وكالات : كواليس
يحظى الأزهر الشريف بمكانة ودور كبيرين في مصر والعالم الإسلامي، ويوصف بأنه كعبة علوم الإسلام، لكنه مع ذلك لم يسلم طوال مراحل تاريخه من الانتقادات والهجمات الفكرية والحملات السياسية والإعلامية، بعضها تتعلق بأسباب سياسية كرفض مشايخ الأزهر الانحياز لمواقف وتوجهات السلطة الحاكمة، وبعضها تتعلق بتحميله المسؤولية عن شيوع التطرف ووقوفه ضد مساعي تجديد الخطاب الديني.
ومنذ تأسيسه في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله عام 970 ميلادي الموافق لـ359 هجري، لعب الأزهر دورًا كبيرًا في نهضة مصر والأمة الإسلامية، وكان مرجعية وملاذ الطلاب والعلماء الوافدين من كل أنحاء العالم الإسلامي، كما يؤكد رئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، صبري أبو حسين والذي تحدث لبرنامج “موازين” عن تاريخ ومسيرة الأزهر.
ووفق ما جاء في مداخلة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، محمد عفيفي، فقد كان الأزهر معقلا للحركة الوطنية المصرية عبر التاريخ الحديث والمعاصر، فخلال الحملة الفرنسية على مصر كان المكان الذي يجتمع فيها الطلاب والشيوخ وحتى عامة الناس للبدء بأعمال الثورة تحت الاحتلال الفرنسي، ما دفع نابليون بونابرت إلى ضرب الأزهر بالقنابل واقتحامه بالخيول في سابقة لا مثيل لها في التاريخ. كما لعب دورًا مهمًّا جدًّا في الثورة العرابية وفي ثورة 1919.
ويضيف صبري أبو حسين أن الأزهر كان له دور في تعيين واختيار محمد علي عام 1805 وفي مقاومة العدوان الثلاثي على مصر 1956 وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مؤكدا أن الأزهر كان دوما بطلابه وعلمائه وشيوخه في خدمة مصلحة مصر.
ورغم الدور الذي لعبه في الحركة الوطنية المصرية وفي الدفاع عن قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين، تعرض الأزهر لحملات سياسية وإعلامية وانتقد البعض في مراحل معينة طبيعة علاقته بالسلطة الحاكمة في مصر.
ويشير الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، عمار علي حسن -في مداخلته ضمن حلقة (2023/3/1) من برنامج “موازين”- إلى أن هناك منازعة دائمة بين السلطة السياسية والأزهر الذي نشأ بالأساس نشأة سياسية على يد الفاطميين الذين أرادوا به ترسيخ أيديولوجيتهم الشيعية، ورغم أن القائد صلاح الدين الأيوبي غيّر وجهته، فإن الأزهر ظل على مدار تاريخه يدور سلبا وإيجابا مع السلطة السياسية أينما ذهبت، يناطحها أحيانا ويلاينها أحيانا أخرى.
وفي الفترة الأخيرة أخذ التصادم بين السلطة السياسية والأزهر شكلا مختلفا -يواصل عمار علي حسن- حيث إن الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية وبعض المؤسسات تريد أن تنتزع من الأزهر الكثير من صلاحياته، كم يحتج البعض بقضية التجديد والإصلاح والتطوير للضغط عليه، مؤكدا أن على هذه المؤسسة الدينية أن تنزع إلى “الإصلاح الذاتي المتجدد المرن الذي لا ينظر إلى مصلحة الحاكم أو النخبة الحاكمة بل إلى مصلحة الناس والأمة”.
ومن جهته، يذكر عفيفي في مداخلته أن الملكين -فؤاد وفاروق- استخدما الأزهر في صراعهما مع حزب الوفد وكانا يطلبان دعمه ومؤازرته لهما، وبسبب هذا الانحياز لم تكن علاقة سعد زغلول بالأزهر قوية ونفس الأمر بالنسبة لمصطفى النحاس باشا.
وفي المقابل، يشدد رئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر على أن الأزهر لا علاقة له بالسياسة وبالأحزاب السياسية، فهو جامع وجامعة ومنارة للعروبة وللإسلام، وممثل للإسلام السني والوسطي المستنير، و”يتمتع باستقلالية تامة”.
تمييع دور الأزهر
ويعود عمار علي، في مداخلته، إلى علاقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالأزهر، مؤكدا أنه ربما قصد تمييع دوره من خلال قانون 1961 الذي يحدد مجال عمله، والذي سمّاه البعض بقانون تأميم الأزهر، حيث أضاف له عبد الناصر أعباء كبرى عندما جعله جامعة.
ويكشف في السياق ذاته أن الأديب طه حسين التقى عبد الناصر وقال له إن إصلاح الأزهر يتطلب أن ينهمك وينشغل بالأساس بالقضايا الدينية وأن ينهل من العلوم الإنسانية، بما يخدم هذه القضايا لا سيما في الاجتماع والفلسفة وعلم النفس والبلاغة والمنهج البحثي.
وحسب عمار علي، توجد جامعات وكليات كثيرة في مصر تتولى تدريس العلوم جميعا مثل الفلسفة والاجتماع والاقتصاد، لكن الأزهر هو المؤسسة التي بوسعها تدريس العلوم الدينية بعمق وشمول، ويأتي إليه الطلاب من كل أنحاء العالم لهذا الهدف، فمثلا لا يأتي طالب من نيجيريا أو إندونيسيا لدارسة الطب والفلسفة في الأزهر، ولكنه يقصده لتلقي العلوم الدينية بعمق أوسع.
وحول الدعوات المطالبة بتجديد مناهج مؤسسة الأزهر، يؤكد عمار علي أن الأزهر منوط به أن يواكب في تصوراته الدينية التطورات أو مراعاة مصلحة الأمة، ويجب أن يكون الخطاب الديني أو الفتوى الشرعية أو الرأي الفقهي أو التصور الديني مواكبا للتطورات الحياتية بشكل مستمر، مشيرا إلى أنه في بعض الأحيان يطالب البعض الأزهر بالتجديد في إطار سياسي لابتزازه أو ليكون دائما في حضن السلطة، وطالب بأن يكون التجديد بيد الأزهر وحده.
في حين يؤكد صبري أبو حسين أن الأزهر يعتبر أن التجديد هو لازم من لوازم الشريعة الإسلامية، لكن التجديد لا يكون في ثوابت الإسلام بل يكون في الأمور الاحتمالية، ولا يجدد إلاّ الراسخون في العلم، منوّها إلى أن الأزهر يحرص على التجديد بدليل حديثه عن المواطنة والعيش المشترك ووثيقة الأخوة الإنسانية وهي نظرة جديدة عصرية، فضلا عن تجديد مناهج التعليم في المعاهد والكليات الأزهرية.