* التلف الأكبر، والضرر الذي لا يمكن جبره بالنسبة لمتمردي الدعم السريع وقائدهم (حميدتي) لا يتعلق بالخسائر البشرية الضخمة التي ألحقها بهم الجيش، وهي عالية بدرجة جعلت حميدتي نفسه يعلن أن فقد 4800 من جنوده بضربة واحدة، ويُقِر بجهله بأعداد قتلاه، مثلما لا يعرف أحد عدد الجرحي والمصابين، وهي ضخمة بدليل أنهم اضطروا إلى احتلال (14) مستشفى لعلاج المصابين في العاصمة وحدها (علاوةً على اتخاذها سواتر من ضربات نسور الجو).
* الضرر المذكور لا يتصل كذلك بالخسائر المادية التي حدثت للمتمردين في الأسلحة والمعدات، مع أن هجمات الجيش حولت آلاف التاتشرات إلى أكوام محروقة من الخردة، ولا بمقارهم، التي تعرضت كلها إلى القصف والتدمير، الشيء الذي دفع المتمردين إلى احتلال منازل المدنيين بعد تهجيرهم منها، واقتحام المؤسسات الحكومية والمدارس وأقسام الشرطة ومراكز الخدمات (مثل محطات المياه والكهرباء والمطار ومصفاة الجيلي وغيرها).
* الضرر الأكبر، والخراب الذي لا يمتلك له قادة مليشيا آل دقلو دفعاً ولا تعويضاً حدث للصورة الذهنية لتلك القوات في أذهان عموم أهل السودان.
* ليس خافياً أن قائد المليشيا أنفق أموالاً طائلة، وبذل مجهودات ضخمة لتجميل صورته وتلميع سمعة قواته، سعياً إلى دفع الاتهامات التي لاحقتها إبان عملها في إقليم دارفور، ودمغتها بقتل المدنيين ونهبهم وحرق قراهم وممارسة الإبادة الجماعية، وليس خافياً أن حميدتي تعاقد مع شركة كندية متخصصة في مجال الدعاية والعلاقات العامة (اسمها ديكنز وماديسون ويديرها اليهودي آري بن مينهاشي) بعقد قيمته ستة ملايين دولار، لتلميع صورة الدعم السريع، ودفع الاتهامات التي لاحقتها، وتحسين سمعتها.
* ذلك علاوةً على شراء ذمم المئات من الإعلاميين والناشطين وصانعي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، واقتناء صحيفة كبيرة (الصيحة)، وإطلاق آلاف الصفحات والحسابات المساندة للدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي، بدجاج إلكتروني يعمل على مدار الساعة داخل وخارج السودان، بالإضافة إلى شراء ولاء العديد من القيادات الأهلية بالمال والعطايا في شتى بقاع السودان.
* فوق ذلك أنفق قائد المتمردين أموالاً طائلة على أعمال (خيرية) متنوعة لتشييد مدارس ومستشفيات صغيرة ومراكز صحية وآبار للمياه، ساعياً إلى تصوير قواته ومؤسساته الاقتصادية الضخمة وإمبراطوريته المالية العابرة للقارات في صورة منضبطة تنفي عنها كل الاتهامات التي طاردتها لسنوات.* انهار كل ذلك الجهد الضخم والإنفاق المهول في أسبوع واحد، عندما شاهد العالم كله ما فعله متمردو الدعم السريع بعاصمة البلاد.
* ظهر المتمردون في هيئة عصابات متفلتة قوامها مجرمون وقطاع طرق، تخلو قلوبهم من الرحمة، ولا يحكمهم أي وازع من الدين أو مكارم الأخلاق، فاحتلوا المرافق الحكومية والخدمية، وقطعوا الماء والكهرباء والدواء عن المواطنين، وهاجموا السجون وأطلقوا سراح الآلاف من معتادي الإجرام، ونهبوا المتاجر والأسواق والبنوك التجارية، واقتحموا المنازل وأخرجوا سكانها منها وسرقوا محتوياتها وسكنوا غالبها، بعد أن نشروا أسلحتهم الثقيلة في الأحياء والمنازل، ولم تسلم منهم حتى البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، فاعتدوا عليها ونهبوها وأطلقوا النار على أفرادها وقتلوا وجرحوا بعضهم، ليضطروها إلى الفرار من العاصمة والبلاد فرار الصحيح من الأجرب، ودمروا المطارات وأحرقوا الطائرات والصالات، واقتحموا المصانع ونهبوها وأحرقوها، واستولوا على سيارات المواطنين ولم تسلم منهم معارض السيارات، ونشروا الرعب في الطرقات بارتكازاتهم التي تحولت إلى محطات للسلب والنهب والإهانة المتعمدة للمواطنين.
