وكالات : كواليس
منعه والده من قول الشعر قبل أن يشتدّ عُوده، وأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه، لكنه أعلن إسلامه لاحقا وأنشد قصيدة “البردة” التي مدح فيها الرسول الكريم وطلب منه العفو، وتعد رائدة المديح النبوي.
هو الشاعر كعب بن زهير بن أبي سُلمى، نجل الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سُلْمى الذي كان مشهورا، وأحد أصحاب المعلقات، وربى أبناءه على الشعر.
ورغم أنه كان أنبغ أولاده، فإن زهيرا بن أبي سُلْمى منع كعبا من قول الشعر قبل أن يشتدَّ عوده، وظل يضربه ويحبسه ويحرمه كلما قال بيتا أو بيتين من الشعر.
وفي يوم، ركب زهيرٌ جملا وأردف ابنَه كعبا وراءه، وأخذ الجملُ يُهَملِجُ ويعدو، وراح زهير يقول الشطر من الشعر فيسمع من ولده الشطر الثاني الذي يتمُّ به البيت، وانتهت الرحلة بأن سمح زهير لولده بقول الشعر.
وعندما بلغ كعبٌ مبالغ الرجال كان الإسلام قد اشتدّ، وكان الرسولُ صلى الله عليه وسلم قد أسس الدولة الإسلامية في المدينة، فأما زهير فكان قد مات وكان أول من أسلم من أبنائه بُجَير.
لكن كعبا تلكَّأ، لا بل كتب إلى أخيه أبياتا يلومُه فيها على الدخول في الإسلام. فأهدر النبيُّ صلى الله عليه وسلم دم كعب. فاختفى وضاقت الدنيا في وجهه، ثم إن أخاهُ بجير بعث إليه ينصحُه بأن يَفد على النبي ويُسلِم.
فورد كعبٌ المدينة سرا وقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم متخفيًا متلثما، وبعد صلاة الصبح أسفر عن وجهه وأشهر إسلامَه، فأمنه النبي عليه الصلاة والسلام، فأنشده قصيدته في مدحه، وهي تبدأ على عادتهم بالنسيب أي الغزل الرقيق:
بانتْ سعادُ فقلبيِ اليومَ مَتبُولُ متيَّمٌ إِثرَها، لم يُفْدَ، مكبولُ
وما سعادُ غَداةَ البينِ إذ رحلوا إلَّا أغنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مكحولُ
ويصف كعبُ بنُ زهيرٍ سعادَ.. فهي هيفاءُ لا بطنَ لها، وهي عجزاءُ ممتلئةٌ إذا أدبرت:
هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبِرةً لا يُشتكى قِصَرٌ منها ولا طولُ
ولا تَمسَّكُ بالوصلِ الذي زَعمتْ إلَّا كما تُمسِكُ الماءَ الغرابيلُ
ومن أبيات القصيدة التي مدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه العفو:
أُنبئتُ أنَّ رسولَ اللهِ أَوْعَدَني والعفوُ عند رسولِ اللهِ مأمولُ
مهلا هداكَ الذي أعطاكَ نافلةَ القرآنِ فيها مواعيظ وتفصيلُ
لا تأخُذَنِّيِ بأقوالِ الوُشاةِ ولم أُذنبْ ولو كثُرتْ عَنِّيِ الأَقاويلُ
إنَّ الرسولَ لَنورٌ يُستضاءُ بهِ مهندٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ
في عُصبةٍ من قريشٍ قال قائلُهُمْ ببطنِ مكةَ لما أسلَموا زُولوا.