تسور شخص مسلح حائط المنزل فتحرك عكرمة نحوه فور نزوله صحن الدار وسأله عن من يكون وما ذا يريد؟.
إجابة المعتدي كانت طلقة كادت تخترق عين عكرمة الذي سرعان ما تناول طبنجته وأردى المعتدي فوراً، وسرعان ما اكتشف وجود مسلح آخر فعالجه بطلقة أردته هو الآخر قبل أن يباغته ثالثهما بطلقة سقط إثرها على الأرض، فأطل جاره من الحائط الذي يفصل بينهما متسائلاً عما يحدث، إلا أن المعتدي الثالث صوب نحو رأس الجار فأرداه على الفور قتيلاً، وأثناء انشغال المعتدي الثالث بأمر الجار تحامل عكرمة على جرحه وتناول مسدسه وصوبه نحوه وأرداه قتيلاً، فهرع الجيران وحملوا عكرمة وزوجته التي أصيبت برصاصة في قدمها، ولكن روحه فاضت قبل وصوله المستشفى وخضعت زوجته لعملية جراحية.
تلك كانت ملحمة متكاملة الأرجاء لا يتجاوز مسرح أحداثها مئة متر مربع، ولكنها تنداح على مسرح بحجم السودان كله، بجهاته الأربع.
وفي زمن لم يتجاوز عشر دقائق، ولكنه يختصر قرنا من عمر السودان، تكاثفت مآسيه وفواجعه ومواجعه خلال الأربعة وثلاثين عاماً الأخيرة من عمره، لم يهنأ الوطن وإنسانه فيها بالراحة والطمأنينة والسلام.حقاً نحن نعيش عصر الهرج والموت المجاني بلا أسباب واضحة ومفهومة لا للقاتل ولا للقتيل، وكما قال أخوه الأصغر وهو يبلغني الخبر ويعزيني في أخيه بأن رائحة الموت تملأ فضاء المدينة، نفاذة، لا تخطئها الأنف. ولكن عكرمة باستشهاده البطولي هذا أرسل للقتلة الذين تشابهت أزياؤهم وسحناتهم القميئة – حتى أنك تعجز عن معرفة هوية قاتل
– ترك رسالة في بريد القتلة، أيَّاً كان لون ملابسهم بأن الخرطوم عصية على الانكسار، وأن شبابها بهم من الشجاعة والحمية والعزة والغيرة على العروض ما يكفي لردع كل جبان خائر رخيص. كما ترك رسالة أخرى في بريد المتقاعسين بأن عدم المشاركة في الحراك الثوري والانزواء في المنزل لن يفيد في شيء حين تقتحم قوى الشر عليكم الأبوابقيل: على من يريد السلام أن يستعد للحرب. فهل وصلت رسالة عكرمة ؟ قاتل بطلاً ومات شهيداً ..
هكذا يكون الرجال.عافٍ عنك دنيا وآخرة ابني عكرمة أنا … وفخور بك. وعليك السلام، يوم ولدت ، ويوم استشهدت بالحق. ويوم تبعث حياً بين رفاقك الشهداء، يا أطيب الناس وأنبلهم.