وكالات : كواليس
وقع أكاديميون ومثقفون تونسيون عريضة، طالبوا فيها السلطات إعادة فتح أبواب المتحف الوطني بمدينة باردو بالعاصمة التونسية، المغلق بحجة “الصيانة” منذ إجراءات الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021، والتي شملت إغلاق مقر البرلمان الملاصق للمتحف.
ويقول معارضون للرئيس التونسي أن المتحف مغلق لكونه مشتركا مع مبنى البرلمان الذي جمد سعيد أعماله.
وقال الموقّعون -وبينهم مدرسّو تاريخ وآثار وتراث وناشطو المجتمع المدني ومعنيون بالشأن العامّ- إنّ المتحف الوطني بباردو يمثّل “واجهة الذاكرة الوطنية وتَواصُل التيّارات الحضارية والثقافية الّتي شهدتها البلاد منذ فترة ما قبل التاريخ وصولا إلى الحقبة المعاصرة”.
وأشارت العريضة لما سمته “الدور الفعّال الذي تؤديه المتاحف في تنمية السياحة الّثقافية في بلد ذي شهرة سياحيّة منذ عدّة عقود، وهي بالـتالي مصدر لمداخيل تحتاجها البلاد أكثر من أيّ وقت”، وأضافت “المتاحف مرآة تعكس مدى عراقة الشّعوب وتأصّلها في ذاكرة التّاريخ”.
وأردفت “العديد من الشّعوب المتحضرة تعرض في متاحفها آثار أمم أخرى في حين أنّنا نحجب تراثنا عن الأعين، وتلك مفارقة عجيبة”.
من جهتها نقلت وكالة الأنباء التونسية تصريحا لوزيرة الشؤون الثقافية، حياة القرمازي يوم الخميس الماضي، أشارت فيه إلى أن المتحف سيفتتح أبوابه “بمجرد انتهاء أعمال الصيانة والتهيئة” دون تحديد سقف زمني، نافية ما يتم الترويج له بخصوص “غلق المتحف بصفة نهائية”.
وكانت وزارة الشؤون الثقافية التونسية قد أعلنت على حسابها الرسمي بموقع فيسبوك في مطلع مارس/آذار الماضي أنه “من المنتظر أن يفتتح متحف باردو من جديد في الأيام القادمة بالتنسيق مع سلطة الإشراف ومختلف الهياكل الحكومية المعنية”.
وأكدت الوزارة حينها العمل على إنجاز مراحل الصيانة وإعادة الترميم والتهيئة التي طالت أقسام المتحف على غرار قاعات “الرقّ الأزرق” والقيروان وسوسة و”ألتيبيروس” وغيرها، فضلا عن تأمين عروض جديدة لبعض المكوّنات كمنحوتة آلهة السّلام “كونكورد” والواجهات الجديدة لعرض مجموعة من خزف سجنان المسجّل بقائمة التراث العالمي غير المادي لليونسكو والعرض المؤقّت لفسيفساء حيدرة المجسّمة لجزر ومدن المتوسّط، إلى جانب تقديم البرامج الثقافية والفكرية والفنية والخطط الترويجيّة التي سترافق حدث إعادة الافتتاح.
من جهتهم، تفاعل ناشطون تونسيّون وشخصيات معنية بالتراث مع العريضة الوطنية من جهة وتصريحات الوزيرة من جهة أخرى، معتبرين سبب الإغلاق غير مقنع، ومطالبين بإعادة فتح المتحف في أقرب وقت ممكن.
ورد الناشط السياسي عدنان بالحاج عمر على تصريحات الوزيرة في مقطع فيديو، قائلا ” المتحف مغلق منذ أكثر من عامين.. ويعتبر من أهم متاحف البحر الأبيض المتوسّط، وهدف الّذين استنكروا إغلاقه ليس تشويه صورة تونس كما تدّعي الوزيرة، ولكن الحفاظ على صورة تونس يكمن في إعادة فتح المتحف”
ووجّه الناشط صلاح الدين الوهيبي أسئلة للوزيرة تتعلق بخصوص “الأجزاء التي تشملها الصيانة وبدايتها وآجالها والجهة المكلّفة بها وكلفتها”.
