ذرياب المغني بقلم علي بلدو

مجرد اقترابك من تجربته تتورط في سياقاتها الفنية و دهاليزها الابداعية و تلقي بك في سرداب الدهشة و الامتاع الموشي بالق الوطن و الجروف و سمو النخيل و عنفوان النيل.و تجرفك الى مزلقانات الالفة و الشوق و الحنين الدافق الى عبق فضاء الامكنة.، و تدفعك دفعا للتلاشي في فضاءات العدم.
لا تستطيع المقاومة او الهروب من تلك الرائحة التي تشئ بشئ من الفتنة و البراءة و قدرا من القلق و التوجس في تلك الملامح الطافحة بالبشاشة و محاولتك المستميتة في كيفية فك شفرة طلاسم مغنطيسيته الفريدة و المفرطة و التي يتمتع بها دون سواه,في جذب كل من حاول الاقتراب من مداره، و كانها يعسوبات عشق تصطلي بنيران غرام أضر بالحشى و الفؤاد، ليتداعى في براحات الانس و ينداح عبر محفزات الولع و التهتك في حضرة الجمال و كانه النابلسي في حضرة التجلي و التحلي و التخلي:

طلعة كلها جمال ان بدت تفتن الجميع
زان عشاقها الكمال يتهنى بها الخليع
زال مال جال طال
كل شي الى الفنا
ها ههنا طاب وقتنا للمسرات و الهنا

نشأ في اقصى الشمال و عمل نجارا مسلحا فمارس الفن بالازميل و كأنه فدياس عصره، و النقش بالجير و النوكرين و هنا تتقاطع الانسانية الضاجة حنان و رافة و سلامة قلوب في انحيازها الحصري للمهمشين و البؤساء و ما اكثرهم في هذه البلاد.
غنى لهم و اطرب الغبش و الرجرجة و الدهماء و الغوغاء و ملح الارض و الجنقو و الطبقات المعدمة و التي تشكل فسيفساء هذه الارض و لو كره الحاكمون.
ملامح من السماحة و الايثار و انسياب كما النيل و الذي ابحر مطربنا عكس مصبه مقاوما للتيار في حميمية شديدة الرهافة و خارجة عن المالوف في سحر لا يضاهى في قدرته على اشعال لحظات البوح و الالم و الوجع.
تميز ابوعبيدة بغوصه العميق في موضوعيته الذاتية و شموليته المترعة و عالمه الصارخ الجامح كثير النتؤات و متنقلا بيين الازمان و حقا لقد سافر صاحب عقد الجواهر ببين الازمنة و عبر من غنى تببري من الالم حاجز الصوت الشعرى و الغنائي.
تبايين ذاكرة جغرافية الامكنة حفزته للتشبث بلحظات بالغة الخصوصيية في براءة تتجاوز شبق المفردة في تطهرها من ليالي تفاصيل وحشة الالم في نشاذ و جنوح حنينه.
اضاف مبدعنا وترا سادسا للطمبور و ادخل الطمبور الكهربائيي و غنى به في الاوركسترا.’ ها هو ذرياب يبعث من جديد ليتالق و تمشي بذكره الركبان,.
لا ازال اذكرك في احدى وعكاتك الصحية و انت تحمل فرشاة رسمك و الذي تجيده و انت تنظر في الفناء و تقول:
(نفسي اسعد الناس و كل الناس ,بس ما عارف كيف)
لقد اسعدتنا حقا بصوتك الغريب و اداءك المتبرج و لقد جعلت ثياب الفن و الابداع تهوى من على جسده لتتبدى محاسن الوله و الشغف و روح الابداع و الامتاع فكانك ابونواس و هو ينظر خلسة:
نضت عنها الثياب لغسل ماء فورد خدها خفر الحياء
و قابلت الهواء و
قد تعرت بمنعدل ارق من الهواء
فصار الصبح منها تحت ليل و صار الماء يقطر فوق ماء
و كما عانى ذرياب من اسحق الموصلي , فقد عانيت ايضا و كم لدينا من اسحاق و كم لدينا من مواصل و لكنها كلها لم تقدر ان تطفئ جذوة ابداعك المتقدة و صوتك الطل الندي و طلاوة نغماتك و لا تزال افضل من طنبر و لو كره الاكثرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *