بكي أحد تلاميذ بن رشد بحرقة شديدة وهو ينظر للسلطات تحرق كتب ابن رشد فقال له بن رشد جملته الشهيرة : ( يا بني لو كنت تبكي علي الكتب المحترقة فاعلم أن للأفكار أجنحة وهي تطير بها لكن لو كنت تبكي علي حال العرب والمسلمين فاعلم أنك لو حولت بحار العالم لدموع لن تكفيك ) .. معني ذلك أن احوال المسلمين في الفترة التي عاش فيها بن رشد تستدعي البكاء عليها .. إستعير هذه المقولة لابدأ بها سلسلة مقالات ومناقشات تحديات المشروع الإسلامي بالسودان بعد ما تعرض لتحديات وصراعات بعض هذه الصراعات بات يشكل تحديا خارجيا وبعضها يمثل تحديا داخليا ( صراع الانداد والمكاسب وتقاطع المصالح الشخصية ) والاخير هو الأكثر ضررا علي ثوابت وقيم المشروع الإسلامي وهو الابلغ أثرا وفتكا بالاسلاميين وترك تشوهات علي حائط مصداقية اهداف مشروع الحكم الوطني وغاياته وأطفأ شمعات كثيرة كانت مضيئة في تجربة الإنقاذ .. هذه مناجاة لمناقشة تحديات السلطة والثوابت والقيم التي كانت تنادي بها الحركة الاسلامية وتعرضت لهزة مصداقية إثر مصادمتها بحائط التجربة العملية وهذه محاولة لإيجاد بعض المبررات والتفسيرات السياسية تحليل المبادرات التي يعتبرها البعض خروجا عن المألوف وتسببت في شكوك وقلق بعض الشباب بل يعتبرها بعضهم كفرا بواح .. في الواقع صحيح تعرضت تجربة الإسلاميين الي إنحرافات وإفساد وأهواء نفس وطوحات علي ضوءها أصدر بعض رجال الانقاذ فتاواهم بحرق بعض مراحلها والقضاء عليها سرا وعلانية وبعضهم تضامن مع خصوم الإنقاذ التقليديين ووضع يده في يده دون أن يكترث هؤلاء الي حجم المفاسد والفجور التي سيجلبونها من خلالىهذه الخطوة الغريبة وبالفعل ذهب الناس وكثير من الشباب بعد تضليل وجداتهم بشعارات مثل ( تسقط بس ) فحرقوا تجربة الإسلاميين بكل إرثها وظن البعض أنها أصبحت رمادا فتحسر من تحسر وغاب من غاب لكن التجربة التي غابت بعد إلتماع نبتت تاني وتجاوزت مآسي الدهر وظلم العباد .. لكن التجربة الجديدة قالت بوضوح إن الحركة الإسلامية تستطيع أن تجدد نفسها وخطابها لكنها لن تكرر خطأها رغم أن فرية أنها ماتت قد سرت في البعض وخدرت الكثيرين .. اليوم ظهر التيار الإسلامي الوطني العريض كتيار فكري سياسي جامع وبوصلة لكل أهل القبلة .. ثم نشط الموتمر الوطني محمولا علي إرثه وعطاءه الوطني الكبير رغم كيد المتآمرين ليقول للناس أجمع أنه الحزب الوحيد الذي إستطاع إستيعاب التنوع والنماذج الاجتماعي السوداني اتفق الناس أو إختلفوا معه .. وهاهي الحركة الإسلامية تتكلم عن أحوال الوطن وشأنه .. وأمينها العام الشيخ علي كرتي يزور ولاية الجزيرة ويخاطب أحوال الوطن السيئة التي تستحق أن نبكي عليها قبل أي إستعمار خارجي وتآمر داخلي .. كرتي يقول لعضوية الحركة الإسلامية إن كنتم تبكون علي الكتب والشعارات المحروقة فأعلموا أن للأفكار أجنحة ولكن لو كنتم تبكون علي حال الوطن وأهله فأعلموا أنكم لو حولتم بحار العالم لدموع لن تكفيكم .. إنني أستدعي هذه المعاني ويقيني أن الجميع يستمتع بهذه المشاهد ويحلل هذه التحولات الدراماتيكية التي بلغتها حركة الاسلام في السودان بصبرها وحلم قادتها وحمد قواعدها لما حدث بأنه مجرد حرق مراحل لكنهم علي أمل أن الأمور ستتطور أكثر ونحو الأفضل وسيعوق الحق أقوي ..
نواصل إنشاء الله