رصد: كواليس
كشفت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” عن هروب المئات من عناصر قوات الدعم السريع من جبهات القتال في الخرطوم، لا سيما أن المعارك قد طال أمدها بعيداً عن مناطقهم، لا سيما دارفور، موضحة أن عمليات تصفية أمر بها قادة هذه القوات ضد بعض من ضُبطوا هاربين.
تفاصيل حصل عليها “عربي بوست” متعلقة بالأماكن التي شهدت إعدامات لعناصر من قوات الدعم السريع التي هربت باتجاه دارفور، وذلك بأمر من قيادة هذه القوات لوقف الانسحابات الكبيرة التي حصلت خلال الأيام الماضية، إثر رفض عدد من عناصر الدعم السريع الاستمرار في القتال في العاصمة.تصفيات ميدانية للهاربينعلى إثر الانسحابات التي قامت بها عناصر من قوات الدعم السريع دون علم قيادتها، نشبت اشتباكات عنيفة متقطعة بين مجموعات من هذه القوات المتمركزة قبالة “كبري ود البشير” (جسر)، شرق سوق “ليبيا” غربي العاصمة (الخرطوم)، بحسب شهود عيان.وقالوا لـ”عربي بوست”، إن “الاشتباكات شهدت كذلك تصفيات جسدية دامية بين أفراد قوات الدعم السريع يومي الأربعاء والخميس 11-12 مايو/أيار 2023، بسبب إصرار عدد منها على الانسحاب والعودة إلى دارفور، إلا أنه قبض على عدد منهم خلال محاولتهم الهروب بالزي المدني، وتمت تصفيتهم أمام الجميع، وكان مسموعاً منهم بأن ما قاموا به يعود إلى أوامر من قيادة هذه القوات بتصفية من يُضبط هارباً من جبهات القتال”.سبق كذلك أن صدر بيان عن الجيش السوداني، تطرّق فيه إلى أن “عدداً من المتمردين يهربون من العاصمة الخرطوم”، دون مزيد من التفاصيل.أفاد السكان المحليون في حي امبدة الحارة الخامسة، المتاخم للكبري في الخرطوم، لـ”عربي بوست”، بمشاهدتهم “جثث العناصر التي تمت تصفيتها داخلياً من قوات الدعم السريع صباح الخميس قبالة كبري ود البشير، ونقاط التفتيش، ولا تزال آثار الدماء على الأرض، وقد كانوا يرتدون زي الدعم السريع حين جرت تصفيتهم”.أكد السكان الذين امتنعوا عن ذكر أسمائهم، أن “التصفيات تمت رمياً بالرصاص، وأن آخرين أُجبروا على العودة إلى مواصلة القتال حتى النهاية، أو إعدامهم ميدانياً”.ولم يتسن لـ”عربي بوست” معرفة مصير الجثث أو الجهة التي نُقلت إليها بعد تصفيتها ميدانياً، كما رفضت مصادر من الدعم السريع التعليق على هذا الموضوع.عن الأماكن التي شهدت بالتحديد انسحابات كبيرة لعناصر هذه القوات، قالت المصادر إنها انسحبت من الارتكازات داخل الأحياء السكنية بمُدن العاصمة الثلاث (الخرطوم عموم وأم درمان والخرطوم بحري)، خاصة أم درمان”.كيف ينسحبون؟قال شهود عيان في مناطق شمال كردفان ودارفور، لـ”عربي بوست”، إن أغلب السيارات المنسحبة من قوات الدعم السريع وصلت من شمال غرب مدينة أم درمان غرب الخرطوم، وبعضها تحرك غرب العاصمة مروراً بعدد من القُرى الصغيرة عبر طرق داخلية، تفادياً لاستهداف طائرات الجيش السوداني، وتجنباً للدخول في أي صدام مع عناصر الجيش المنتشرين على الطريق الغربي.وبعض المنسحبين سلكوا “طريق الأربعين القديم”، الرابط بين أم درمان وإقليم دارفور، وصولاً إلى حاضرة شمال دارفور. وقال شهود عيان “تعبر هذه المناطق بشكل يومي عشرات السيارات لعناصر الدعم السريع المنسحبين، بعضها مسلح وبعضها الآخر سيارات مدنية، يقولون إنهم استولوا عليها من الخرطوم، وبعضها سيارات شحن كبيرة على متنها الكثير من العناصر الهاربين”.