تخترق الخرطوم نحو عشرة جسور نهرية، تكاد تكون هى النقاط المتحكمة في حركة الجنود والآليات، منها جسور تربط بين الخرطوم ومدينة بحري شمالاً، المك نمر وكوبر، وكذلك جسر الحديد، إلى جانب جسر المنشية وكبري توتي وسط الخرطوم وسوبا جنوب شرق الخرطوم، أما الجسور التي تربط بين الخرطوم وأم درمان فهى جسر النيل الأبيض، وجسر أم درمان القديم الذي ينفتح على السلاح الطبي ومبنى البرلمان، بينما تربط بين بحري ومدينة أم درمان جسري شمبات والحلفايا، وجسر الدباسين، يسيطر الجيش حالياً على ستة جسور رئيسية منها بالكامل، تربط بين الخرطوم وبحري وأم درمان، هى الحلفايا والحديد وأجزاء من كوبر والإنقاذ والنيل الأبيض، إلى جانب جسر الدباسين، الذي لا يزال تحت التشييد، بينما تسيطر الدعم السريع على جسور المك نمر وسوبا والمنشية وتوتي الذي ليس له أهمية عسكرية، ومنها جسر شمبات الذي قامت المليشيا المتمردة بتفجيره اليوم، بعد أن كان الجيش على مشارفه، وربما شعرت بأن القوات المسلحة سوف تستخدمه في الزحف نحو بحري، أو أرادت أن تجبر جنودها الفارين عبره الى حواضنهم إلى القتال حتى الموت، وبالتالي عملت بنظرية شمسون “علىّ وعلى أعدائي”، ومن المعروف ان معارك مهمة تدور بالقرب من هذا الجسر ناحية أم درمان، تعاظمت مؤخراً، ويعتبر خط الإمداد الوحيد لقوات حميدتي بين الخرطوم وأم درمان، تستخدمه في الفزع ونقل الأسلحة من مناطق مختلفة، وفصل سلاح المهندسين وقاعدة وادي سيدنا الجوية عبر منطقة ام درمان القديمة، وبهذا التفجير فقد الكبري فاعليته، وكان من المتوقع أن تدور حوله معركة أشبه بالمعركة التي دارت فوق جسر نهر مارديريت بالقرب من بلدة راميل، كما صورها الفيلم الأمريكي “البحث عن الجندي ريان”، إذ حرصت المليشيا المتمردة على تفخيخه لإحداث أكبر خسائر في متحرك الجيش الذي كان سيعبره، لكن الجيش نجح في تجاوز الفخ، ونقل المواجهة لصالحه.أما جسر المك نمر تتجلى أهميته من كونه يدخل في النطاق التأميني للقصر الجمهوري، وقد نجحت قوات العمل الخاص في تنفيذ عملية عسكرية فيه ومن ثم الانسحاب منه قبل نحو شهرين تقريباً، أما جسر الحلفايا فقد كان الدعم السريع يسيطر على مدخله الشرقي من مدينة بحري بداية الحرب، لكن الجيش تمكن من السيطرة عليه بالكامل بعد ذلك، وانطلقت منه عمليات نوعية، ما يعني أن المعركة المحتملة في الخرطوم وبحري سيدخلها الجيش بأفضلية التفوق النوعي، ولن يجد الدعم دعماً يناور به بعد اليوم، وليس أمامهم سوى الاستلام أو الهروب في أزياء مدنية، والأخيرة نفسها ليست مهمة سهلة مع ظهور قوات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.من خلال انفتاح الجيش عبر جسر الحديد وكوبر إلى سلاح الإشارة ومعسكر حطاب شمالاً والمنطقة العسكرية كرري في أم درمان تكون القوات المسلحة قد نجحت بالفعل في فك الحصار عن القيادة العامة، بدليل أن البرهان وكباشي عبرا منها إلى وادي سيدنا بعمليات برية ناجحة.من المهم الإشارة إلى أن الجيش السوداني عمل منذ بداية الحرب في 15 أبريل على حماية وتأمين مقاره الرئيسية ولم ينشغل بالجسور ولا بالقصر الجمهوري كثيراً، وأهم تلك المقار بالطبع سلاح المدرعات والذخيرة جنوب الخرطوم، وقاعدة وادي سيدنا الجوية وسلاح المهندسين شمال أم درمان، وسلاح الإشارة بحري، إلى جانب القيادة العامة وسط الخرطوم، وفي المرحلة الثانية قام الجيش بمناورات عديدة كان الهدف منها نقل آلاف الجنود إلى تلك المعسكرات الحصينة، وتوسيع نطاق التأمين، لذلك فشل الدعم السريع في السيطرة إلى أي من تلك المواقع الحيوية، رغم محاولاته الانتحارية أكثر من مرة على تخوم سلاح المدرعات والقيادة العامة.لا شك أن أحد محاور القتال الحالية ربما تتركز حول السيطرة على الجسور التي وضعت قوات الدعم السريع يدها على أجزاء واسعة منها مع بداية الحرب، لكنه بدأت تفقدها شيئاً فشيئاً، وأصبح الجيش السوداني يتقدم نحوها عبر قوات العمل الخاص، وعبر عمليات برية بعيداً عن الأضواء، ما يعني أن الدفاع عن المواقع العسكرية المهمة والسيطرة على الفضاء كانت مرحلة أولى، ويبدو أننا مقبلون بالفعل على مرحلة ثانية تقضي بتأمين الجسور وتمشيط منطقة الخرطوم المركزية، وتحقيق التفوق في النقاط الحاسمة، سيما بعد أن نجحت إستراتيجية التطويق والتقطيع والاستنزاف والعمليات الخاصة التي اتبعها الجيش في ضرب مشروع الدعم السريع الاستعماري، وتحقيق بعض الأهداف المطلوبة، أو سمها التمهيدية، لمعركة كسر عظم أخيرة، تعلم القيادة الميدانية للجيش وحدها ساعةمكوّن فك لجامها.