* لم تسلم منهم الطرق القومية فقطعوها، ونهبوا سالكيها، واقتحموا المستشفيات وأخلوها من مرضاها، ولم يرحموا نزلاء أقسام العناية المكثفة، كي يختبئوا فيها ويعالجوا جرحاهم داخلها وينشروا أسلحتهم في أقسامها وأعالي مبانيها، مثلما احتلوا الإمدادات الطبية ومنعوا الدواء عن المواطنين.
* دمروا كامل البنيات الأساسية للعاصمة، وتسببوا في مقتل المئات وجرح الآلاف وتهجير الملايين، وعرضوا عاصمة البلاد إلى دمار غير مسبوق، لكنهم ومن دون أن يدروا دمروا قبل ذلك كله الجهد الذي بذله قائدهم لتجميل صورته وتحسين سمعة قواته، التي تحمل الموت الزؤام وتنشر الرعب والخراب والدمار أينما حلت.
* فعل المتمردون كل ذلك وما زال قائدهم يتشدق بالحديث عن أنه شنّ حربه سعياً إلى استعادة الديمقراطية والحكم المدني لأهل السودان، ولا ندري عن أي ديمقراطية وحكم مدني يتحدث؟!
* من أسقطوا حكم الإنقاذ لم يطلقوا رصاصةً واحدة حتى عندما تعرضوا للقتل والسحل بواسطة قوات القتل السريع في المواكب وميدان الاعتصام، وظلوا يفتحون صدورهم للرصاص ويهتفون (سلمية سلمية).. والسلمية نقيض البندقية التي يقتل بها متمردو آل دقلو أهل السودان الآن!
* من يخبر حميدتي أن الديمقراطية التي يتشدق بها نقيض الخيار العسكري الذي استخدمه لمقاتلة الجيش والاستيلاء على السلطة، لأن الديمقراطية تعني في حدها الأدنى التداول (السلمي) للسلطة.
* كيف يريد حميدتي أن يحكم أهل السودان وجنوده يقتلونهم ويروعونهم وينشرون الرعب بينهم ويسطون على دورهم ويخرجونهم منها ويمنعون عنهم الماء والكهرباء والدواء، ويسرقون ويدمرون المتاجر والأسواق والمستشفيات وكل مراكز الخدمات؟
* قد يتمكن حميدتي وشقيقه (إذا أفلتا من الورطة الحالية) من تعويض قتلاهما بتجنيد المزيد من المرتزقة من بعض دول الجوار، وقد يستطيعان تعويض الأسلحة والمعدات التي دمرها لهم أشاوس الجيش بشراء المزيد منها لاحقاً، وقد ينالان سماحاً من عشيرتهما مع أنهما تسببا في أكبر نكبة لها بمقتل الآلاف من شبابها، لكن المؤكد الذي لا جدال عليه أنهما لن يستطيعا صيانة سمعة قواتهما المتوحشة، بعد أن صارت قريناً (للمغول والتتار) في نظر كل أهل السودان!
* سيدِّون تاريخ بلادنا ما فعله آل دقلو بها في صفحات قاتمة، حبرها الدموع والدماء، وحروفها الرعب والأشلاء، ومتنها الخوف والبكاء، وسيذكر أنهم أرادوا أن يقضوا على الجيش الباسل فرفعوا قدره وعظّموا قيمته عند كل أهل السودان، لأن جنوده شرفاء نبلاء، لا يسرقون ولا يعتدون على الحرائر والأطفال والشيوخ، ولا يروعون الآمنين، ولا أدلّ على ذلك من الحفاوة التي يستقبلهم بها أهل السودان أينما ظهروا، وزغاريد الحرائر التي احتفت بهم وشدّت من أزرهم، ومسيرات المساندة التي انتظمت البلاد من أدناها إلى أقصاها، فهل رأى دقلو إخوان مسيرة دعم واحدةً لهم في أي مكان في السودان؟
* حتى مظاهريهم في الجناح السياسي استتروا وخجلوا من إظهار دعمهم لهم، بسبب قبّح فِعالهم وشدة نكالهم بالمدنيين العُزّل.. ويا لها من نهاية محزنةٍ لهم.
* نقول لأهلنا المكلومين في خرطوم الصمود ستعود الطمأنينة قريباً بحول الله، وسيذهب المولى عز وجل الباطل ويمحقه، ويُحِقَّ الحق بكلماته، وإنما النصر صبر ساعة، فاصبروا وصابروا واحتسبوا وادعموا جيشكم الباسل حتى ينتصر وتخرج جحافل نصرنا لتشيع المعتدين الغاصبين إلى مزابل التاريخ.. وبئس المصير.