وقام مراسل “عربي بوست” بتصوير بعض الأفواج للمقاتلين المنسحبين من جبهات القتال في الخرطوم إلى دارفور، وهم يرتدون اللباس المدني بعد خلهم زي قوات الدعم السريع.إلى أين يذهبون؟قال مصدر مطلع من شمال دارفور، طلب عدم نشر اسمه، إن هذه الأعداد الكبيرة من قوات الدعم السريع وصلت غالبيتها بالفعل إلى شمال دارفور خلال اليومين الماضيين، ولا تزال هناك أعداد أخرى كبيرة تقدر بالمئات، تتوافد بحذر، لا سيما أن العناصر يصلون وهم يرتدون أزياء مدنية.وفقاً للمصدر ذاته، يحط أغلب المنسحبين إلى دارفور، في قلب مدينة الفاشر، خاصة في الجزء الشرقي للولاية الذي يقع تحت سيطرة الدعم السريع، بعد الاتفاق الذي وقعته ما تعرف بـ”لجنة المساعي الحميدة” المكونة من العُمد ومشايخ الإدارات الأهلية والأعيان القبلية وأئمة المساجد في شمال دارفور، والتي وقّعت على اتفاق نجح في وقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع في المدينة، وقضى أن تكون مدينة الفاشر مقسمة على طرفي النزاع، لتكون المنطقة الغربية تحت سيطرة الجيش، والشرقية للدعم السريع.لماذا يعودون إلى دارفور؟عدد من المقاتلين الذين وصلوا إلى الفاشر سافروا إلى مناطق خارج الولاية، إلى القرى والمحليات المجاورة، وتحدث “عربي بوست” مع بعضهم عن أسباب انسحابهم، فقالوا إنهم “يشعرون بالاستياء لعدم صرف أية رواتب لهم خلال الفترات الماضية، وبسبب انقطاع الإمدادات اللازمة لمواصلة القتال في العاصمة”.
من جانبه، قال الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني، أمين إسماعيل، لـ”عربي بوست”، إن “قوات الدعم السريع فقدت السيطرة على جزء من عناصرها، بسبب انقطاع الإمدادات العسكرية، وفقدان الاتصال المتكرر بالقيادة، بالإضافة إلى أن بعض القبائل في دارفور قررت سحب أبنائها من القتال الذي طال كثيراً”.
قطع الإمدادات أكد أحد المنسحبين الذين وصلوا إلى دارفور، في حديث مقتضب لمراسل “عربي بوست” أن “قطع الإمدادات المادية والعسكرية” كان أبرز سبب لانسحابهم من جبهات القتال.
قال أحد ضباط الجيش السوداني لـ”عربي بوست”، تعليقاً على ذلك، إن “القوات العسكرية الرسمية قامت بقطع الإمدادات عن قوات الدعم السريع في شمال كردفان، من خلال الطائرات الحربية، ما أعاق وصول أي إمدادات لهذه القوات”.وأضاف طالباً عدم نشر اسمه، كونه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، أن “إمدادات الدعم السريع من الجهة الغربية في الخرطوم، قطعها الجيش بشكل كامل، في حين سمحت قوات الجيش للعناصر المنسحبة من الخرطوم، المتجهة غرباً إلى دارفور، بالعبور دون اعتراضها، إذا كانوا أفراداً على متن سيارات مدنية وشاحنات أو حتى سيارات عسكرية، لكن دون سلاح”.
لكنه أشار إلى أن قوات الجيش تمنع أية تحركات في الاتجاه الآخر، أي نحو الشرق، لا سيما أنها أعلنت في شمال كردفان حالة الطوارئ منذ الأسبوع الماضي، عقب الاشتباكات العنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
يشار إلى أنه منذ 15 أبريل/نيسان 2023، اندلعت في عدد من مدن السودان اشتباكات واسعة، بين الجيش وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، معظمهم من المدنيين، في حين أعلنت السعودية استمرار محادثات جدة بين طرفي النزاع، بهدف التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار لنحو 10 أيام، بمراقبة أمريكية- سعودية دولية، ثم مشاورات أخرى لوقف دائم للاقتتال. السودان الحقيقة كما يجب أن تكون.