ويمثل المتحف الوطني بباردو درة التراث التونسي، ويقع داخل “قصر قديم يعود إلى القرن التاسع عشر ميلاديا” ويحفظ جزءا كبيرا من تاريخ البلاد من فترة ما قبل التاريخ، إلى الفترة المعاصرة.
متحف باردو
يضم المتحف -الذي يعد الثاني في القارة الأفريقية من حيث ثراء مجموعاته- لوحات من الفسيفساء تغطي مساحة تعادل خمسة آلاف متر مربع، بينها الفسيفساء الشهيرة التي تمثل الشاعر “ورجلوس”. كما يضمّ مجموعة هامّة من الحليّ البونيّة (القرطاجية) ويحوي رواقًا من التوابيت الرومانية وأحواض التعميد المسيحية.
وحمل المتحف سابقا اسم المتحف العلوي نسبة إلى علي باي، وبعد استقلال تونس عن فرنسا غُيّر اسمه. وفي سنة 2015 شهد هجوما داميا أودى بحياة العشرات، معظمهم سياح.
لا يكتسب متحف باردو قيمته الفنية مما يعرضه من قطع وكنوز أثرية فقط، بل كذلك من جمال مكانه الذي بني في عهد الدولة الحسينية (1705-1957) إذ كان قصرا للعائلة.
وفي حديث سابق للجزيرة نت قال مدير المتحف آنذاك طاهر بن غالية إن المتحف شيّد في البداية ليكون قصرا لحريم العائلة الحسينية، وأشار إلى أن هذا القصر الذي يسمى بالقصر الصغير شيد في عهد الحسين بن علي باي، بنمط معماري تونسي أندلسي.
وأضاف أن هذا المتحف كان يسمى المتحف العلوي نسبة لعلي باي الّذي تولّى الحكم في تونس من 1882 إلى 1902، موضحا أنه كان من المقرر أن يكون هذا المتحف في منطقة القصبة قبالة مقر الحكومة الحالية، إلا أن المجموعات الأثرية الكبيرة حالت دون ذلك.
وأوضح أن المتحف العلوي كان متحفا مهما للتراث التونسي، حيث ضم عددا من الاكتشافات الأثرية والوثائق التاريخية النادرة ذات الشهرة العالمية.
ويمكن لزائر المتحف أن يطلع على أجزاء مهمة من الحضارة التونسية، في فترات ما قبل التاريخ، والفترة البربرية اللوبية، والفينيقية البونية، والرومانية القديمة، والبيزنطية، والوندالية المسيحية، والعربية الإسلامية.
وبحسب بن غالية فإن متحف باردو يضم “أكبر مجموعة فسيفساء في العالم من حيث العدد والقيمة”، وأشار إلى أن هذه اللوحات تعد أحسن وسيلة لمعرفة الإطار التاريخي والاجتماعي الذي عاشته تونس في العهد الروماني، منذ سقوط قرطاج إلى دخول العرب في القرن السابع الميلادي.
وذكر أن هذا المخزون الكبير من لوحات الفسيفساء ناجم عن كون مخزون العمران كان كبيرا والمعالم كثيرة، والأفارقة (سكان أفريقية التي كانت تشمل أساسا تونس والشرق الجزائري والغرب الليبي) كانوا بارعين في تصميم لوحات هذا الفن.
ومن أكبر هذه اللوحات لوحة سوسة التي تبلغ مساحتها 130 مترا مربعا، وتزن 4 أطنان. ويقول بن غالية إن هذه اللوحة اكتشفت في سوسة، وفيها تجسيد للبحر و”لإله البحر نبتون”، مشيرا إلى “أن نبتون كان الإله الحامي للمدينة في تلك الفترة”، حسب المعتقدات الأسطورية وقتها.
يذكر أن كل ما اكتشف منذ 80 سنة تم حفظه في متحف باردو، الذي يضم عددا من تماثيل الآلهة والأقنعة التي أبدع الرومان صنعها، كما يضم المتحف عددا من النقوش والقطع الخاصة بالحضارة العربية الإسلامية، والتي تجسد في معظمها ثراء الحضارة التونسية.