وكالات : كواليس
دنيا ميخائيل، شاعرة وروائية عراقية، تعمل حاليا محاضرة للغة العربية بجامعة أوكلاند في ميشيغان، تؤمن بأن الآداب والفنون قادرة على إعلاء صوت المهمشين، لذلك هي تنتصر في كتاباتها للإنسان.
حصلت في العام 2001 على جائزة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، وفي كتابها “في سوق السبايا” (2017) تؤرخ لحكايات مؤلمة لنساء من بلدة سنجار في العراق استطعن الفكاك من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، في تلك الحكايات أحداث وشخصيات وأمكنة، وتفاصيل عن عذاب الأسر، وكيف يتم تبادل الإيزيديات كسبايا حرب، وفي الكتاب أيضا تفاصيل عن المقابر الجماعية وضياع الأحلام.
في عام 2018 ترشح كتابها “في سوق السبايا” في نسخته الإنجليزية للقائمة الطويلة للجائزة الوطنية للأدب المترجم، وللقائمة القصيرة لجائزة جون كينيث غالبريث، ووصلت روايتها “وشم الطائر” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية للعام 2020.
ترى دنيا ميخائيل أن واقع المرأة في جميع أنحاء العالم دون مستوى التوقعات والأحلام.
صدرت لها عدة مجموعات شعرية، منها: يوميات موجة خارج البحر، الغريبة بتائها المربوطة، على وشك الموسيقى، الليالي العراقية، نزيف البحر، الحرب تعمل بجد.
وفي روايتها الأولى “وشم الطائر” (2021) اعتمدت دنيا ميخائيل في تسجيل الأحداث على ما دونته من وقائع حزينة خلال زيارتها للعراق عام 2016، وجاءت الرواية كجزء مكمل لكتاب “في سوق السبايا”، ولكن بأسلوب روائي يكتظ بالشخصيات والأزمنة والأمكنة من خلال قصة حب وزواج هيلين وإلياس.
في هذا الحوار تتحدث دنيا ميخائيل عن العراق الذي تتمناه فضاء رحبا يشبه السماء، وعن القارئ المثالي، وكيف أثر الشعر في كتابة الرواية..
-
لماذا تكتبين؟
كي لا أصاب بالجنون.
-
كتابك “في سوق السبايا” عبارة عن شهادات لضحايا العنف من النساء الإيزيديات، بالنسبة للقارئ أنت تقدمين وثيقة فكرية تتضمن تواريخ وأحداثا وشخصيات حقيقية، إلى أي درجة اقتربت من تلك المعاناة؟ وهل أنت بذلك تعيدين تعريف التاريخ المسكوت عنه؟
سبي النساء وبيعهن في السوق مسألة غير قابلة للتغاضي، ولهذا استجبت لها بكل الأجناس الأدبية شعرا ونثرا وسردا، ذهبت بنفسي إلى موقع الحدث (قرى سنجار شمال العراق) وتحدثت مع نساء كن قد خُطفن وهربن، استمعت إليهن وإلى رجال قُتلوا ولم يموتوا (تظاهروا بأنهم موتى وبعدئذ هربوا بجروحهم ينزفون).
قصص أغرب من الخيال سجلتها كمادة خام في البداية في كتاب “في سوق السبايا” ثم اشتغلت عليها كرواية “وشم الطائر”، فكيف لي إعلاء صوت المهمشين بغير القلم؟ أداة تتفوق على السلاح لأنها تقاوم عامل الزمن فتبقى الكلمات ناصعة، فيما تصدأ الأسلحة.
-
كيف ترين واقع المرأة في عالمنا المعاصر؟
واقع المرأة حاليا دون مستوى الطموح، ليس في الوطن العربي فحسب، بل في كل مكان في العالم.
لا تزال المرأة هي الجنس الثاني المستخدم لصالح الجنس الأول، وآلية المجتمع الأبوي مصممة أصلا على هذا الأساس، أما الاستثناءات القليلة فتبدو مثل التماعات متناثرة في مجرة كبيرة.
-
ما مواصفات القارئ المثالي بالنسبة لك؟
القارئ المثالي لا ينتظر أجوبة من الكاتب، بل أسئلة تحفّزه على تشكيل قناعات واستنتاجات شخصية، القراءة الإبداعية المتفاعلة لا تقل أهمية عن الكتابة الإبداعية، ولها يعود الفضل في اكتشاف اللآلئ بداخل حلزونات الكتابة.
