يجتهد اعضاء مليشيا لدعم السريع وقطيع المشجعين السياسي -خصوصا بعض اعضاء تنظيمات قوى الحرية والتغيير وابواقها الاعلامية الذين لا يزال بهم بقية حياء من اعلان تأييدهم الصريح للمليشيا- في خلق سردية واقع بديل، ومحاولة اجبار الناس على تصديقه والعيش فيه بسطوة التكرار والترديد والارهاب الاعلامي الذي يستعينون عليه بتزوير الحقايق وتشويه الاراء واغتيال الشخصيات، او تسويقه عبر فرضيات العقلانية السياسية وضرورات التعامل مع الامر الواقع.
تهدف سردية هذا الواقع المغاير بشكل او باخر الي ضمان وجود المليشيا كفاعل سياسي له نفوذ عسكري واقتصادي يمكن الاستفادة من التحالف معها. تسويق هذه السردية هي ضرورة وجودية بالنسبة للمليشيا، وعلى الصعيد المقابل فان تعريتها هي ضرورة ماسة لضمان مستقبل اي استقرار وسلام في السودان، وهو ما لا يمكن ان يحدث في ظل استمرار وجود المليشيا.تقوم هذه السردية المغايرة للواقع على اركان اساسية، ابرزها:انكار تجاوزات وجرائم المليشيا وانتهاكاتها المستمرة، ومحاولة التشكيك المستمر في وقوعها بتكذيبها او احيانا نسبتها لاطراف اخرى -يتم ذكرها بانها ترتدي ازياء الدعم السريع في احيان وبانها مجرد مجموعات مسلحة مجهولة في احيان اخرى. وهذه السردية تتناقض بشكل كبير مع يراه الناس باعينهم على ارض الواقع.
ولكن بالرغم من ذلك ترى المليشيا ماضية فيه باصرار جوبلزي وصحافي عجيب، لمحاولة ترسيخه في اذهان الناس وخصوصا اطراف المجتمع الدولي التي وقعت في فخه في ايام الحرب الاولى.تستعين ابواق المليشيا ايضا في دعم ترسيخ السردية الاولى، بمحاولة ادعاء عداء جذري للمليشيا مع قوى النظام القديم والكيزان، متناسين ان مليشيتهم هذه هي احد منتجات النظام المخلوع ان لم تكن اسوأ جرائمه وافظع ادوات قمعه على الاطلاق. ويتناسون ان بعض سادة المليشيا الظاهرين والمستترين – مثل عبد الغفار الشريف، وطه عثمان الحسين – هم بعض ابرز واعنف رموز نظام المؤتمر الوطني المخلوع، واكثرهم فسادا على الاطلاق. وان ارتباطات المليشيا ومالكها محمد حمدان دقلو، برموز النظام المخلوع وشراكاته معهم مثل عبدالله صافي النور والصادق الرزيقي وحسبو عبدالرحمن (نائب البشير الاسبق) وغيرهم كلها في سياق المعلوم، فعليه يصبح لغو يوسف عزتومن لف لفه عن حربهم وعداءهم مع الكيزان هي في سياق الفارغة التي لا يُعتد بها.وكذلك تحاول سردية الدعم السريع تزوير صورة حميدتي كبطل الخير في هذه التراجيديا السودانية، بادعاء ان هذه الحرب هي نتاج المظالم التاريخية للهامش السوداني، وانها تهدف لانهاء دولة ١٩٥٦، وتحقيق دولة الحقوق والمواطنة كما يرد في هاشتاق المليشيا، وتحاول من اجل ذلك ادعاء او استلاف تمثيل اثني وجهوي لاهل دارفور، وتنظم وتعقد من اجل ذلك المؤتمرات التشاورية التي تكري وتبيع فيها الناس والدول.
