الحركات المسلحة العمى في ظلام الكهف.. د.فضل الله أحمد عبدالله

 

كلمة ” العمى ” عندي في هذا المقال ، هو استعارة لفقدان المنطق والعقل ، الذي رأيته في ” الحياد ” ومقاصده عند بعض قادة الحركات المسلحة وموقفهم تجاه ” معركة الكرامة ” التي تخوضها قواتنا المسلحة الباسلة ، وشعبنا الأبي في مواجهة تمرد الدعم السريع وملشيات الجنجويد . وكيف يتصرف هؤلاء النمط من الساسة على نحو غير عقلاني .

وإن تعجب فأعجب يا قارئي يرعاك الله ، من أحد قيادات الصف الأول لحركة مسلحة .
والذي لا ينبغي له وهو في هذا المرتقى ، إلا وأن يكون مستنيرا راشدا – ليس مراهقا سياسيا – عالي الكعب في مساحات الإنتاج الذهني ، ويملك قدرا محترما من اللياقة النفسية ، وأنا أسأله عن معنى ” الحياد ” ومقصده ؟

يجيب قائلا : ” إنت كوز نتن ” ، هذا – بالطبع – أعلى سقف من سقوف منطق التفكير العقلي إستطاع أن يلامسه . خاصة وأن سؤال – الحياد – نفسه هو مساءل الفلسفة العميقة الإبحار ، والجدال عند أهل العقل لا يمكن إلا أن ينتج أقوال تخصب الرؤى والأفكار المتباينة بين المتحاورين ، وتقرب الشقة بين الأبعدين ، في قضية هي في أصل معنى الإنسانية والإنسان ودوره في الوجود .

إذ لا حياد مطلقا في مسألة الخير والشر ، ومسألة الأذى وكف الأذى عن الناس وذلك مذهب الفلاسفة على مختلف مذاهبهم ومدارسهم في هذا الوجود الإنساني .
وكان ذلك المعنى بادياً من قبل ولا يزال ، عند كل زعيم مفكر يحلق دائماً في أفق سياسي قومي عال وضئ الوطنية .

ولكن مال هذا الزمان رمانا بهذا النوع من الساسة ، لا يقرأون كتاباً في الفلسفة ، ولا يطالعون صفحة من صفحات الثقافة ، ولا يفهمون خلفيات ومرامي ما يسمعونه في منابر الفكر .

والأمر الثاني هو مسألة ” كوزنتي ” وهي مسألة لا ريب فيها – ظاهرا وباطنا – وأفتخر بتاريخي .. والكوزنة شكلت شخصيتي الثقافية ومزاجي السوداناوي المتوهج عشقا لبلدي وترابه والناس – غابة وصحراء ، نهرا وبحرا – فجميعهم نبض وريقي ، وهم مني ، وأنا منهم ولهم ، وخادمهم المطيع .

وأقول لصاحبي ، أن الذي يعرفه القاصي والداني في هذا السودان ، أن جميع العظماء ، المؤسسين للحركة التي تنتسب إليها ، وتلك القامات الباذخة الشامخة من القيادات ، هم بذواتهم أصل ” الكوزنة والكيزان ” في السودان ، بل هم أساتذتي في الكوزنة ، وأقدامهم أعمق رسوخا مني في الدعوة الإسلامية ، بهم إقتديت ، ومشيت معهم خندقا بخندق مجاهدين في سبيل الله . هم شيوخي في الطريق ولهم عظيم الأفضال في تكوين شخصيتي ، ومنهم أمرائي في صفوف الحركة الإسلامية ، وفي وساحات الفداء ، مجاهدين لا يشق لهم غبار ، وهذا موضوع سأكتب عنه مقالا متعدد الصفحات مصحوبا بالصور والأصوات ، في قادم الأيام بإذن الله .

اي بلاء حل بهذا السودان حتى يتقدم صفوف الناس ، عميان البصيرة ، من أصحاب التفكير الفج ، والذي لا ولن يذهب بهم أبعد من طور المراهقة السياسية مهما بلغوا من العمر عتيا .

ولا غرابة فنحن في زمن النكسة والنكوص ، فما أقسى جراح السودان ؟
وآه يا بلد ” وآه لو آه تفيد مجروح ” ..

ولا نقول إلا ما قاله صلاح أحمدإبراهيم :
” في غد يعرف عنا القادمون أي حب حملناه لهم .
في غد يحسب فيهم حاسبون ، كم أياد أسلفت منا لهم .

في غد يحكون أناتنا ، وعن الآلام في أبياتنا ،

حزننا جم ونحن الصابرون ، جرحنا دام ونحن الصامتون .
فابطشي ما شئت فينا يا منون كم فتى بمكة يشبه حمزة “

وهل من ” منون ” أقسى من أن يملأ مساحات البلاد في هذا الزمن الديسمبري الأغبر إلا العميان الذين يسبحون في ظلام كهف العشائرية الأسرية .
الذين يستخدمون نعمة العقل للتدمير أكثر مما يستخدمونه للبناء ، ولانتهاك الحياة بدلا من الدفاع عنها ، لا يعرفون معنى التضامن والواجب والإحترام ..

بهم تحول البلد كله إلى ” عش أفاع ” منهج سياسي خاطئ إلى أقصى الحدود ، هو ما يؤدي بنا إلى الكارثة. والكارثة تنتظرنا في الهاوية وهي فاغرة الشدقين .
قلت في مقالي السابق تحت عنوان : ” الحركات المسلحة والنظرة العوراء .. دارفور أبعد من الفردوس وكثيرا ” .. ما ينقص الحركات المسلحة هو المرتكز الفكري الهادي الرشيد ..
فما من تنظيم سياسي ضامر الفكر ، إلا وأصبح مجرد منظومة لقيعان بشرية جدباء ، بلا أي بعد إنساني كما هو ماثل تجاه مسألة كرامة الإنسان السوداني الذي أهدرته سنابك خيول الجنجويد وخرابهم للسودان بفظاظة نادرة الوجود .

وعلى الحركات المسلحة أن ترتكز على الفكر حتى تستطيع أن تخرج من كهف العشائرية التي مافتأت تعيش فيه وتنطوي ، فإن الإشعاع الإنساني هو الأرحب سعة لنا جميعا ..

العشائرية لن تلج بنا إلا إلى المادية التي تسود فيه قيم المصلحة الشخصية والمكاسب الخاصة والدخول في عمليات البيع والشراء للناس والبلد والمواقف اللزجة في أخطر القضايا الوطنية .

One thought on “الحركات المسلحة العمى في ظلام الكهف.. د.فضل الله أحمد عبدالله

  1. اي كلمات ترسم للمجد زخما في عمي الكهف الضرير
    تتبعت كلماتك حرفا حرفا فتبسم القلب شوقا للقاء المشايخ
    علي طريق الوهج وبريق العابرين.
    فسر ان ماقلته هي ثقه الرجال الماجد
    فلن تحي مرتين
    ومت فلن تمت مرتين
    ما الذي نخشاه من الموت فهذا قد كشفنا سره واستسقنا مره
    صدئت الاته فينا ومازلنا نعافر
    سلام عليك يارحب الفواد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *