خلال تجوالي بولايات السودان الشمالية والشرقية لتصوير برنامج “مشيناها خطى” ، وبينما القوات المسلحة تخوض معركة الكرامة في الخرطوم، مركز القرار السياسي والاقتصادي، كان قد استبد بي القلق من بطء سير العمليات العسكرية والوصول إلى النتيجة التي ينتظرها ملايين السودانيين وهي انتصار الجيش وعودة الحياة في العاصمة.
بعد تسجيل مقابلة تلفزيونية مع جنرال يقود إحدى الفرق العسكرية، سألته: “سيادتك… لماذا لم تستعد القوات المسلحة لخوض هذه الحرب، رغم إرهاصاتها البائنة منذ أشهر قبل اندلاعها، الفترة الزمنية من احتلال مطار مروي وحتى الهجوم على الخرطوم كانت كافية لحشد قوات كبيرة”.
أجابني سيادته: “نحن مستعدون للصمود، لم نتوقع أن نغدر، وبعد اندلاع الحرب لا يمكن أن أدفع بجيشي ليحصده قناصة المتمردين في الشوارع وأفقد كادري البشري، هذه مسؤولية، وأرواح جنودي مسؤولية”.
بالطبع… المتمردون انتحاريون، فهم مجرد مرتزقة، قادتهم لا يهتمون كثيرا لأرواحهم، فالمال يجلب المزيد أن هلك هؤلاء، الأهم هو الانتصار للذات، وإرضاء غرور “آل دقلو”.
مسؤول حكومي رفيع… سألته أيضاً : “يا سعادتك الحرب دي حدها متين والحاصل ده شنو بالضبط”؛ أجابني: “هذه حرب استيطان، ليست مجرد معارك بين الجيش النظامي ومتمردين”؛ وأردف : “هل تعلمي بالأمس دخلت عبر الحدود الغربية حوالي (500) عربة تحمل مرتزقة برفقة عائلاتهم، وحطوا رحالهم بدارفور”.
إذا هذه الحرب لا تخص الجيش الوطني وحده، ولا يمكن وصفها بأنها قتال لإخماد تمرد عسكري، إنما هي حرب ضد الشعب السوداني برمته، تساندها سياسياً أحزاب غبية، وسياسيين انتهازيين، سيأتي دورهم في حملات “آل دقلو” الانتقامية.
أهل إقليم دارفور سبقوا أهل الخرطوم في تجربة اجتياح “الجنجويد” لمناطقهم إبان الحرب، هجروا مئات الآلاف من السكان المحليين من بيوتهم ومزارعهم، الى معسكرات نازحين على أطراف المدن، يعيشون حياة بائسة، بينما استوطن الجنجويد أرضهم ونهبوا خيراتها.
حرب الاستيطان الآن مسرحها الخرطوم، مركز القرار السياسي والاقتصادي، خلال ثلاثة أيام من اندلاع المعارك نهب “الجنجويد”(168) فرع بنك، واجتاحوا (60 %) من أحياء العاصمة.
بعد أسبوع نهبوا (10000) عربة مدنية مملوكة لمواطنين، وخلال شهر هجروا (80 %) من سكان العاصمة واحتلوا بيوتهم بجانب المرافق العامة والأعيان المدنية.
بعد (6) أشهر دمروا كل مشروعات البنى التحتية في العاصمة وإقليمي دارفور وكردفان، وأضرموا النيران في أبراج الخرطوم.
إذا لا يمكن أن يكون هذا القتال من أجل إحلال الديمقراطية، إنما هي حرب استيطان، المقصود منها تهجير السكان ومحو التاريخ، لاستبدالهم بسكان جدد وتاريخ يبدأ من ١٥/ أبريل.
محبتي واحترامي