-
ما شكل الوطن الذي تحلمين به؟
كشكل السماء التي تحتوي طيورها إن هاجرت أو عادت أو سكنت، ولا تحد من تحليقها إذا حلّقت، ولا تهددها بطلقة إذا حطت على شجرة.
-
كرامة العيش، حق الوجود، الظلم المجتمعي، الاستبداد المحلي، المرأة المعنفة، هذه الموضوعات الجدلية تطرقت لها في أعمالك الشعرية والروائية.. إلى أي مدى يشغلك الإنسان؟
إلى المدى الذي يتجلى فيه الكائن بكل بهائه الإنساني.
-
هل يمكن أن نعتبر أعمالك وثائق اجتماعية للتاريخ العراقي المعاصر؟
لا أدري، كل الأعمال الأدبية يمكن أن تعد وثائق اجتماعية لتاريخ ما، الفن بالنهاية شفرة حياة لعصر معين وذاكرة تنتقل من الحاضر إلى المستقبل، وهنا تتجلى أهمية الفن، إذ تظل تأثيراته عابرة للأزمان، كما أنه يقدم الوجهة الأخرى للعملة الأيديولوجية التي قد يروج لها أولئك الذين من ذوي النفوذ والفكرة الأحادية للأمور.
-
في دواوينك “الليالي العراقية”، و”الحرب تعمل بجد” تستعرضين سيرة الحروب العراقية الطويلة، هل استطاع الشعر أن يحوي كل تلك الصورة المؤلمة للحرب؟
قصائدنا هي وقائعنا الجمالية التي ننتشلها من الوقائع المأساوية.
-
غادرت العراق وعشت مرحلة مهمة وتأسيسية من حياتك بعيدة عن بلدك الأول، لكن العراق حاضر بإرثه الحضاري وهمومه وحروبه.. هل الكتابة هي تقديم رؤية موازية للواقع بكل تجلياته؟
عشت الـ30 سنة الأولى من حياتي في العراق، ستبقى ظلالها في ذاكرتي، ظلال الحرب والخراب والجمال وكل شيء آخر عشته أو تركته، لم أفكر من قبل بالعلاقة بين ما أكتبه وتاريخ بلدي، ولكن في كل كتابة أثر لتاريخ ما.
برأيي، التفاصيل الصغيرة التي ندونها هي التي تعكس شؤون الحياة الكبيرة، تاريخ بلدي يعود إلى بداية العالم، فكل شيء حدث فيه قد حدث للمرة الأولى في العالم، وأنا حين أكتب شيئا جديدا أشعر بأني ألمس لحظة الاكتشاف الأولى تلك.
-
الرواية قد تستخدم وقائع التاريخ ليس من أجل توثيقها بقدر ما تخبرنا عن تأثير تلك التحولات المجتمعية على الإنسان.. كيف ترين المسألة؟
نعم، بالضبط، الرواية لا تخبرنا عما حدث فقط وإنما تستدل على آثار ذلك الحدث على حياة الإنسان، لا توثق التاريخ فقط بل تقتنص ظلاله، وذلك هو فرقها عن كتب التاريخ، إذ إن اعتناءها بالواقعة التاريخية هو بالأساس من أجل تتبع وقعها وإيقاعها في الروح.
-
في روايتك “وشم الطائر” استخدمت الأسطورة لما تمثله من أبعاد رمزية وتاريخية في حياة الشعوب.. برأيك، هل هناك ما يجمع مآسي الإيزيديين في تلك الأسطورة؟
استخدمت أسطورة بلع الحوت للقمر وطقوسها التي هي من الممارسات الشعبية في العراق بشكل عام وليس فقط لدى الإيزيديين.
من وجهة نظري، تعبر هذه الأسطورة الشعبية عن مدلولات ثقافية وتاريخية ذات علاقة بالوضع المتأزم الذي مر به العراق في التاريخ المعاصر على الأقل.
وحسب روايتي، ترتبط تلك الممارسات الشعبية بالحروب والكوارث التي مرت في العراق بشكل عام، فنجد شخصيات الرواية تفعل ما بوسعها لتبعد الخطر عن القمر، وهي مفارقة اشتغلت عليها في الرواية على عدة مديات، فمن ناحية هم يلقون اللوم على “الحوت” وليس على صناع السياسة، ومن ناحية أخرى هم يهرعون إلى نجدة القمر المتأزم، فيما هم أنفسهم بأمس الحاجة إلى الإنقاذ.
-
ماذا غيرت فيك الأمومة؟
جعلتني أكثر هشاشة وعطفا أمام قسوة الحياة.