محمد الأمين يا حزني المقدس …. ممادو التجاني

قناعتي الراكزة ان الموسيقى سر إلهي عظيم وانه يهبها وهباً لمن يصطفي من عباده.. قناعتي ان صناعة الجمال هو مخ عظمة الخلق الإلهي ومثل ما ان هناك أولياء لله في الجانب العِبادي إن أرادوا أراد فإن قناعتي الراكزة ان هناك أولياء للموسيقى وان محمد الأمين ولي موسيقي كامل الولاية ولولا ان الحديث في هذه المقامات مما يجلب الكدر مع العامة لاستطردت هنا لكن يقيني أنه من قبيل المضنون به على غير اهله …
لم يكن محمد الأمين محض فنان ومغني فهم كُثر ، محمد الأمين موسيقي فريد يغرف موسيقاه من عالي السموات فيخففها علينا حتى تكون على قدر السامعين فترفع انسانيتهم وترقي ذوقهم وترهف حسهم، لن تجد في ساحتنا السودانية ولا حتى المحيط الإقليمي لدينا فنانا مجيد لفنه وعمله وصنعته كمحمد الأمين.. هو الجودة والانضباط هو الدقة هو الذوق والفهم ، الأغنية عند محمد الأمين محاضرة في فلسفة الجمال والمعنى ، المعنى يُكسبه محمد الأمين للأغنية العادية البسيطة لذا هو عندي ينهل من النبع الأول ، المانح الأوحد ، الواهب والصانع للمعنى والمبنى لذا فليس غريبا ان تتحول أغنية مثل يا حاسدين غرامنا إلى لوحة مانحة للحياة.

انتخبته فنانا لي بعد ان مررت بفنانين كثر فلحظت انهم اورثوني الحزن والشجن والبكاء تركتهم عندما عثرت صدفة على كاسيت فيه ثلاث أغنيات هن من عيون أغاني محمد الأمين وهن كلام للحلوة ، همس الشوق وحروف اسمك وكان عنوان اسم الكاسيت مراكب الشوق، استمعت اليه فهالني كم الجمال والحبور والفرح المنثور في اللحن والكلمات والموسيقى والاحتفاء بالمحبوب فهتفت وجدته وجدته هو فناني اذن لن امنح اذني لغيره بعد اليوم لاكتشف بعدها أنه صديق لوالدي وفنانه وهذه قصة أخرى…

أغنيات محمد الأمين هي حواراتنا ومغازلاتنا ومواعيدنا المنجزة والمهدرة والمواعيد السراب ، محمد الأمين بأغنياته كان باعثاً لحوارات ووممهدا لعلاقات منشئة لحيوات كثيرة …. كنت طالبا في الجامعة وجاء ابي إلى الخرطوم وكان ينزل في فنادق السوق العربي ذهبت اليه لألقي التحية والسلام ، عندما حان المغرب استأذنته الذهاب إلى الداخلية فسالني : عندك شي ؟ قلت ليهو لالا في شنو ؟؟ قال لي خلي الداخلية انا عازمك حفلة لي ود اللمين فكانت أول مرة أشاهد الفنان محمد الأمين وهو يغني كانت لحظات ملحمية وتاريخية ومحمد الأمين يغني ويدوزن عوده ويطلق القفشات ، ذاك زمن كان محمد الأمين يغني اغنيتين كبيرتين في الفاصلة الأولى وأخرى كبيرة في الفاصلة الثانية وهو زمن يعرفه قدماء رواد مسرح نادي الضباط ومنذ تلك اللحظة أصبحت من رواد حفلاته بإنتظام …
في العام 2009 اتصلت على والدي ليرتب لي لقاءً مع محمد الأمين لإنجاز كتيب صغير لمصلحة مركز المستقبل للإنتاج الفني والاعلامي … رتب اللقاء وذهبت إلى اتحاد الفنانين والتقيت به وتناقشنا وسرعان ما تحولت الجلسة إلى ونسة ونقاش حول السياسة والفن وأحاديث عن رحلاته الخارجية ومنها نشأت علاقتي معه وتواصلت وامتدت لسنوات ، اخر مكالماتي معه كانت بعد حفل القراند هوليدي فيلا وقد كان سيئ التنظيم لم نتمكن من الدخول وبقي جمهور عدده كبير خارج ساحة الحفل اتصلت به اليوم الثاني وتحدثت معه حول مكان الحفل وسؤ التنظيم فكان ان تحولت الحفلات إلى المسرح القومي بأمدرمان.

رحيل محمد الأمين ظلل نفسي بالحزن والكآبة ، برحيله تيتمت الموسيقى وتيتم الغناء في السودان ، الفراغ الذي سيخلفه برحيله لن يملؤه احد في العالمين وحق للمسارح بعده ا تحتجب فلا يجوز أن يطأها احد من بعده ، محمد الأمين فرح معبأ نلجأ اليه عند الانكسارات محمد الأمين كم من قصص الحب التي عشناها كانت اغنياته زادنا في ذلك ، محمد الأمين هو فرحنا الذي كنا ندخره لنتشاركه مع الاحباب الذين حلمنا بلقياهم ، الآن يتحول فرحي به إلى حزني المقدس الذي ستزيده الأيام توهجا ، رحم الله الفنان والموسيقار محمد الأمين واسكنه فسيح جناته وصادق العزاء والمواساة لاسرته وفرقته الموسيقية واصدقائه وجمهوره الذي سيتيتم من بعده ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *