بقلم : الرفيع بشير الشفيع
١٦ أكتوبر ٢٠٢٢
السيد القائد البرهان، قائد الجيش وقائد دفة الوطن في أحرج مرحلة في عمره ، مرحلة تشابكت فيها وتقاطعت الرؤى والمواقف وتباينت فيها التقديرات وتغيرت فيها معالم السياسة الداخلية في السودان وتكالبت فيها الأمم على قصعته، وضاق امام الناس الرؤية وتغبشت وادلهمت الايام واظلمت وضاعت فيها البوصلات وتصادمت فيها الأيديولوجيات وتكاثرت فيها الخلافات وطغى فيها الشقاق والنفاق وسوء الاخلاق، وبلغت فيها قلوب الناس، الحناجر، وانعدمت فيها الحكمة ، وجفّت الوجدان وساءت النفوس ، إلا من رحم الله.
مرحلة أقل ما توصف بها انها مرحلة امتطاء السودان ظهر حوت كبير ، يُشرق به ويغرّب، ويغرق به ويطفو والسودان تتقطع انفاسه للعبور في ظل ايام لا يملك السودان فيها أمره ولا يملك سيادته وقد تخلى عن ريادته كرها او طوعا، وهو الآن في غرفة انعاش لا يعلم إلا الله وحده متى وكيف ومدى إمكانية أن يخرج منها سليما معافى، وقد تكالبت عليه الأمم كل يحمل عليه معولاً يهد به عضد السودان، وقد قرر العالم محو السودان من الوجود إن استطاعوا.
أقول هذه المقدمة الطويلة والمريرة لكي تعلم أننا نجد لك عذرا في لملمة أطراف السودان وشتاته الفكري والسياسي والأيدولوجي والتصادمي، في هذه المرحلة المتشابكة هذه ولكنا نراك تفعل ما بوسعك حتى بأضعف الإيمان.
وقد ظللنا نصبر ونتصبر ونعذر ونعتذر عنك وننافح من حولك على أن الذي تقوم به من حلول، هو أفضل ما يمكن ان يقوم به قائد في هذه المرحلة العصيبة ، التي استطعت ان توفر فيها دماء الناس وعرضهم وأن تحجيهم من الشتات والتهجير، بعد الله ، اختلف الناس على ذلك أو اتفقوا.
لكن أسمح لي أن أهمس لك ببعض النصائح التي ارتجأتها لهذه اللحظة الحاسمة على ان قولها اصبح فرض عين عليّ واصبح الصمت عليها لا يقل عن فعل شيطان أخرس:-
أولا: إذا صح أنك قد عاودت الجلوس مع من انتبذهم الشعب ورفض مشروعهم المصادم لدين واخلاق الشعب والهادم لوطنه وعزته وإبائه، وقد شكرك الشعب كله وأثنى عليك بإحداث التغيير اللازم لذلك في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ، إذا صحت هذه الأخبار ، فإنك تكون قد هدمت كل ما بنيته ، وقد أدخلت السودان في النفق المظلم من جديد ، ولا نجد لك عذرا حتى لو تمت ممارسة ضغوط عليك تمنعك من تناول اللقمة لفمك.
ثانيا : اعلم أن الشعب السوداني الذي عذرك في عدم ايضاح مواقفك في كل المرحلة الفائتة، هو نفس الشعب الذي رفض للمشروع المصادم لدينه واخلاقه وقيمه والذي اتى به العملاء في ابريل ٢٠١٩ والذين يتهمك البعض أنك قد جلست مرة اخرى تنقض غزل ما صنعت ، معهم.