وكان اخرها الموتمر الذي عقد في عاصمة توغو ، لومي والذي شارك فيه عضو مجلس السيادة الاسبق محمد حسن التعايشي ووزير العدل الاسبق نصر الدين عبدالباري
الذي لم يخفي سابقا في اجتماعاته بواشنطون عند اندلاع الحرب بان تصوراته لايقاف الحرب تتلخص في استبدال برهان بحميدتي في قيادة القوات المسلحة الشرعية في البلاد!هذا الخطاب المخادع خطورته الاكبر هو محاولة تجذير هذه الحرب بمحاولة تصويرها كصراع له جذور سياسية واجتماعية تاريخية، وليس مجرد صراع على السلطة بين شريكي انقلاب، اختلفا حول توزيع غنيمتهما المسروقة. وهذه السردية تتجاهل ايضا ان الدعم السريع ليس نتاج طبيعي اصيل لمظالم الهامش السوداني، بل هي صنيعة البشير لحماية نظامه، واداته التي استخدمها مرارا وتكرارا في قمع هذا الهامش وتعميق مظالمه التاريخية وتعقيد مشاكل التعايش فيه.
وما حدث في الجنينة للمساليت من اغتيال سياسي وقتل جماعي على اساس الهوية ليس الا مثالا على الطبيعة المتجذرة لطبيعة القمع والعنف السلطوي والاثني الذي نشأت عليه قوات الدعم السريع. هذه المليشيا ليس ممثلا لاي مظالم تاريخية حقيقية، بل هي تحاول استغلال هذه المظالم وتعميقها من جهة، واثارة المخاوف الاجتماعية والاثنية المرتبطة بها من جهة اخرى سعيا وراء التجنيد والتحشيد الاثني وللبحث عن شرعية زائفة لوجودها. وهذا الزيف لا يخدم سوى استمرار واستطالة امد الحرب.اما اكبر اثافي الزيف في بناء السردية المغايرة للواقع فهي كون الدعم السريع يحارب من اجل الديمقراطية وتأسيس الحكم المدني. وتلجأ ابواق المليشيا للتدليل على هذه الفرضية بموقف الدعم السريع من الاتفاق الاطاري وكأنه سدرة منتهى العمل من اجل الديموقراطية ويتناسى ان عليه خلاف كبير وسط القوى المدنية التي لم تقبل اجزاء واسعة ومقدرة منها به.
وهذا فيه مغالطة منطقية بالاساس لأن الاطاري ذات نفسه جاء محاولة من قوى الحرية والتغيير لقلب مسار الانقلاب الذي قام به حميدتي وبرهان بالشراكة معا. وموقف الدعم السريع في القبول به لم يأتي من باب استعادة الديمقراطية او دعم الحكم المدني، بل من باب الحفاظ على نفوذ المليشيا العسكري والسياسي لفترة تراوحت مدتها في التفاوض بين عشرة سنوات واثنين وعشرين سنة، وهما مواقيت غير معقولة كلاهما.
ولكنها تضمن للمليشيا نفوذها خلال الفترة الانتقالية التي حددها الاتفاق بعامين وعلى مدى دورتين انتخابيتين بعد نهايتها، بما يوفر لها الوقت الكافي لبناء منظومة فساد سياسي جديدة مستعينة بهذا النفوذ، الذي منحه واقره لها الاتفاق الاطاري باستقلال كامل عن جهاز الدولة التنفيذي، بل ومنحه ايضا ضمانات لاستمرار نفوذه الاقتصادي ايضا.
سردية الواقع المغاير التي تحاول المليشيا تخليقه، وتستعين عليه الانتهاكات التاريخية التي ظل يرتكبها الجيش السوداني منذ تأسيسه، وتحاول وضع نفسها كمقابل موضوعي له، هي سردية فاشية بائسة. لم يكتب على السودانيين ان يستبدلوا مؤسسة فاسدة باخرى اكثر منها فسادا. وحرب المليشيا مع الجيش، هي حرب سيئة، كل اطرافها فاسدون، ولن يستقيم في ذلك الترويج لاحداهما بدلا عن الاخر.
حفظ الله السودان وشعب السودان.