كتبت مقالا قبل أيام ذكرت فيه أن مصر دعت إلى قمة ثلاثية لدول جوار السودان، تشارك فيه معها دولتا جنوب السودان وتشاد، فاتصل بي الصديق العزيز السفير العظيم هاني صلاح سفير مصر في السودان، وافادني أن مصر دعت كل دول جوار السودان لهذه القمة، وأنه حتى ذاك اليوم وصلت موافقة من الرئيسين سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان، ومحمد كاكا رئيس تشاد، وفكرت أولا في تصحيح المعلومة في لحظتها، لكنني صرفت النظر بعد ذلك لعدة أسباب، أولها أن الدول الثلاث التي أشرت إليها هي دول الأمن والأمان في دول الجوار وفي غيرها، وهذا ما كان قد أشار إليه عنوان المقال، وهي وحدها تكفي وإن لم تستجب غيرها، وكثيرون يتمنون ألا تستجيب دولة أخري، وعلي المستوي أشارك الذين لا يتمنون، ولا أتوقع استجابة إيجابية من أخري. وأكثر ما يهمني، ويهم كل أهل السودان، هو مكان انعقاد القمة، مصر أخت بلادي الشقيقة، وهي الأقرب إلينا من دول العالم كلها أرضا وشعبا، ونحن الأقرب إليهم، ثم أن قضايانا كلها مرتبطة ومتداخلة مع بعضها البعض، وكذلك مصالحنا ومخاوفنا، نأمن لهم، ويأمنون لنا، ونعرفهم ويعرفوننا، والمسؤولون المصريون منذ فجر ثورة يوليو ١٩٥٢م، من أعلاهم إلى ادناهم وحتى يومنا هذا سجلوا انحيازا إيجابيا، ونصرة فاعلة لكل قضايا ومواقف السودان، ومعلومة مواقف الرئيس المصري السوداني محمد نجيب، ومقولة الرئيس جمال عبد الناصر “نحن مع ما يختاره السودانيون” كانت كلمة السر لاختيار السودانيين الاستقلال، وبقيادة الرئيس الإتحادي الزعيم إسماعيل الأزهري، ومعلوم أن ابن خالتنا” أم سترين” أو “ست البرين” كما صار إسمها في مصر، الرئيس محمد أنور السادات شهد عهده ازهي وانضر صور التكامل بين السودان ومصر، وكان لحكمة وحنكة الرئيس حسني مبارك الدور الأعظم لعبور العلاقات السودانية المصرية أخطر مراحل التحدي التي كان من الممكن أن تعصف بكل ما بناه السابقون الأولون، ولما جاء الرئيس السيسي بني علي ميراث كل من سبقوه من الرؤساء الراحلين في توطيد عري التواثق المصري السوداني، وجسد ذلك في عبارته الخالدة “نحن ما لناش غير بعض”وقمة القاهرة المرتقبة لدول جوار السودان، أهم ما فيها أنها في مصر، ومصر لا تفرط في السودان، لأنها لو فرطت في السودان، فرطت في بلدها، فلا يمكن أن تزكم الخرطوم دون أن تعطس القاهرة، كما أن العكس صحيح تماما، وظهر توازن واتزان قمة القاهرة من المرتكزات الأساسية التي وضعتها لها الحكومة المصرية، والمتمثلة في إحترام إرادة الشعب السوداني، والوقف الشامل والمستدام لإطلاق النار، والحفاظ علي مؤسسات الدولة، والتأكيد علي أن الأزمة في السودان شأن داخلي، وقرارها يهم أهل السودان وحدهم، وعدم السماح للتدخلات الخارجية، والتنسيق مع دول الجوار لتدارك التداعيات الإنسانية للأزمة، وتلك كلها ثوابت ومرتكزات أساسية لا خلاف حولها، ولذلك يتوقع من قمة القاهرة أن تضع الأزمة في مسارات الحلول السليمة، وتضع معهم أهل السودان في تحدي أن يكون بلدهم، أو لا يكون، وسيكون تحدي كل المكونات والأحزاب السياسية، والنخب، هو الأعظم، ونعود لهذا في مقال قادم بإذن الله تعالي.