ثالثا : إذا صح ما نفح من أخبار بأنك سوف تتخذ هؤلاء بطانة او شريكا مرة أخرى، وبأي سبب ، فأعلم أن هؤلاء استراتيجيون في عدائهم لله وعدائهم للجيش، وقد حاربوه منذ ١٩٨٣م قبل وصول المؤتمر الوطني والذي يحلو لك التصدق عليهم بجملة( ما عدا المؤتمر الوطني) هذه الجملة الممعنة في تمزيق ورقة الديمقراطية التي يخادع هؤلاء، الناس بأنها ضمن مشروعهم وهي عنهم براء، فهؤلاء القوم هم اعداء الجيش بخط حربهم الزمني عليه وبالحقد الذي يحملونه وبخططتهم لتفتيته واعادة هيكلته، فإذا اعدت التجربة مهم فإن هذا يعني عند الشعب الأتي:-
أ- إعادة الشقاء على الشعب السوداني مرة أخرى ومواصلة الأذى له في مأكله ومشربه وأمنه وبقاءه شعبا متماسكا.
ب- تنفيذ الخطة الصهيونية في تدمير السودان بتقسيمه.
ج- التوقيع على خطة تفتيت الجيش واعادة صناعة خطة مشروع تحرير السودان والسودان الجديد، فإذا صحّ ما يُقال ، فإنك ستكون الشريك الفعلي والغطاء الأقوى لذلك المشروع المصادم، وسيصدق فيك اتهام الناس من أن أصحاب المشروع لم يختاروك عبطا” ايام الإعتصام لتكون قائدا للجيش وللوطن من بين رصافئك المئات ممن هم مثلك في الجيش.
رابعا وأخيرا ؛ أذكرك أنه إذا صح وقد لجأت لإحياء اصحاب الفكر الماركسي والبعثي والقومي، أذكرك أن هذا الثلاثي هو نفسه الذي اختار نميري وصنعه كما اختارك في الاعتصام واجتباك، وأذكرك بأن هذا الثلاثي هو نفسه الذي حارب نميري وانقلب عليه ، ليس حربا على نميري فقط انما تفتيتا لعضد الجيش، واذكرك بأن هذا الثلاثي هو الذي غدر بكل قادة الجيش قبلك، هو وراء الحرب على اللهو الوطن وعلى الجيش وعلى نميري السودان منذ ١٩٨٣م ، وضد دينه ووحدته وبقاءه منذئذ، وأن هذا الثلاثي هو الذي يحارب السودان كلما فقد الناس أمنهم والتجأوا لجيشهم يحتمون به ويتوقون منهم بقيادته، وأنت ليس بدعا في قيادة الجيش وليس بهلوانا يستطيع أن يشبع رغائب هؤلاء في دماء الناس والوطن.
نرجو أن تسأل من اذا صح وإن لجأت إليهم ثانية، أسألهم عن مشروع واحد اقاموه، حتى زراعة شجرة او فسيلة في مشروع، وأسألهم عن لبنة واحدة وضعوها في طريق او اي عمارة اقاموا او مصنع نجى منهم ومن تأميمهم، أسألهم عن أي دين واخلاق أبقوا وقد علمت برامجهم المصادمة للدين والأخلاق ، بل أسألهم عن برامجهم ومشاريعهم الوطنية وعن التغيير الايجابي الذي خدعوا به الناس وانتهبوا ثورتهم وثروتهم وأغضوا جفونهم وأطالوا ليلهم، فإن كنت تدري الاجابة وصحّ أن لجأت إليهم من جديد ، فإننا نتضرع بالشكوى لله ونشكو اليه بثنا وحزننا.
هذه همستي الدافئة اليك اليوم ، ولعلي ولعلك ولعل الوطن لا يجد فسحة من عمره أن أبث لك بهمسة اخرى، لأني أرى أن في تراجعك، إن صحّ ، فهو الفناء للسودان بعينه، ولسوف يحاسبك الشعب امام ربه يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا تحمي نيشانات او تنفع مناورات أمام الأعظم قوة والأشد مكرا.
مع خالص ودي وتمنياتي لك بالتوفيق والسداد فيما يرضي الله ويعزز بقاء جيشك ابيا ووطنك محميا.
الرفيع بشير الشفيع
١٦ أكتوبر ٢٠٢٢