تحقيق:-فريق المرصد السوداني
نشأ الغول وترعرع وسط (العتمة) السياسية التي فرضها النظام السابق وخلقت أجساماً شبحية تمارس(غسيلاً) غذرا محمياَ بالتوجس والخوف من الضوء ، لذلك غابت الشفافية وضاقت دائرة التعامل المالي وتلاشت دورات التسليم والتسلم وفي هذه البيئة تمدد الغول. في يوليو 2016 وضمن الورش التمهيدية للمؤتمر العام السادس للحزب الشيوعي السوداني تم تقديم ورقة عن قضايا التمويل الحزبي أستنكر مقدميها تفلت أعضاء الحزب بإتجاه المنظمات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص ووصفت الورقة الدعم الغربي لكوادر الحزب عبر المنظمات والمراكز الثقافية (بالمكارثية الناعمة) ، كما أوصت باتخاذ إجراءات تنظيمية ضد أي عضو تلقى تمويلا أجنبيا بأي صفة ودراسة إمكانية الإستفادة مما نص عليه قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية 2007 بشأن التمويل الحكومي للأحزاب السياسية.
قانون المنظمات والعمل الطوعي للعام 2006 يحظر تلقي أي دعم أجنبي للمنظمات إلا عبر وزارة الشؤون الإنسانية ومفوضية العون الإنساني مع توضيح حجم الدعم وأوجه صرفه التي لا تتنافى مع سياسة الدولة وهو الأمر الذي خرقته عدد من واجهات العمل السياسي وتم وقف مركز الخاتم عدلان لإرتكابه *مخالفة تلقي دعم بدون إخطار الجهات المختصة.وما حدث في السودان مؤخرا من أزمة تتعلق بمنظمات المجتمع المدني التي تعتمد في تمويلها على الخارج خصوصا من قبل الولايات المتحدة الأميركية يفتح الباب على مصراعيه على طبيعة وأهداف التمويل الأجنبي، خاصة الشق المتعلق بتمويل العديد من المنظمات الأجنبية لمشاريع وأنشطة تلك المنظمات فقد شكلت قضية تمويل منظمات المجتمع المدني الحدث الساخن والأهم في السودان بعد سقوط نظام الإنقاذ، إثر ثورة ديسمبر 2018 والتي منذ اليوم الأول لم يكن فيها مجال للسؤال عن من أين لكم هذا؟؟ وإن حدث فستكون الإجابة:- (الحصة وطن). فقد كان الهاجس الأمني والخوف من (شق الصف) غطاءاً لفسادٍ كبير يحدث في الظل،ومنذ أن نصبت خيام إعتصام القيادة العامة في 6 أبريل 2019 وحتى فضه في 3 يونيو 2019 لم يشهد الإعتصام لجنة مالية مركزية للمناشط أو الإعاشة ولا حتى المنصة التي يتجاذبها تجمع المهنيين تارة وقوى الحرية والتغيير تارات ، فكانت شركات ومؤسسات مثل مجموعة دال ومجموعة محجوب أولاد ومنظمة مجددون وحملات تبرعات الخارج من خيرين ووطنيين ومحسنين ومناشدات داخلية عبر وسائل التواصل الإجتماعي وفوق ذلك الدعم الداخلي عبر صندوق (عندك خت ما عندك شيل) كما أن هناك خيام لمنظمات وجمعيات داخل الإعتصام تتلقى ميزانيات تسيير من ممولين داخليين وخارجيين وكذلك عدد من الروابط والتجمعات المهنية التي هي أيضا لديها تمويل منفصل لمناشطها وفعالياتها بإستقلال كامل عن تمويل الإعتصام ككل ، وكل متبرع ينفق عبر من يثق فيه وفي تقديراته سواء كان شخصا أو هيئة .ثم كثير من الجهات الداعمة تدعي تمويلاً كاملاَ للإعتصام أو تتوهم تصديق ما ينقله لها الوكلاء والوسطاء عن ذلك ولأنه ليست هناك منافذ موحدة لتحصيل الإيرادات ولا صرفها فإنه من الصعب نفي إدعاء أو إثباته عن قضية تمويل الإعتصام الذي هو روح الثورة لكن الثابت أن المال السائب (يعلم السرقة) لأن الإنسان غير معصوم من الذلل حتى وإن كان مستعداً للتضحية بروحه.
نختم هذا التحقيق بسرد المبررات التي دعتنا لكتابة التحقيق والمحاذير التي تصاحب قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى وكذلك المخاطر المرافقة لهذا الموضوع، من مخاطر التمويل الأجنبي ضعف اطإستقلالية قرار منظمات المجتمع المدني وسيرها في خط تحقيق الأهداف السياسية والإقتصادية والأمنية للدول المانحة مما بشكل خطراً على مفهوم العمل الطوعي والذي هو استعداد الأفراد للعطاء والإنفاق في ما هم مؤمنين بجدواه ، ثم ضياع فعالية المنظمات مع غياب الإستقلال المالي لها بسبب سيادة الشروط التي يفرضها الممولون وأهدافهم غير المعلنة التي يسعون إلى تحقيقها ،ما يؤدي لمزيد من التنازلات التي تقوم بها المنظمات والمراكز الممولة..كذلك من مخاطر التمويل الأجنبي أن المانحين يفرضون أنشطة محددة على متلقي المنح وقد لا تتوافق هذه الأنشطة مع طبيعة الدول والمجتمعات التي تعمل فيها المنظمات المدعومة مثل دعم قضايا النسوية وقضايا المثليين بدلاً عن القيام بأنشطة تستهدف الإستجابة للإحتتاجات المحلية لبلدانهم ، وهو ما يجعل هذه المنظمات مجرد آليات لتنفيذ المخططات الإستراتيجية للأجهزة الحكومية والدول الغربية التي توظف إمكانياتها المالية لتحقيق الأهداف السياسية والثقافية داخل الدول النامية وتستخدم منظمات المجتمع المدني لتحقيق تلك الأهداف لذلك يعتبر التمويل الدولي آلية من آليات الإستخبارات والتجسس وتتبع أوضاع السياسيين و مواقف الفاعلين داخل الدول المستهدفة ولذلك فالتمويل الأجنبى للمنظمات ينتهك سيادة الدولة ويعد إختراقا لمؤسساتها ويشكل تهديدا فعليا لأمنها القومي.