويؤكد أن أبرزها الأفعال التي مارستها من وصفها بـ”المليشيات المسلحة” والسلطة الحاكمة من خطف واغتيالات واعتقالات قسرية ودعاوى كيدية، إضافة إلى تشتت المحتجين واختلاف رؤاهم تجاه أبرز القضايا الهامة، وفق رأيه.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف العظماوي أن من الأسباب أيضا ازدياد أعداد الجماعات والتنسيقيات التي تتكلم باسم الاحتجاج، وتصدر بعض من وصفهم بـ”المبتزين والمنتفعين” للمشهد في عدد من المحافظات، مع عدم وجود رؤية ذات بعد إستراتيجي لديمومة المظاهرات، مما حولها إلى احتجاجات من أجل المظاهرات لا أكثر.
أما الناشط من محافظة ذي قار (جنوب) محمد الحسيني فيرى أن احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول انتهت في العام 2020، مضيفا “ما حدث بعدها هو إحياء لذكراها والتأكيد على بقاء المطالب، التي من أهمها المطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاكمتهم. ثم إن قلة الأعداد التي ظهرت في الذكرى الثالثة كانت بسبب القمع واليأس الحاصل لدى الناس”.
وتابع الحسيني، في حديثه للجزيرة نت، أن من الأسباب الأخرى التي تضاف لتراجع وبرود المتظاهرين، هو أن الحكومة الحالية التي يترأسها مصطفى الكاظمي تعد حكومة تصريف أعمال ولا يمكنها أن تقدم شيئا ملموسا، بحسب تعبيره.
ووفق العظماوي، كان المتظاهرون قد أصدروا -قبيل ذكرى المظاهرات يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول- بيانا استذكروا فيه المطالب التي خرجوا من أجلها عام 2019، منها مكافحة الفساد واستقلال القضاء وتحسين مستوى معيشة المواطنين، إضافة إلى محاسبة قتلة المتظاهرين، كما وجهوا دعوة لجميع شرائح المجتمع للنزول إلى الساحات، منتقدين النظام السياسي والسلطة، ومؤكدين على الالتزام بالسلمية.
ويتفق الحسيني مع طرح العظماوي، ويضيف للجزيرة نت “رغم كل المؤشرات على تراجع حجم المظاهرات، فإنه لا يمكن القول إن تشرين انتهت، هي باقية لدى الشباب، ومصرون على التغيير وتحقيق المطالب، من الممكن أن تندلع انتفاضة ثانية وثالثة في حال تجاهل المطالب، ويمكن أن تكون في شهر آخر غير تشرين”.
وقد شهدت فعاليات الذكرى الثالثة لمظاهرات 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019 حضورا ضعيفا، وتخللتها مصادمات على جسر الجمهورية ببغداد، إضافة إلى مواجهات في الناصرية بين قوات الأمن والمتظاهرين استمرت ليومين وأدت إلى عدد من الجرحى من الطرفين.
تناقض في تشرين
وتعليقا على تراجع حدة المشاركة في الذكرى السنوية الثالثة للمظاهرات، يؤكد الأكاديمي والمهتم بالشأن السياسي حازم هاشم أن ذلك كان متوقعا من سير الأحداث وتتبعها خلال السنوات الثلاث الماضية، لافتا إلى أن هناك أسبابا موضوعية أدت إلى تراجع حدة المظاهرات والعزوف الشعبي عنها.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول هاشم إن “الأسباب الموضوعية تتعلق بطبيعة المظاهرات والداعين إليها وبأماكنها وتوقيتاتها، فضلا عن اشتراك أطراف شعبية من مظاهرات تشرين في العملية السياسية، وغواية أطراف تشرينية أخرى ورشوتها بقصد إسكاتها، والاعتماد على مجاميع من النفعيين المرتبطين ببعض الجهات”.
ولا يقف هاشم عند هذا الحد، إذ يضيف أسبابا أخرى أسهمت في تراجع المظاهرات منها التصفية التي تعرض لها أهم الشباب في الحراك الشعبي، وتغييب آخرين أو قتلهم بشكل مباشر، وهجرة بعضهم إلى الخارج، وزج آخرين في السجون، مشيرا إلى أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى أن يكون ما وصفه بـ”حراك تشرين” في حالة تناقض داخلي عميق، أدلى إلى اضطراب في توقيت المظاهرات وتداخلها مع حراك التيار الصدري المرتبط بأجندة سياسية تتعلق بتطلعات التيار وطموحاته، بحسب هاشم.
ويستطرد هاشم ليوضح مزيدا من الأسباب التي أثرت في الحراك، ومنها توقيتات الاحتجاجات وتداخلها مع طموحات جهات أخرى كانت تعول على نجاحها أو فشلها، وهو ما أدى إلى اعتقاد الكثير من الناشطين ممن شاركوا في مظاهرات 2019 أنها الآن باتت جزءا من صراع ضمن النظام نفسه أو مواجهة بالضد من النظام.
وهو ما أدى إلى محاولات عديدة لجر المظاهرات لكي تكون ورقة بيد أطراف سياسية متنازعة سواء في الإطار التنسيقي أو التيار الصدري، حيث كسر التيار المدى الذي يمكن أن يصل إليه المتظاهرون، بعد أن دخل مؤيدوه المنطقة الخضراء واقتحموا القصر الرئاسي ومبنى البرلمان، وهو ما لم يبقِ للمتظاهرين سقفا أعلى للتهديد به ضد النظام، وفق رأي هاشم.
تراجع الدعم الدولي
ولا تقف أسباب تراجع المظاهرات عند العوامل الداخلية، إذ يرى الأكاديمي حازم هاشم أن هناك عوامل أخرى أسهمت في تراجع حماس الإعلام الدولي والمنظمات الأممية والدولية تجاه المظاهرات العراقية، لاسيما أن الحرب الروسية الأوكرانية ومن قبلها تداعيات فيروس كورونا أسهمتا في أن لا يكون العراق على رأس أولويات هذه الجهات.
ويختتم هاشم حديثه بالإشارة إلى أن مظاهرات تشرين ليست ذكرى، متوقعا أن تشهد البلاد مظاهرات قادمة لا سيما أن المشهد السياسي في البلاد لا يزال على حاله في ظل المحاصصة الحزبية والفئوية وانتشار الفساد، وهو ما أفقد الشعب العراقي الثقة بالنظام السياسي، بحسب تعبيره.